إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

24,250

الأربعاء، 8 أبريل 2020

حقائق وافتراءات

حقائق وافتراءات

                                                                  أ. د/ محمد شامة
منذ فجر الدعوة الإسلامية والإسلام يتعرض للهجوم من أعدائه بأساليب شتى؛ تنوعت مضامينها، وتعدد أساليبها طبقاً لثقافة العصر ودرحة تقدمه على سلم الحضارة؛ ففي بدء الدعوة كان الهجوم منصبًّا على وصف النبي e بأنه ساحر أو مسحور، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الفرية بأكثر من آية، فقال تعالى : ﱡﭐ       [يونس: ٢] وقال : ﱡﭐ [الصافات: ١٥]، كما وصفوا ما أخبر به الرسول e من وحي الله الذي نزل عليه بأنه أضغاث أحلام، وافتراء منه، فيشير القرآن الكريم إلى هذه الفرية بقوله تعالى: ﱡﭐ   ﱿ   [الأنبياء: ٥[ ، ووصفوه بأنه كاهن، يقول تعالى مخبراً عن هذا الاتهام: ﱡﭐ     [الحاقة: ٣٨ – ٤٣]، ولما أعيتهم الحيل لإثبات أنه ساحر أو مجنون أو شاعر كما نفى ذلك عنه أحد زعمائهم، وهو عتبة بن ربيعة حينما رد عليهم افتراءاتهم بقوله: "إني سمعت قولاً –يقصد ما سمعه من النبي  e من آيات القرآن الكريم- ما سمعت مثله قط، والله ماهو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة"، افتروا عليه افتراءً آخر، فقالوا: يعلمه بشر، فرد عليهم القرآن الكريم ردًّا أفحمهم ببيان أن ما قالوه إتنا هو فرية لا يصدقها عقل سليم التفكير، فقال تعالى:ﭐﱡﭐ     [النحل: ١٠٣]، أي أن ما ينسبون إليه أنه مصدر ما يقوله محمد e أعجمي، فكيف يصدر عنه هذا الكلام العربي الفصيح الذي عجز عن الإتيان بمثله فصحاء العرب.
وبعد الهجرة إلى المدينة اتهمه اليهود بأنه نقل هذا الكلام عن كتبهم ووجهوا إليه أسئلة شتى ليحرجوه أمام العامة، وقد أجاب القرآن الكريم بما أفحمهم ورد كيدهم إلى نحورهم، سجل القرآن الكريم ذلك في آيات بينات، فقال تعالى:             ﱡﭐ                ﱿ           ﲿ             [الكهف: ٨٣ – ٩٨]، كما سألوه عن عدد أهل الكهف، عبر عن ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ﱡﭐ       ﱿ   [الكهف: ٢٢].
وعندما انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربية بين أتباع أديان أخرى وجهوا إلى الإسلام اتهامات شتى بأساليب متنوعة، تصدى لها علماء الكلام –وخاصة المعتزلة-فبينوا لهم ضحالة فكرهم، وسُمُوّ التعاليم الإسلامية على ما عندهم من أساطير وترهات يعتقدون في صحتها، وهي أبعد ما تكون عن التعاليم الدينية الصحيحة، ومخالفة لما تقره العقول السليمة. كما اتهمه المستشرقون بأنه شهواني، وادعوا أن القرآن الكريم ليس وحياً أنزله الله على محمد e ، بل هو من اختراعه، فتصدى لهم العديد من علماء الإسلام من الأقطار الإسلامية، مبينين خطأ فكرهم، وضحالة تصورهم لتعاليم الإسلام.
 أما في العصر الحديث، فقد اختلفت دعاوى المعارضين على بعض القيم والتعاليم الإسلامية، كما دخل في هذا المضمار مسلمون اعترضوا على بعض الجوانب في الفكر الإسلامي؛ فهناك هجوم من يعض المسلمين على التراث الإسلامي؛ فقد أدى عدم فهم فلسفة التعامل مع التراث إلى ظهور أصوات تنادى بتنقية التراث ، وأخرى بعدم اللجوء إليه فى تحديد سلوك المسلمين فى تعاملهم الدينى والدنيوى ، وكلاهما جانبه الصواب ، ولبيان ذلك ينبغى علينا أن نفهم ما يحتوى عليه هذا التراث ، وندرك أهميته فى حياة الأمم والشعوب الإسلامية ، فالتراث الإسلامى مصطلح شامل يتسع بكل ما له علاقة بالإسلام ، سواء كان نصوصاً مقدسة :القرآن الكريم والسنة العملية والحديث المتواتر ، أو آراء العلماء السابقين فى مجال فهمهم لهذه النصوص وتطبيقها على واقعهم الذى عاشوه لحل مشاكلهم التى كانت معاصرة لهم ، فهو يشتمل على جانب مقدس لا يجوز إهماله ، أو تجاهله ، وإلا خرجنا عن ملة الإسلام ، وهو كما ذكرت ينحصر فى نص القرآن الكريم والسنة العملية والحديث المتواتر ، فتلك نصوص يجب الالتزام بحرفيتها ، فمن ينكر حرفاً من حروف القرآن الكريم لا يكون مسلماً ، ومن ينازع فى كيفية تأدية الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج أو يرفض حديثاً متواتراً يكون منكراً لأمر مقطوع بصحته وواجب الإيمان به ، أما ما كتبه المسلمون حول هذه النصوص فهو فكر بشرى يؤخذ ويرد عليه ؛ لأنه فهم بشر للنصوص المقطوع بصحتها ، تأثروا فى هذا الفهم بثقافة العصر وعادات الشعوب وتقاليدها، لكن لايجوز إنكاره كلية ؛ لأنه هو الهوية الثقافية للأمة ؛ إذ بدونه تضمحل المجتمعات وتتفكك داخليًّا ، وقد تندمج ثقافيًّا فى أحد التيارات الأجنبية ، فللحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات الإسلامية التى تكونت ابتداءً من حركة التدوين فى نهاية القرن الأول الهجرى عبر القرون اللاحقة ، مكونة أعرافاً اجتماعية وتقاليد خلقية ، توارثتها الأجيال على مر التاريخ الإسلامى ، راسمة وموضحة المستوى الحضارى للأمة ، فهى جذور حضارية ، وثمار ثقافية ، لا يجوز تشويهها ، ولا ينبغى الاعتداء عليها بالحذف أو التنقية ، ففى حذفها ضياع لهوية الأمة ، ومسخ لثقافتها ، وفى التنقية تشويه لثوب الأمة الحضارى ، فضلاً عن عدم معرفة ما يمكن حذفه من العناصر وما يجوز إبقاؤه ؛ إذ يجر علينا محاولة الاتفاق على تنقية التراث خلافاً ونزاعاً حول ما يجب الاتفاق على ما يجب حذفه ، بل إن هذا العمل سيشوه تاريخ الأمة الثقافى ، ويمحو ماضيها الفكرى ، فتصير بلا ماضٍ ترتكز عليه ، ومن لا ماضى له فليس له حاضر ، ولن يكون له مستقبل يفتخر به ، أو تعتز بجذوره التى يرتكز عليها .
ومن الأمور المعروضة على الساحة الفكرية في المجتمع المعاصر: ظاهرة الإرهاب، فالكل يتحدث عنه، سواء تَرَبَّعَ على قمة المجتمع، أو سكن في قاعه. ومن الغريب أن الأصوات العالمية تنسب هذه الظاهرة للإسلام، وبالتالي إلى تعاليم الإسلام، وذلك من جراء ما يشيعه المتطرفون ممن يحسبون على الإسلام، وهم لا يفهمون النصوص الإسلامية، ولا يدركون معناها؛ فثقافتهم الإسلامية محصورة فيما يسمعونه من الجهلاء الذين يتصدرون المشهد الإسلامي.
      ولذا يجب على علماء الفكر الإسلامي بيان ضحالة فكر هؤلاء، وبعدهم ثقافيًّا عن مفهوم التعاليم الإسلامية، وفلسفة القيم والسُّمُوّ الأخلاقي في فروض الإسلام ووصاياه، كما ينبغي عليهم أن يبينوا لغير المسلمين أن الإرهاب ليس ظاهرة إسلامية بل هو عام لدى كل الأعراق والأجناس، وأصحاب الأديان والعقائد المختلفة، فهو موجود في جميع قارات الكرة الأرضية، وفى أوربا بالذات، حيث ظهرت في القرن الماضى جماعة " ماينهوف " في ألمانيا، و " الألوية الحمراء " في بريطانيا، و " الجيش الجمهورى " في أيرلاندا، هذا فضلاً عن ظهور مثل هذه الجماعات في أمريكا اللاتينية (في كولومبيا ، ونيكاراجوا وغيرهما)، وفى إفريقيا ( في رواندا، وناميبيا، وأنجولا وغيرها)، وفى آسيا: (في الهند، وسيريلانكا، واليابان، ونيبال وغيرها) وهذه الجماعات من غير المسلمين !!!! ولا ننسى ما فعله المرعبون من غير المسلمين في القرن الواحد والعشرين في فرنسا، وانجلترا، وألمانيا، وأمريكا...... وكل هؤلاء لا ينتمون إلى الإسلام.
      هاتان الظاهرتان –تنقية التراث والإرهاب-هما المسيطران على الساحة الفكرية، فالإرهاب يشغل الفكر العالمي والمحلي، أما ظاهرة التراث فتلوكها الأقلام المحلية في المجتمعات الإسلامية، بالإضافة إلى مسألة الطلاق الشفوي، وعودة الخلافة، والحوار مع الآخر، وغيرها من الأمور التي تدورحولها المناقشات والصراعات الفكرية، سواء كان صراعاً إقليميًّا، إذا كانت المسألة تتعلق بأمور خاصة تتعلق بالمحتمعات الإسلامية، أو عالميًّا إذا تعدى الحوار إلى الساحة الدولية، وهذا يحدث إذا تجاوزت آثار الظاهرة الحدود الإقليمية.
      وبناءً عليه، فيجب على المهتمين بالفكر الإسلامي أن يدلو بدلوهم في الساحة الفكرية لمعالجة هذه الظواهر حتى لا نُتَّهَم بالانكفاء على الماضي، ونسيان الحاضر وقضاياه، مما يؤدي إلى فهم الآخر بأن الإسلام ليس عنده القدرة على مواجهة المشاكل المعاصرة، فهو بالتالي لا يصلح للحياة الآن، وعليه ينبغي أن يقتصر اهتماماته –هكذا يفكر كثير من المثقفين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين-على العبادات فقط، أما نظم الحياة فيجب تركها للفكر الإنساني.
     وعليه فقد تناولت في هذا الكتاب بعض القضايا المعاصرة، التي يدور حولها صراع فكري، مبيناً أن الإسلام لا ينبغي أن يغيب عن هذا الصراع، يل يجب أن يدلى بدلوه عن طريق رؤي المفكرين الإسلاميين ليثبتوا أن تعاليم الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.

                                                                أ. د/ محمد شامة

    


  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...