إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

24,251

الاثنين، 13 أبريل 2020

موقف الإسلام من العلمانية



موقف الإسلام من العلمانية
                    أ. د/ محمد شامة

ظهرت مصطلحات على الساحة الفكرية في المجتمع الإسلامي، لم تكن معروفة عبر تاريخ الفكر الإسلامي، فهي وليدة الحضارة الغربية، دفعت بها إلى الفكر الإنساني ظروف العلاقة بين الكنيسة والمجتمع، إذ تسلطت الكنيسة على الفكر الغربي، فلم تسمح بحرية التعبير، ولم تقبل أي نوع من أنواع الإبداع الفكري إلا في إطار ما يخدم الكنيسة، أو يسجل تصورها الذي انحسر في مجال ما تمليه القساوسة، وما تصدره الكنيسة من قرارات تحمل الطابع الديني الذى لا يجوز لأحد معارضته أو الخروج عن إطاره.
وكان من الطبيعي إزاء هذا الحصار الفكري أن يتمرد عليه أناس تميزوا عن غيرهم في القدرات الفكرية، والإمكانات الإبداعية، فخرجوا عن مسار الكنيسة، فثبتوا أفكاراً وتصورات لا تعرفها الكنيسة، وبالتالي لا تقرها، ولا تسمح بها، بل شنت عليهم حملة شعواء، وقادتهم إلى المحاكم ليكونوا عبرة لغيرهم حتى لا يفلت الزمام من أيدي قساوستها. ولكن بمرور الوقت أتيحت لهذا التيار فرصة الظهور شيئاً فشيئاً، وذلك بما اكتشفه في مجال البحث الطبيعي من قوى متعددة: قوة الجاذبية، وقوة البخار في الصناعة، وقوة الكهرباء ...إلخ باعدت بينه وبين الكنيسة، أو بتعبير آخر: ظهر في المجتمع الأوربي تنازع بين السلطتين: الدولة والكنيسة، أو بين الدنيوي والمقدس. تَقَوَّى الجانب العلمي بهذه الاكتشافات حتى جرف أمامه سلطة الكنيسة وحصر مسائل الدين في المجالات الشخصية وداخل دور العبادة، أما الأمور الحياتية فتجردت من سلطة الدين، وانطلقت بعيدة عن مجال القداسة، فأصبح للدولة مجال، وللكنيسة مجال: تكون للدولة الشئون السياسية والاقتصادية والتعليم والتشريع، ويكون للكنيسة شئون الأسرة في مراسيم الزواج، وطقوس الوفاة، ونظام الرهبنة والإكليروس. وهو ما أطلقوا عليه مصطلح: " العلمانية " الذى كثر الحديث في هذه الأيام عنها، بين مؤيد ومعارض، بينما لا يستطيع أكثر الناس تحديد ما يعنيه هذا المصطلح على وجه الدقة، ولهذا نقدم -إضافة إلى ما سبق-شرحاً مبسطاً لمعناه ومدلولاته:
" العلمانية ": تنسب على غير قياس إلى العالم أو العالمية " Secularism ": هي نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض كل صورة من صور الإيمان الديني والعبادة الدينية ... هي اعتقاد بأن الدين والشئون الإكليريكية (اللاهوتية والكنسية) والرهبنة لا ينبغي أن تدخل في أعمال الدولة، وبالأخص في التعليم العام. والتحول إلى العلمانية هو التحول من الملَكية الدينية إلى الملَكية المدنية، أو من الاستعمال الديني إلى الاستعمال المدني .... هو التخلص من سلطة الرهبنة والعهد الرهبني ... هو التحول إلى الانتماء المدني. [1]
" والعلماني " Secular ": هو الشخص الذى يهتم بأمور العالم المادي، أي يرتزق من خلال عمل يؤديه في أي شان من شئون العالم المادي (الدنيا)، كالنجار، والطبيب، والقاضي، والفنان، والمعلم.... إلخ
وهو عكس الشخص الكهنوتي الذى يهتم بأمور العالم الآخر " اللاهوت "، أي يكسب رزقه من خلال العمل في هذا المجال مثل المشايخ والقساوسة والحاخامات وسائر رجال الدين، والعرافين والسحرة والمنجمون ..... إلخ
بهذا المعنى البسيط يكون كل الناس علمانيين، سواء كانوا متدينين أو غير متدينين، فالطبيب شخص علماني، ولكنه إذا قرر أن يتفرغ للعبادة أو للدراسات الدينية، وأن يرتزق بشكل كامل من خلال الاهتمام بشئون العالم الآخر، فإنه يتحول إلى شخص كهنوتي، أي غير علماني.
من هنا نفهم أن لفظ العلمانية قد جاء من كلمة: عالَم، وليس من كلمة: عِلْم ، ذلك أن رجال الدين كانوا يحكمون أمور العالم المادي وأمور العالم الآخر ( الدين ) بأحكام مشتقة من الكتب الدينية ، فلما ثبت في الكثير من الأحيان خطأ ما تصدره الكنيسة من أحكام ، مثل : القول بأن الأرض مسطحة ، وأنها مركز العالم ، وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض ... وغيرها ، طالب الناس رجال الدين بالتوقف عن حكم العالم من خلال الكتب السماوية ، وترك الناس يحكمون العالم المادي بقوانين هذا العالم التي بدأ العلم في اكتشافاتها في مختلف مجالات الحياة العلمية ، والسياسية، والاقتصادية ، والاجتماعية . وكانت انطلاقة الفكر العلماني في بداية عصر النهضة والحضارة الحديثة، أي أن العلمانيين يقولون: دعونا نحكم العالم بقوانين العالم، ونحكم الدين بقوانين الدين، لأن الخلط بينهما يؤدى إلى التخلف والجمود.
فالدين مطلق، ثابت، لا يقبل القسمة، أما العالم فهو نسبي، متغير ، تحكمه الحركة الدائمة. والخلط بين المطلق والنسبي يؤدى إلى إحدى حالتين: إما سيطرة المطلق على النسبي، مما يؤدى لجمود العقل وعدم التطور، أو تحطيم النسبي للمطلق إذا كان النسبي من القوة بمكان، مثل انتشار الإلحاد بعد اكتشافات " كوبرنيكس وجاليليو، وكروستوفر كولمبوس" وغيرهم.
إذن، فالعلمانية مجرد أداة لتنظيم المجتمع، ومنع الخلط بين المطلق والنسبي، أو بين أحكام الدين وأحكام العالم الدنيوي، وذلك لمصلحة كل من الدين والدنيا.  
هذه الأداة إذا استخدمها نظام استبدادي معادٍ للحرية كالأنظمة الشيوعية السابقة مثلاً، فإنه سينكر حرية العقيدة، كما سينكر سائر الحريات الفردية الأخرى ، مما يؤدى لإضعاف العقائد الدينية ، والتضييق على المؤسسات الدينية ، وإذا استخدمها نظام ليبرالي يقدس الحريات الفردية: السياسية ، والدينية ، والاقتصادية ، مثل : الأنظمة الليبرالية في أوروبا وأمريكا، فحينها تنتعش الحرية في كل مجالات الحياة ، ويتمتع المواطنون بحرية التعبير ، وحرية المشاركة السياسية، وحرية النشاط الاقتصادي، وحرية ممارسة العقيدة الدينية .
ويؤدى النظام العلماني خدمات جليلة للمؤسسات الدينية، فهو يعتقها من سيطرة المؤسسة السياسية، ويمنحها بحكم القانون الاستقلالية الكاملة في شئونها الإدارية والمالية والدعوية، مما يعيد ثقة المؤمنين فيها لاستقلالها عن السلطة، ويؤدى لازدهار هذه المؤسسات، وازدياد قدرتها على الدعوة والتبشير.[2]
" الإنسان في ظل مبادئ الإسلام لا يرتفع إلى مستوى الألوهية والقداسة في التقدير ، كما لا ينزل إلى مستوى الحيوان في السلوك والمعاملة ، ولا يعصم عن الخطأ في الحكم و الرأي والسلوك ، بل كما يصيب : يخطئ ... والوظيفة العامة التي يتقلدها الإنسان - أيًّا كانت منزلتها – لا تغير من خصائص طبيعته البشرية ... وحكومة الإسلام في تطبيق مبادئه ليست إلهية ، بل هي بشرية تخضع للنقد ، وتقبل الشورى والمطالبة بها ، ورأى الإنسان ( أو اجتهاده ) لا يلتزم به إلا الإنسان صاحب الرأي نفسه ، وإمام المسلمين ، أو رئيس دولتهم هو - بحكم نظام الإسلام في الخلافة – من الخيرة بينهم : إيماناً بالله، ومعرفة بمبادئ الإسلام ، وأكثرهم تجنباً للظلم والاعتداء ، وإحقاقاً للحق ، وإقراراً للعدل.
" والعلمانية إذن ليس لها مكان في وجود الإنسان مع الإسلام، فإما أن يوجد الإسلام ولا علمانية، أو توجد العلمانية ولا إسلام. والعلمانية في تصور بعض المسلمين المعاصرين، وفى محاولة التوفيق بينها وبين الإسلام في مجتمع إسلامي .. تعود إلى قصور في تصور الإسلام، ثم إلى رغبة في محاكاة حلول في تفكير الغرب لمشاكل كانت وليدة البيئة الغربية، ونتيجة الصراع فيها حول السلطة والتفرد بالقوة في كل جوانبها في المجتمع الأوروبي." [3]
لم يعط الإسلام أحداً – مهما كان مركزه – الوصاية في الفكر على الآخرين، كما كان وضع البابا في المجتمع المسيحي قبل عصر النهضة، كما أنه لم يبرئ أحداً من الخطأ – أو بالتعبير الاصطلاحي: لم يعصم أحداً من الخطأ – بحيث يفرض رأيه على المجتمع، بحجة أنه لا يجوز نقده، لأن النقد لا يوجه إلا لمن يخطئ، وما دام خطؤه مستحيلاً، فنقده جريمة يعاقب عليها من يتجرأ على مخالفته، كما هو وضع البابا بالنسبة للمسيحيين. فإذا انتفت الوصاية الفكرية في الإسلام، فإنه يحل لكل فرد في ظله أن يفكر بحرية، ويعبر عن تفكيره دون حجر عليه، ومن غير قيود تفرض على حرية التعبير عن رأيه. وكان لمبدأ انتفاء العصمة عن الإنسان أثر في اتساع حركة النقد، إذ أنه أجاز نقد أي فكر مهما كان مركز صاحبه، فليس هناك من يتمتع بحصانة ضد الآراء المخالفة له، حتى وإن علا شأنه في المناصب الروحية، فتقلد أعلى المناصب الرسمية، أو تربع في مقام من يعتقد العامة في قداسته، لقربه –حسب ما يعتقدون – من صاحب الرسالة نسباً أو علماً، أو تقوى وصلاحاً. [4]
وبناءً علبه ، فلا مكان للعلمانية في المجتمع الإسلامي- أو بتعبير آخر: ما تطالب به العلمانية موجود فيه – لانتفاء الأسباب التي أدت إلى ظهورها؛ إذ لا وجود لقداسة رجال الدين في الإسلام ، كما هو الحال في المسيحية ، ولا مكان لاحتكار صواب الرأي لأى فئة في المجتمع الإسلامي، كما كان الحال لدى قساوسة ورهبان الكنيسة في المجتمع الأوروبي، فآراء العلماء وتصورات المفكرين قابلة للنقد مهما كان منصب صاحبها ، بل إن العلماء الأُوَل لم يدعوا أن آراءهم هي حقائق مطلقة ، فقد قال الشافعي: " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب." وقال أبو حنيفة: " هذا أحسن ما توصلنا إليه، فمن جاءنا بأفضل منه تبعناه "، وبالتالي فالساحة في المجتمع الإسلامي مفتوحة لكل ذي رأي، والبقاء لمن تثبت المعطيات العصرية صلاحيته لحياة الإنسان، وفاعليته في مسار التقدم والازدهار، فلم تقم الحضارة الإسلامية إلا في إطار تعدد الآراء، ولم تنهض الأمة الإسلامية إلا في ظل تلاقح الأفكار والرؤى، وهذه هي فلسفة الإسلام، المكنونة في طيات النصوص الإلهية، مازالت واضحة لكل ذي فكر سليم، وعقل واعٍ. وستظل كذلك إلى يوم القيامة، قابلة للتأويل والتفسير عبر القرون لتلائم العصر، ولتلبي احتياجات المجتمعات قاطبة، بدائيها ومتحضرها. وسوف تكون صا لحة لأي نظام للحياة على الكرة الأرضية، مادام هناك علماء يكشفون مكنونها، ويلقون الضوء على ما فيها من أسرار نصوصها، وتعبيرات أوامرها الإلهية.
     يضاف إلى ذلك أن ما تنادى به العلمانية - وتدعو إليه – من مبادئ ، قد أقرها الإسلام في المجتمع الإسلامي قبل ظهور العلمانية في المجتمع الأوروبي بثلاثة عشر قرناً : فحرية الاعتقاد مبدأ من مبادئ الإسلام الأساسية : ﱡﭐ       [البقرة: ٢٥٦] ، ومبدأ المواطنة نادى به الرسول  eفي وثيقة المدينة ، وحرية التعبير ، والإبداع ، واحترام الآخر ،...، ... ، ... إلخ من معالم الحياة في ظل الإسلام ، ومواكبة التطور في المجتمعات الإنسانية طريق مفتوح أمام الفكر الإسلامي، وذلك بفضل الصياغة العامة لنصوص القرآن الكريم فيما يتعلق بشئون الحياة ونظمها ، سواء فيما يتعلق بالفرد ، أو يتعلق بضبط النظام في المجتمع ، ولذا كان الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان ، فعلى العلماء أن يستنبطوا من نصوصه العامة ما يلائم حركة المجتمع وما يتفق مع نبض الحياة ، وما يتناغم مع مقتضيات العصر ، ولا يقفوا جامدين أمام ما توصل إليه العلماء السابقون من تفسير للنصوص ، لأن آراءهم كانت انعكاساً لثقافتهم وعصرهم، فلو عاشوا في عصر آخر لاختلفت هذه الآراء ، ولتغيرت الأحكام التي استنبطوها من النصوص التزاماً بما اشتهر بين الفقهاء: " حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله " ، واستنباطاً لمعنى آخر يُفْهَم من النص على نحو يحقق التناغم مع العصر ، مع الالتزام بشرع الله ، مع مواكبة التطور فى المجتمع الإنساني.[5]   


المطلق والنسبي

" المطلق ": هو التام والكامل، المتعري من كل قيد، واجب الوجود، المتجاوز الزمان والمكان، ولذا فهو يتسم بالثبات والعالمية. أما " النسبي ": فهم ما يُنْسَب إلى غيره ويتوقف وجوده عليه ولا يتعيَّن إلا مقروناً به، وهو مقيد وناقص ومحدود، مرتبط بالزمان والمكان، ويتلون بهما ويتغيَّر بتغييرهما، ولهذا فالنسبي ليس بعالمي، ولا ينطبق على كل البشر.
والمطلق هو أيضاً المبدأ الواحد والمركز. وفى غياب المطلق تصبح كل الظواهر نسبية متساوية، إذ لا يمكن القول بشأنه:     " هذا أفضل من ذلك "، ولذا فإن الحديث عن منظومات " أخلاقية نسبية " هو من لغو الكلام، لأن استخدام هذه المنظومات في التمييز بين الخير والشر، وبين العدل والظلم غير ممكن، لن تكون كل الأمور نسبية وذاتية، ومن ثم متساوية، بل إن التمييز بين الإنسان والطبيعة (أي بين الإنسان والحيوان) يصبح هو الآخر أمراً مستحيلاً، وهو ما يؤدى بالطبيعة البشرية ككيان مستقل عن حركة الطبيعة -المادة .... والنسبية الكاملة تؤدى إلى العدمية، لأنها تنكر وجود أي تميز أو اختلاف، أو مقدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية، أو المعرفية، أو حتى الجمالية، أو على تغيير العالم، أو على إصلاح الذات، أو على تجاوز المعطيات الواقعية الطبيعية -المادية، ولذا فهي تنتهي بإنكار كل شيء: الأخلاق، والميتافيزيقيا، والكليات والإنسان. [6]
كذلك يمتد حقل الكينونة غير المحدود من الحالة الأبدية للمطلق غير الظاهر إلى الحالات الكثيفة النسبية الدائمة التغير للحياة الظاهرة، تماماً مثلما يمتد البحر من السكون الأبدي في القاع إلى النشاط الصاخب لطبيعته الدائمة التغير على مستوى السطح للأمواج. طرف منه سكون أبدى غير متغير بطبيعته، والطرف الآخر هو النشاط الدائم التغير.
يمثل الجانب النشط الدائم التغير الجانب النسبي للكينونة، في حين يمثل الجانب الدائم السكون لقاع البحر الجانب الأبدي المطلق الذي لا يتغير. هذه هي علاقة الكينونة مع عالم الأشكال والظواهر الذي نعيش فيه. إن كلتا الحالتين: النسبي والمطلق، هما حالتي الكينونة. إن الكينونة هي أبدية لا تتغير في حالتها المطلقة، وهي دائمة التغير بشكل أبدى في حالتها النسبية.
لقد رأينا أن الكينونة هي الحقيقة النهائية للوجود، وهي المكون الأساسي للحقيقة، إنها كلية الوجود، هذا ما يكشف لنا أن الكينونة لها وجهان بطبيعتها الأساسية: وجه مطلق، والآخر نسبى. مع بقاء الكينونة بشكل دائم في حالة المطلق كلى الوجود، نجدها أيضاً في النواحي الدائمة التغير في الوجود الظاهري والخلفية النسبية.
إن حقل الحياة بأكمله من الفرد إلى الكون هو ليس سوى التعبير عن الكينونة الأبدية المطلقة غير المتغيرة، وكلية الوجود في النواحي النسبية الدائمة التغير للوجود. [7]
ومن هذا يتبين أن المطلق عنصر أساسي في الوجود بجميع أنواعه: إنسان أو حيوان أو جماد، أو بتعبير آخر: المطلق لازم من لوازم وجود الكائنات، روحية أم مادية. ولذا يصبح من لغو القول ما ينشره أحد المفكرين في الصحافة من هجوم على الاتجاه الديني، مدعياً أنه يؤمن بالمطلق ، ويرفض النسبي ، وهذا تصور ينبئ عن عدم فهم لطبيعة الدين ، فهو – شأنه في ذلك شأن الكائنات كلها – يشتمل على المطلق والنسبي، فتعميم المطلق على كل المسائل الدينية غير صحيح ، لأن المطلق في الدين الإسلامي ينحصر في نص القرآن الكريم فقط ، أما تفسيره فهو من قبيل النسبي، لأن العلماء اختلفوا – ومازالوا يختلفون – في تفسيره ، الأمر الذى جعل الأحكام الشرعية متعددة في المسألة الواحدة حسب رؤية الفقيه، وطبقاً لمتطلبات عصره وبيئته ، وأشهر مثل على ذلك تغيير الشافعي لآرائه يى بعض الأحكام التي توصل إليها في العراق ، عندما جاء إلى مصر لاختلاف البيئة . ألا يندرج ذلك تحت مصطلح النسبية في الأحكام!
وليست النسبية قاصرة على المسائل الفقهية ، بل تشمل مفهوم كل النصوص القرآنية ، ماعدا قطعي الدلالة منه، وهو قليل جداً ، فالغالب الأعم من نصوص القرآن الكريم يحتمل أكثر من وجه ، كما سنبينه في القضايا التي عرضناها في مقالاتنا وكتبنا، بل إن النصوص القرآنية تحمل معانٍ لا حصر لها ، أكثر مما بيناه ، سوف يكشف أسرارها العلماء عبر العصور المقبلة، ليثبتوا للقاصي والداني صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان ، وإمكانية تطبيقه لنظم الحياة المختلفة على سطح الكرة الأرضية مهما اختلفت درجات حضارتها ، وتنوعت أساليب تفكيرها ، وتباعدت مفاهيم حياتها .


[1] )   البهى : العلمانية ..... صـ 4 .
[2] )   إسماعيل حسنى : www.ahewar.org/debat/show.art.asp?=247066
[3] )   البهى : العلمانية ..... صـ 3 .
[4] )   راجع مقدمة كتابنا : " الإسلام دين ودنيا " .
[5] )   وهذا هو منهجنا فى تناول الموضوعات فى هذا الكتاب .
[6] )  المسيري: المجلد الثامن / تعريف المفاهيم والمصطلحات الأساسية .
[7] ) شبكة المعلومات الدولية: موقع الإشراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...