هذا هو الإسلام
أ. د/ محمد شامة
يتعرض الإسلام
اليوم لهجوم عنيف ، لم يشهد مثله فى أى عصر من العصور ، ذلك أن وسائل الإعلام
الحديثة بما لها من انتشار واسع ، مع تأثير قوى على جبهة عريضة من الجماهير -
وخاصة الذين ليس لديهم وقت لتلقى المعلومات من أى مصدر آخر سوى هذه الوسائل المرئية
والمسموعة –أعطت للمتلقى صورة غير صحيحة عن الإسلام ، لأن معظم الذين يتناولون هذا
الموضوع لا يتلقون معلوماتهم عنه إلا من
الجانب الذى لا يمثل الإسلام ؛ فالذين يدعون معرفتهم بالإسلام يستقون معلوماتهم من
أفواه أنصاف المتعلمين والجهلة ، وكثير منهم يعتمدون فى التأثير على الآخرين
بأصواتهم العالية ، واستخدامهم وسائل اتصال حديثة ، تساعدهم فى ذلك جهات غير
معروفة ، تكيد للإسلام وتحاول تصويره بأسلوب ينفر المسلمين منه .
لهذا رأيت أن
أعرض على القارئ صورة موجزة للإسلام وتعاليمه ، كى يتضح جانباً من جوانب البناء
الإسلامى كما ينبغى أن نعرفه .
فالإسلام
دين سماوى ، أنزل الله تعاليمه على محمد r فى كتاب سماوى سماه : القرآن الكريم ، وأمره بتبليغه للناس كافة .
وتدور تعاليمه حول الإنسان إذ كرمه وفضله على سائر المخلوقات ، فقال تعالى : ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ
[ الإسراء:
٧٠ ]
يسيطر حب
الظهور والاستعلاء على مشاعر الإنسان وأحاسيسه فيدفعه إلى سلوك كل الطرق لتأكيد
تميزه على غيره من أبناء جنسه ، ويعمق فى نفسه الاعتقاد بتفاوت الطبقات بين البشر
، فيقوده ذلك إلى تصنيف الناس وتقييمهم حسب ما يعتقد أنه يرفعهم درجة أو يُنْزِلهم
درجتين ، أو يقربهم من علية القوم ، أو يصنفهم مع طبقات الدرجة السفلى . وقد درجت
المجتمعات البشرية على اعتبار الظواهر المادية أساساً للتصنيف ، فمن يملك مالاً أكثر
من غيره ، يحتل درجة أعلى ، ومن يتمتع بجاه أو سلطان يحتل مكان الصدارة بين الناس
، ولذا أصبح المقربون إلى الحكام والسلاطين هم أولئك الذين يملكون الثروات ، أو
يتمتعون بجاه العصبية والسلطان ، أو يكون لهم من القوة ما يمكنهم من التقرب إلى
الحاكم ، أو ما يحمل الحاكم على جذبهم نحوه حتى يؤمن ملكه ، ويقوى سلطانه . أما
أولئك الفقراء فليس لهم مكان بين هذه الطبقات ، حتى وإن كانوا أحسن خلقاً ، وأعز
نفساً ، وأحرص على خدمة الأمة . فتقييم الناس عند هؤلاء القوم لا يعترف بميزان
التقوى و الصلاح ، بل بكثرة الدراهم والدنانير ، ومنعة القوة والسلطان .
غير أن رسالات
الله التى أنزلها الله على رسله وضحت أن هذا الميزان لا وجود له عند الله ، بل يقرب الإنسان إليه على أساس الخلق الحسن ،
والسلوك السليم ، والتقوى والصلاح ، وصفاء النفس و طهارة القلب ، والعمل الصالح
والإسهام الإيجابى فى بناء المجتمع ،
والبذل والعطاء لحماية خلق الله من شرور المفسدين وطغيان المتكبرين .
كذلك من تفضيل
الله الإنسان أن جعله مركز هذا الكون المادى العريض ، فهو سيده ، يتصرف فيه كيف
يشاء ، وعلى أى وجه يريد ، فله الحرية فى ممارسة طاقاته معه ، لا قيد عليه فيما
يفعل ، ولا حجر عليه فيما يتناول ، وليس بينه وبين ما يريد الانتفاع به من هذا
الكون باب مغلق ، ولا حجاب يحول بينه وبين ما يريد ، ولا حاجز يفصل بينه وبين
الوصول إلى أى شيء ، فالكون مسخر له ، وكأنه خُلِق من أجله ، وَوُجِد له ،
وفُصِّلَت ظواهر الطبيعة من بحار وأنهار وجبال ووديان ، وريح ورياح لينتفع بها فى مجالات
حياته المختلفة ، وأحوال تكوينه المتنوعة ، يقول تعالى : ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ [ إبراهيم : 32
– 34 ]
ويقول :
ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ [ الإسراء : 70
]
ويقول :ﱡﭐ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ [ الجاثية : 12 – 13 ]ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﱠ
ويقول :
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱠ [ لقمان : 20 ]
وبهذا أصبح
الإنسان مؤهلاً لحمل أمانة الوحى ، فحريته الواسعة الذى تمكنه من اختيار طريق
الهدى وسيلة لحياته ، ومصباح الحق نوراً يهتدى به فى سلوكه ، حتى لا يتعثر فى
طرقات الدنيا المظلمة ، وقد شرع الله معالم تحدد له مسار الركب الإنسانى حتى لا
ينحرف ، فيتيه فى صحراء مهلكة ، ووديان مليئة بماء آسن ، وقاذورات تلطخ ثوبه
الناصع ، الذى خلقه الله به .
فحرية الإنسان
وسيلة أعطاه الله إياها ليصبح مستعداً عن طواعية لحمل الأمانة الكبرى ، ألا وهو
التكليف باختيار ما يصلحه ديناً ودنيا ، وهو ما عبر الله عنه وصوره فى أبدع صورة فى
قوله تعالى : ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱠ [ الأحزاب : 72
] ، حملها لأنه كان على استعداد لحملها ، فهو يتمتع
بالحرية التى تمكنه من القيام بهذا الواجب ، ولذا فمصيره بيده ، إن شاء اختار طريق
الله ، وإن شاء تخبط فى ظلمات الشيطان ، يقول تعالى : ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﱠ [ القيامة : 14
] ، ويقول : ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﲂ ﱠ[ الكهف : 29 ] ، ويقول : ﭐﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱠ [ الشمس : 9 –
10 ] ، ويقول : ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲶ ﱠ
[ الإسراء : 7 ]
فقد بين
الإسلام أن الله خلق الإنسان ، ومنحه الحرية فى سلوكه وتصرفاته ، فحرى بهذا
المخلوق، بناءً على هذا العطاء الإلهى :
-
أن يكون حراً فى التعبير عن أفكاره ، وفى اعتناق ما يراه صالحاً لنفسه
ومجتمعه وفى الإيمان بما يميل إليه عقله ويقتنع به ، فلا يجوز لأحد أن يصادر حريته
فى هذا المجال ، وإلا أعطى لنفسه حقاً لم يسأ الله أن يستعمله مع خلقه ، وتصدى
لطبيعة خلقها الله فى الإنسان ، وكبت غريزة لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها ، ولا
تصلح النظم الاجتماعية إلا بظهورها ، ولا تسير حياة الأمم فى مجراها الطبيعى إلا
إذا تمتع أفرادها بهذه الحرية .
ومن الطبيعى
لهذا الإنسان :
أن يحصل على
حقه مما سخره الله له ، فلا يجوز لأحد أن يحرمه من هذا الحق ، فليس لأمة أن تستأثر
بالموارد الطبيعية دون غيرها ، ولا لشعب الاستحواذ على ما يرفع مستوى معيشته ،
بينما يحتاج غيره من الشعوب إلى ما تسد به رمقها . ولا لجنس أن يملأ بطون أفراده بأطايب
الطعام ولذيذ الأشربة ، بينما شعوب أخرى يقتلها الجوع بعد أن تمر بطريق طويل تذوق
فيها ألواناً من الحرمان وصنوفاً من آلام تتعرض لها أبدانها العارية وبطونها
الخاوية ، وأجسادها التى أصبحت مستعمرة للأمراض، وموطناً لكل أنواع العلل
والأسقام .
أكد الإسلام
على هذين الأمرين : الحرية والمساواة فى حقوق الانتفاع بما سخره الله للإنسان ،
لأنهما أساس العدل فى المجتمع الإنسانى ، ومصدر تقرير عزة الإنسان وكرامته ، وسياج
المحافظة على إنسانية الإنسان ، فلا تُهْدَر ، ولا تُهان ، ولا يلحقها ما يشينها ،
أو يحط من كرامتها التى بوأها الله إياها . فإذا تقرر هذا لدى ضمير المجتمعات
الإنسانية ، وحافظت عليه الحكومات ، واعترف به دعاة المذاهب والاتجاهات الفكرية ، وآمن
به كل فرد إيماناً راسخاً ، بحيث يكون مستعداً للدفاع عنه بكل ما أوتى من وسائل ،
وما تيسر له من سبل ، لاختفت ظواهر الظلم ومعالم الاستغلال من المجتمعات البشرية ،
فلا ينال أحد أكثر مما يستحق ، ولا يُحْرَم إنسان من حق الحياة على نحو يحفظ عليه
إنسانيته وكرامته . ويومئذ يشعر المرء بالأمن والأمان ، والاطمئنان والاستقرار ،
وذلك ما تهدف التعاليم الإسلامية إلى تحقيقه للإنسان فى الدنيا ، فضلاً عن مجازاته
فى الآخرة على حسن عمله فى دنياه ، يقول تعالى : ﱡﭐ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﱠ [ آل عمران: ١٤٨ ]
اعترف الإسلام
بالكيان الإنسانى كله : جسمه وروحه ، عقله وقلبه ، إرادته ووجدانه ، ولهذا لم يغفل
جانباً من هذه الجوانب فى خطابه له .
ففى الجانب
المادى :
أمره بالسعى فى
الأرض ليأكل من طيباتها ويستمتع بما فيها ، وما يمكنه أن يستخرجه منها ، كما حثه
على النظافة والتجميل ، بشرط الاعتدال فى ذلك كله . كما نهاه عما يضره بدنياً ؛
فحرم المسكرات بجميع أنواعها ، حتى لا يضر جسمه ، فيعجز عن القيام بما تفرضه عليه حياته
.
وفى الجانب
الروحى :
أمره بعبادة
الله وحده ، ففرض عليه أنواعاً من الطاعات كـ : الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج
، وحثه على الالتزام بما يقربه إلى ربِّه ، مثل : الذكر ، والدعاء ، والتوكل ،
والخوف ، والرجاء ، والبر ، والإحسان ، والجهاد فى سبيل الله ... وغير ذلك مما
يقرب العبد إلى ربه ، ويبعده عن وساوس الشيطان وهواجس الأشرار .
وفى مجال العقل
:
أمره بالنظر فى
ملكوت السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات، كما حثه على التفكير فى مصائر الأمم
وسنن الله فى المجتمعات ، فلم يحرم عليه العلم ومعرفة الحكمة ، مهما كان مصدرها ،
بل أنكر عليه الجمود والتقليد للآباء
والكبراء ، وما ذاك إلا ليدفعه إلى ممارسة شئون الحياة على نحو يلبى كل
رغبات عناصر تكوينه .
ولم يهمل جانب إحساسه
بجمال ما حوله والتفاعل معه نفسياً وروحياً ، فوجهه إلى النظرة والتأمل فى جمال
الكون بأرضه وسمائه ، ونباته وحيوانه ، لاكتشاف مظاهر الحسن والبهجة فيه ليشبع
حاسة الجمال عنده ، فيشعر بعظمة الخالق فى أعماق نفسه، و فى ثنايا وجدانه ، يقول
تعالى : ﭐﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ
[ ق : 6 ] ، و يقول : ﭐﱡﭐ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﱠ [ الغاشية : 17
– 20 ] ، ويقول : ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ [ الأنعام : 99
]
إن خطاب الله
للإنسان على هذا النحو يؤكد أن الإسلام ينظر إلى كيان الإنسان كله ، فلم يهمل جانباً
لحساب آخر ، وفى ذلك اعتراف بكل عنصر فيه ، وتقدير لمهمته التى خلق من أجلها ، فسبحان
من خلق فأحسن الخلق ، وصور فأبدع التصوير، يقول تعالى : ﭐﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱠ [ الانفطار : 6
– 8 ]
أخوة إنسانية فى الإسلام
كان اليهود من
أوائل الشعوب التى ابتدعت تمايز الأجناس البشرية ، وعلو طبقاتها فوق بعض ، وذلك
بزعمهم أنهم المفضلون عند الله ، أو هم شعب الله المختار ، أما بقية الشعوب فحثالة
لا قيمة لها عند الله . كذلك تصور الإغريق أنهم المتمدينون ، ومن عداهم برابرة
متوحشون . ولم يختلف الحال عند المصريين القدماء ، فقد كانوا يرون أنهم أبناء
الشمس ، وشعب الله المعبود .
وانتشرت هذه
الفكرة عند الرومان ، فأبناء روما هم الفضلاء الأحرار وغيرهم عبيد أرقاء ، كما أن
الصينيين اختصوا أنفسهم بالمدنية والحضارة ، ومَنْ عداهم جهلة بدائيون ، ومن
المؤسف حقاً أن أرسطو ، ذا العقل الكبير والآراء النيرة قال : " إن البشر
جنسان ، أحرار وعبيد ، فالأحرار هم الذين يجب أن يحموا العالم ، أما العبيد فهم
آلات صماء فى أيدى الأحرار." ولعل دعاة التمييز العنصرى فيما مضى من القرون
استندوا على هذه الفكرة الزائفة من أفكار أرسطو ، واتخذوها أساساً لعدوانهم على
الطبقات التى كانوا يعدونها طبقات سفلى ، فسلبوهم حقوقهم ، وعاملوهم معاملة سيئة ،
لأنهم أدنى منهم وأحط شأناً .
أما الإسلام
فلم تقتصر وصيته للمسلمين بحسن معاملة وحفظ حقوق الآخرين على إخوانهم فى العقيد ،
الذين يعيشون معهم فى مجتمع واحد بل أمرهم أيضاً أن يحسنوا معاملة المخالفين لهم
فى العقيدة - وإن نأت ديارهم عنهم ،
ماداموا يرعون حرمات الإسلام ، ولا يأتون عملاً يترتب عليه إيذاء المسلمين ، أوتهديد أمنهم ، يقول تعالى : ﭐﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ [ الممتحنة : 8
]
وقد سلك
الإسلام فى إقامة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين منهجا يستميل العاطفة ،
ويؤثر تأثيراً كبيراً على مشاعر الإنسان فى مجال التقريب بين أفراد البشر ، ذلك
أنه بَيَّن أن أصل الناس واحد ، فهم
مشتركون فى مبدأ الخلق ومادته ، التى تَفَرَّع عنها جميع الآدميين ، فهم وإن
اختلفوا فى الألوان والأشكال ، وتباينوا فى الهيئات والملامح فإنهم منحدرون من أب
واحد وأم واحدة ، مما يحتم عليهم أن ينهجوا فى سلوكهم مع بعض الأسلوب الذى ينبغى
أن يسود بين الإخوة ، يول تعالى : ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ
[ النساء : 1] ، فإن هذه الآية تذكرة للإنسان بوحدة أصل البشرية جمعاء ، ودعوة له إلى
العمل على ما يقوى الرابطة والتعاون والتكاتف بين أفرد البشرية فى كل أنحاء الكرة
الأرضية باعتبارهم جميعاً أقارب ذوى رحم واحدة .
أ. د/ محمد شامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق