إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 8 أبريل 2020

هذا هو الإسلام


هذا هو الإسلام
                                                                                               أ. د/ محمد شامة
يتعرض الإسلام اليوم لهجوم عنيف ، لم يشهد مثله فى أى عصر من العصور ، ذلك أن وسائل الإعلام الحديثة بما لها من انتشار واسع ، مع تأثير قوى على جبهة عريضة من الجماهير - وخاصة الذين ليس لديهم وقت لتلقى المعلومات من أى مصدر آخر سوى هذه الوسائل المرئية والمسموعة –أعطت للمتلقى صورة غير صحيحة عن الإسلام ، لأن معظم الذين يتناولون هذا الموضوع لا يتلقون  معلوماتهم عنه إلا من الجانب الذى لا يمثل الإسلام ؛ فالذين يدعون معرفتهم بالإسلام يستقون معلوماتهم من أفواه أنصاف المتعلمين والجهلة ، وكثير منهم يعتمدون فى التأثير على الآخرين بأصواتهم العالية ، واستخدامهم وسائل اتصال حديثة ، تساعدهم فى ذلك جهات غير معروفة ، تكيد للإسلام وتحاول تصويره بأسلوب ينفر المسلمين منه .
لهذا رأيت أن أعرض على القارئ صورة موجزة للإسلام وتعاليمه ، كى يتضح جانباً من جوانب البناء الإسلامى كما ينبغى أن نعرفه .
فالإسلام دين سماوى ، أنزل الله تعاليمه على محمد r فى كتاب سماوى سماه : القرآن الكريم ، وأمره بتبليغه للناس كافة . وتدور تعاليمه حول الإنسان إذ كرمه وفضله على سائر المخلوقات ، فقال تعالى : ﱡﭐ  ﱿ      [ الإسراء: ٧٠ ]
يسيطر حب الظهور والاستعلاء على مشاعر الإنسان وأحاسيسه فيدفعه إلى سلوك كل الطرق لتأكيد تميزه على غيره من أبناء جنسه ، ويعمق فى نفسه الاعتقاد بتفاوت الطبقات بين البشر ، فيقوده ذلك إلى تصنيف الناس وتقييمهم حسب ما يعتقد أنه يرفعهم درجة أو يُنْزِلهم درجتين ، أو يقربهم من علية القوم ، أو يصنفهم مع طبقات الدرجة السفلى . وقد درجت المجتمعات البشرية على اعتبار الظواهر المادية أساساً للتصنيف ، فمن يملك مالاً أكثر من غيره ، يحتل درجة أعلى ، ومن يتمتع بجاه أو سلطان يحتل مكان الصدارة بين الناس ، ولذا أصبح المقربون إلى الحكام والسلاطين هم أولئك الذين يملكون الثروات ، أو يتمتعون بجاه العصبية والسلطان ، أو يكون لهم من القوة ما يمكنهم من التقرب إلى الحاكم ، أو ما يحمل الحاكم على جذبهم نحوه حتى يؤمن ملكه ، ويقوى سلطانه . أما أولئك الفقراء فليس لهم مكان بين هذه الطبقات ، حتى وإن كانوا أحسن خلقاً ، وأعز نفساً ، وأحرص على خدمة الأمة . فتقييم الناس عند هؤلاء القوم لا يعترف بميزان التقوى و الصلاح ، بل بكثرة الدراهم والدنانير ، ومنعة القوة والسلطان .
غير أن رسالات الله التى أنزلها الله على رسله وضحت أن هذا الميزان لا وجود له عند الله ، بل  يقرب الإنسان إليه على أساس الخلق الحسن ، والسلوك السليم ، والتقوى والصلاح ، وصفاء النفس و طهارة القلب ، والعمل الصالح والإسهام الإيجابى فى بناء  المجتمع ، والبذل والعطاء لحماية خلق الله من شرور المفسدين وطغيان المتكبرين .
كذلك من تفضيل الله الإنسان أن جعله مركز هذا الكون المادى العريض ، فهو سيده ، يتصرف فيه كيف يشاء ، وعلى أى وجه يريد ، فله الحرية فى ممارسة طاقاته معه ، لا قيد عليه فيما يفعل ، ولا حجر عليه فيما يتناول ، وليس بينه وبين ما يريد الانتفاع به من هذا الكون باب مغلق ، ولا حجاب يحول بينه وبين ما يريد ، ولا حاجز يفصل بينه وبين الوصول إلى أى شيء ، فالكون مسخر له ، وكأنه خُلِق من أجله ، وَوُجِد له ، وفُصِّلَت ظواهر الطبيعة من بحار وأنهار وجبال   ووديان ، وريح ورياح لينتفع بها فى مجالات حياته المختلفة ، وأحوال تكوينه المتنوعة ، يقول تعالى :  ﱡﭐ       ﲿ ﳅ    [ إبراهيم : 32 – 34 ]              
ويقول :
ﱡﭐ    ﱿ      [ الإسراء : 70 ]
ويقول : 
ﱡﭐ                       [ الجاثية : 12 – 13 ]                  

ويقول :
ﱡﭐ      [ لقمان : 20 ]
وبهذا أصبح الإنسان مؤهلاً لحمل أمانة الوحى ، فحريته الواسعة الذى تمكنه من اختيار طريق الهدى وسيلة لحياته ، ومصباح الحق نوراً يهتدى به فى سلوكه ، حتى لا يتعثر فى طرقات الدنيا المظلمة ، وقد شرع الله معالم تحدد له مسار الركب الإنسانى حتى لا ينحرف ، فيتيه فى صحراء مهلكة ، ووديان مليئة بماء آسن ، وقاذورات تلطخ ثوبه الناصع ، الذى خلقه الله به .                    
فحرية الإنسان وسيلة أعطاه الله إياها ليصبح مستعداً عن طواعية لحمل الأمانة الكبرى ، ألا وهو التكليف باختيار ما يصلحه ديناً ودنيا ، وهو ما عبر الله عنه وصوره فى أبدع صورة فى قوله تعالى : ﱡﭐ     ﲿ         [ الأحزاب : 72 ] ، حملها لأنه كان على استعداد لحملها ، فهو يتمتع بالحرية التى تمكنه من القيام بهذا الواجب ، ولذا فمصيره بيده ، إن شاء اختار طريق الله ، وإن شاء تخبط فى ظلمات الشيطان ، يقول تعالى :  ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲿ  [ القيامة : 14 ] ، ويقول : ﱡﭐ      [ الكهف : 29 ]  ، ويقول :  ﭐﱡﭐ     [ الشمس : 9 – 10 ] ، ويقول :  ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ   [ الإسراء : 7 ]  
فقد بين الإسلام أن الله خلق الإنسان ، ومنحه الحرية فى سلوكه وتصرفاته ، فحرى بهذا المخلوق، بناءً على هذا العطاء الإلهى :
-       أن يكون حراً فى التعبير عن أفكاره ، وفى اعتناق ما يراه صالحاً لنفسه ومجتمعه وفى الإيمان بما يميل إليه عقله ويقتنع به ، فلا يجوز لأحد أن يصادر حريته فى هذا المجال ، وإلا أعطى لنفسه حقاً لم يسأ الله أن يستعمله مع خلقه ، وتصدى لطبيعة خلقها الله فى الإنسان ، وكبت غريزة لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها ، ولا تصلح النظم الاجتماعية إلا بظهورها ، ولا تسير حياة الأمم فى مجراها الطبيعى إلا إذا تمتع أفرادها بهذه الحرية .
ومن الطبيعى لهذا الإنسان :
أن يحصل على حقه مما سخره الله له ، فلا يجوز لأحد أن يحرمه من هذا الحق ، فليس لأمة أن تستأثر بالموارد الطبيعية دون غيرها ، ولا لشعب الاستحواذ على ما يرفع مستوى معيشته ، بينما يحتاج غيره من الشعوب إلى ما تسد به رمقها . ولا لجنس أن يملأ بطون أفراده بأطايب الطعام ولذيذ الأشربة ، بينما شعوب أخرى يقتلها الجوع بعد أن تمر بطريق طويل تذوق فيها ألواناً من الحرمان وصنوفاً من آلام تتعرض لها أبدانها العارية وبطونها الخاوية ، وأجسادها التى أصبحت مستعمرة للأمراض، وموطناً لكل أنواع العلل والأسقام .
أكد الإسلام على هذين الأمرين : الحرية والمساواة فى حقوق الانتفاع بما سخره الله للإنسان ، لأنهما أساس العدل فى المجتمع الإنسانى ، ومصدر تقرير عزة الإنسان وكرامته ، وسياج المحافظة على إنسانية الإنسان ، فلا تُهْدَر ، ولا تُهان ، ولا يلحقها ما يشينها ، أو يحط من كرامتها التى بوأها الله إياها . فإذا تقرر هذا لدى ضمير المجتمعات الإنسانية ، وحافظت عليه الحكومات ، واعترف به دعاة المذاهب والاتجاهات الفكرية ، وآمن به كل فرد إيماناً راسخاً ، بحيث يكون مستعداً للدفاع عنه بكل ما أوتى من وسائل ، وما تيسر له من سبل ، لاختفت ظواهر الظلم ومعالم الاستغلال من المجتمعات البشرية ، فلا ينال أحد أكثر مما يستحق ، ولا يُحْرَم إنسان من حق الحياة على نحو يحفظ عليه إنسانيته وكرامته . ويومئذ يشعر المرء بالأمن والأمان ، والاطمئنان والاستقرار ، وذلك ما تهدف التعاليم الإسلامية إلى تحقيقه للإنسان فى الدنيا ، فضلاً عن مجازاته فى الآخرة على حسن عمله فى دنياه ، يقول تعالى : ﱡﭐ      [ آل عمران: ١٤٨ ]
اعترف الإسلام بالكيان الإنسانى كله : جسمه وروحه ، عقله وقلبه ، إرادته ووجدانه ، ولهذا لم يغفل جانباً من هذه الجوانب فى خطابه له .
ففى الجانب المادى :
أمره بالسعى فى الأرض ليأكل من طيباتها ويستمتع بما فيها ، وما يمكنه أن يستخرجه منها ، كما حثه على النظافة والتجميل ، بشرط الاعتدال فى ذلك كله . كما نهاه عما يضره بدنياً ؛ فحرم المسكرات بجميع أنواعها ، حتى لا يضر جسمه ، فيعجز عن القيام بما تفرضه عليه حياته .
وفى الجانب الروحى :
أمره بعبادة الله وحده ، ففرض عليه أنواعاً من الطاعات كـ : الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، وحثه على الالتزام بما يقربه إلى ربِّه ، مثل : الذكر ، والدعاء ، والتوكل ، والخوف ، والرجاء ، والبر ، والإحسان ، والجهاد فى سبيل الله ... وغير ذلك مما يقرب العبد إلى ربه ، ويبعده عن وساوس الشيطان وهواجس الأشرار .
وفى مجال العقل :
أمره بالنظر فى ملكوت السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات، كما حثه على التفكير فى مصائر الأمم وسنن الله فى المجتمعات ، فلم يحرم عليه العلم ومعرفة الحكمة ، مهما كان مصدرها ، بل أنكر عليه الجمود والتقليد للآباء  والكبراء ، وما ذاك إلا ليدفعه إلى ممارسة شئون الحياة على نحو يلبى كل رغبات عناصر تكوينه .
ولم يهمل جانب إحساسه بجمال ما حوله والتفاعل معه نفسياً وروحياً ، فوجهه إلى النظرة والتأمل فى جمال الكون بأرضه وسمائه ، ونباته وحيوانه ، لاكتشاف مظاهر الحسن والبهجة فيه ليشبع حاسة الجمال عنده ، فيشعر بعظمة الخالق فى أعماق نفسه، و فى ثنايا وجدانه ، يقول تعالى : ﭐﱡﭐ      [ ق :  6  ] ، و يقول : ﭐﱡﭐ     ﱿ            [ الغاشية : 17 – 20 ] ، ويقول : ﭐﱡﭐ            [ الأنعام : 99 ]
إن خطاب الله للإنسان على هذا النحو يؤكد أن الإسلام ينظر إلى كيان الإنسان كله ، فلم يهمل جانباً لحساب آخر ، وفى ذلك اعتراف بكل عنصر فيه ، وتقدير لمهمته التى خلق من أجلها ، فسبحان من خلق فأحسن الخلق ، وصور فأبدع التصوير، يقول تعالى : ﭐﱡﭐ      [ الانفطار : 6 – 8 ]

      أخوة إنسانية فى الإسلام
كان اليهود من أوائل الشعوب التى ابتدعت تمايز الأجناس البشرية ، وعلو طبقاتها فوق بعض ، وذلك بزعمهم أنهم المفضلون عند الله ، أو هم شعب الله المختار ، أما بقية الشعوب فحثالة لا قيمة لها عند الله . كذلك تصور الإغريق أنهم المتمدينون ، ومن عداهم برابرة متوحشون . ولم يختلف الحال عند المصريين القدماء ، فقد كانوا يرون أنهم أبناء الشمس ، وشعب الله المعبود .
وانتشرت هذه الفكرة عند الرومان ، فأبناء روما هم الفضلاء الأحرار وغيرهم عبيد أرقاء ، كما أن الصينيين اختصوا أنفسهم بالمدنية والحضارة ، ومَنْ عداهم جهلة بدائيون ، ومن المؤسف حقاً أن أرسطو ، ذا العقل الكبير والآراء النيرة قال :  " إن البشر جنسان ، أحرار وعبيد ، فالأحرار هم الذين يجب أن يحموا العالم ، أما العبيد فهم آلات صماء فى أيدى الأحرار." ولعل دعاة التمييز العنصرى فيما مضى من القرون استندوا على هذه الفكرة الزائفة من أفكار أرسطو ، واتخذوها أساساً لعدوانهم على الطبقات التى كانوا يعدونها طبقات سفلى ، فسلبوهم حقوقهم ، وعاملوهم معاملة سيئة ، لأنهم أدنى منهم وأحط شأناً .
أما الإسلام فلم تقتصر وصيته للمسلمين بحسن معاملة وحفظ حقوق الآخرين على إخوانهم فى العقيد ، الذين يعيشون معهم فى مجتمع واحد بل أمرهم أيضاً أن يحسنوا معاملة المخالفين لهم فى العقيدة   - وإن نأت ديارهم عنهم ، ماداموا يرعون حرمات الإسلام ، ولا يأتون عملاً يترتب عليه إيذاء   المسلمين ، أوتهديد أمنهم ، يقول تعالى : ﭐﱡﭐ     ﱿ  [ الممتحنة : 8 ]  
وقد سلك الإسلام فى إقامة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين منهجا يستميل العاطفة ، ويؤثر تأثيراً كبيراً على مشاعر الإنسان فى مجال التقريب بين أفراد البشر ، ذلك أنه بَيَّن أن أصل الناس  واحد ، فهم مشتركون فى مبدأ الخلق ومادته ، التى تَفَرَّع عنها جميع الآدميين ، فهم وإن اختلفوا فى الألوان والأشكال ، وتباينوا فى الهيئات والملامح فإنهم منحدرون من أب واحد وأم واحدة ، مما يحتم عليهم أن ينهجوا فى سلوكهم مع بعض الأسلوب الذى ينبغى أن يسود بين الإخوة ، يول تعالى : ﭐﱡﭐ     [ النساء : 1] ، فإن هذه الآية تذكرة للإنسان بوحدة أصل البشرية جمعاء ، ودعوة له إلى العمل على ما يقوى الرابطة والتعاون والتكاتف بين أفرد البشرية فى كل أنحاء الكرة الأرضية باعتبارهم جميعاً أقارب ذوى رحم واحدة .

                                                أ. د/ محمد شامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...