إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 7 أبريل 2020

أدب الحوار في الإسلام


أدب الحوار في الإسلام
                              أ. د/ محمد شامة
أرسى الإسلام قواعد التعامل مع معتنقي الأديان الأخرى على نحو لم تصل إليه الحضارة الحديثة ؛ إذ كانت العلاقات بين أتباع الأديان المختلفة منذ الأزل متوترة ، وصلت فى كثير من الأحيان إلى إراقة الدماء أنهاراً ، فإن سكنت قرقعة السلاح بين الحين والآخر ، فإن التراشق بالكلمات ظل متواصلا ، لا يعرف الهدوء ، ولا يقر التوقف لسماع الآخر ، فالجدل الدينى ظل سيد الموقف بين المتدينين ، ورمى كلٌّ الآخر بالهرطقة والكفر أصبح أسلوباً من أساليب التدين ، ومظهراً من مظاهر التقوى والصلاح ، وتفنيد ضلال الآخر وانحرافه نغمة محببة عند دعاة كل دين ، والدعاء على الآخر بالهلاك والدمار وتيتيم الأطفال، وترميل النساء ....و......و..... إلخ سنة – إن لم تكن واجباً _ من سنن التقرب إلى المعبود، وإجبار كلٌّ الآخر على اعتناق عقيدته التى ارتضاها ديناً من أكبر الواجبات الدينية، إن لم يكن أكبرها، يضحى فى سبيلها المتدين بكل ما يملك ... حتى نفسه، يقدمها قرباناً لمعبوده، حتى ينال رضاه، ويحصل على ثوابه.
احتلت قضية الصراع الدينى مكان الصدارة فى تاريخ صراع الجنس البشري ، إذ لم يخل عصر من العصور من وجود خصومة بين الشعوب على أساس دينى ، تصل فى كثير من الأحيان إلى حد الصراع المسلح بينها ، كذلك لا يلتقى اثنان من أتباع دينين مختلفين إلا وتقوم بينهما مناقشات ومحاورات حول مبادئ وتعاليم عقيدتيهما ، تارة تكون بألفاظ مهذبة، وأخرى تصل إلى حد التراشق بالألفاظ الخارجة عن موضوع البحث ، أو بأسلوب يتسم بالعنف والبعد عن الطريق الموصلة إلى الحقيقة.
كان هذا هو طابع الصراع الدينى والخصومة المذهبية منذ القدم ، شب عليها الجنس البشرى ، جيلاً بعد آخر ، فأورثه ذلك أحقاداً وخصومات بين الشعوب ، كما أنه خلف من الضحايا والمآسي ما تقشعر منه الأبدان ، إذ لم تروع البشرية على امتداد التاريخ الإنساني  بمثل ما روعت به مما حل بها من آثار التعصب الدينى الذى مزق الجنس البشرى إلى معسكرات متحاربة ، يقتل بعضها بعضاً باسم الدين ، ويستحل بعضها دماء آخرين فى سبيل الدعوة إلى العقيدة ، بل إن أبناء الدين الواحد تفرقوا شيعاً وأحزاباً يقتل بعضهم بعضاً فى سبيل فرض رأى على آخر.
حتى جاء الإسلام، فنهى عن سباب أتباع الأديان الأخرى، مهما كان وضع عقيدتهم  – سماوية أم بشرية – وعلى أي مستوى كانت درجات القيم والمبادئ التى يعتنقونها ويدعون إليها، يقول تعالى: ﱡﭐ      [الأنعام: ١٠٨]، أى ولا تسبوا الذين يتخذون معبوداً آخر غير الله إلها لهم ، سواء كان هذا المعبود بشراً ، أو حجراً ، أو أى صورة من الصور المادية فى هذا الكون .
كما رسم الإسلام منهج الدعوة إلى الإسلام، بعيداً عن العنف والاستهزاء بالآخر، أو التعالي عليه، فقال: ﱡﭐ     [النحل: ١٢٥]، بل إنه مدح الصالحين من أتباع الأديان الأخرى، فقال: ﱡﭐ                [آل عمران: ٧٥]، وقال: ﱡﭐ     [البقرة: ٦٢]، وأثنى على من يخشع لله ويطلب المغفرة منه ، فقال:           [المائدة: ٨٢ – ٨٥]، ولم يجبر من رفض الإسلام على الدخول فيه ، فقال تعالى: ﱡﭐ      [البقرة: ٢٥٦]، بل إنه استنكر حرص الرسول r على هداية قومه ، حينما اقترب هذا الحرص من رغبته على إكراههم وحملهم بالقوة على اعتناق الإسلام ، فقال له :ﭐﱡﭐ   [يونس: ٩٩]، وهذه من أهم المبادئ - إن لم يكن أهمها - في مجال حرية الرأي والتعبير ، التي تحتل رأس قائمة حقوق الإنسان في العصر الحديث .
عَلَّم الإسلام المسلمين أدب الحوار في مجال تصحيح ما لدى الآخرين من أخطاء في العقيدة؛ إذ أورد في القرآن الكريم آيات كثيرة، ترشد المخطئين إلى الصواب بأسلوب لين، وتعبيرات مهذبة، وإشارات رقيقة، منها قوله تعالى ﱡﭐ     [الفرقان: ٣]، وقوله: ﱡﭐ         [الحج: ٧٣ – ٧٤] 
وكان دقيقاً في الحديث عمن أخطئوا في حق الله تعالى، فقال: ﱡﭐ ﱿ     [المائدة: ٧٣]، فلم يقل : لقد كفر المسيحيون الذين قالوا ..... لأن منهم من لم يقل ذلك، وكان في جداله معهم مهذباً، حتى مع الذين تمادوا فى تأليه عيسى u ؛ إذ لم يستعمل فى خطابهم أسلوباً جارحاً ، أو استهزاءً  منكراً ، فقال : ﭐﱡﭐ           [المائدة: ١٧]
غير أن الفكر الدينى لم يلتزم بالتعاليم التى جاءت بها الأديان فى هذا الصدد ، فتبارى علماء الدين والمفكرون المهتمون بالقضايا الدينية فى الهجوم على أديان الآخرين سبًّا وقذفاً وافتئاتاً عليه ، ظنًّا منهم أنهم بذلك يؤدون خدمة لدينهم ، ويدافعون عن عقيدتهم ، ويحمون أتباعهم من تأثير الأديان الأخرى عليهم ، ومن يقرأ الكتب والمصنفات التى كُتِبَت حول هذا الموضوع ، لا يجد إلا تراشقاً ، وليًّا للنصوص ، وتأويلاً لها تأويلاً يبعدها عن روح الدين وقيمه ، بل وصل الأمر بالنصوص المقدسة -  التى سبقت الإسلام – إلى تحريفها وضياع الكثير من أصولها ، ولهذا اهتم كثير من علماء الأديان ، والباحثين فى علوم اللاهوت ، بدراسة الكتب المقدسة السابقة على القرآن الكريم ، من الناحية  التاريخية ، والمنهجية ، فتوصلوا فى أبحاثهم إلى أن هذه الكتب ليست وحياً كلها ، لأنها تضمنت معلومات تاريخية غير صحيحة ، واشتملت على أخلاقيات تتنافى مع روح الوحي الصحيح . ومن المستبعد أن يخبر النبى بشىء مخالف للواقع، لأنه يتلقى الوحى من الله، وهو بكل شىء عليم، كما أنه من المرفوض عقلاً، أن يبلغ الناس أحكاماً لا تتفق مع روح الدين، أو يرتكب أعمالاً تتعارض مع المبادئ الدينية.
ولهذا أخبر القرآن الكريم، بأن هذه الكتب قد فقدت حجيتها، لأنه اختلط فيها الحق بالباطل، فيقول الله تعالى: ﱡﭐ   [آل عمران: ٧١]، ويقول: ﭐﱡﭐ       [آل عمران: ٧٨]، ويقول : ﱡﭐ        [المائدة: ١٣] 

كما ركزت كتب علم الأديان على قضايا المقارنة بين الإسلام والمسيحية كـ : تعدد الزوجات ، ونعيم الجنة ، وقضية الصلب ... وغيرها ، وألقت الضوء على  تحريف الكتاب المقدس الذى بين يدى اليهود والنصارى من خلال ما كتبه أهل الملة أنفسهم ، أضف إلى ذلك ما طرحه من قضايا اختلفت فيها الرؤى بين علماء الدين ، وهذه هى ثمرة علم مقارنة الأديان فى العصر الحديث .

                                                     أ. د/ محمد شـامــة
                                                       


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...