الإرهاب لادين ولاوطن له
أ. د/ محمد شامة
تمر المجتمعات
الإنسانية بمرحلة من أخطر مراحل تاريخ البشرية ، حيث تغلغلت المادية في جميع أنشطة
الحياة : أفراداً وشعوباً ، وجماعات ، وتوارت القيم الدينية وراء شهوات الإنسان وأطماعه
؛ فأصبح الاستغلال المادي أسلوباً ومنهجاً ، والاستيلاء على مصادر الثروة بالقوة
شرعة وقانوناً ؛ فانتشر الفساد في الأرض ، ونبتت براعم الإرهاب من بين طياته قنابل
ومتفجرات ، تدمر الأخضر واليابس ، وألغاماً وسيارات مفخخة تحصد أرواح الأبرياء
والمسالمين ، فضاع الأمن ، واختفى الأمان بين التهديدات والإنذارات ، وتوارى
السلام بعيداً عن أزيز الطائرات ومدافع الدبابات ، حتى أصبح حلماً يتخيله الخائفون
، وتتصوره في الأفق كل الشعوب على وجه الأرض ، لا فرق بين متحضر يتترس وراء مأ انتجته
الحضارة من طائرات ودبابات ، وبين متخلف يختفى وراء ما خلفه العنف من دمار ،
ويتوقع أن ينال ما حل بصاحبه وزميله ، متوقعاً في كل لحظة أن يصيبه مثل ما أصابهما
، وأن يحل به من الهلاك والدمار ف يختفى وراء ما خلفه العنف من دمار ، ويتوقع أن
ينال ما حل بصاحبه وزميله ، متوقعاً في كل لحظة أن يصيبه مثل ما أصابهما، وأن يحل
به من الهلاك والدمار ف يختفى وراء ما خلفه العنف من دمار ، ويتوقع أن ينال ما حل
بصاحبه وزميله ، متوقعاً في كل لحظة أن يصيبه مثل ما أصابهما ، وأن يحل به من
الهلاك والدمار من نوع ما رآه بالأمس ، سواء كان ذلك رأى العين ، أو بواسطة وسائل الاتصال الحديثة .
مفهوم الإرهاب
شاع مصطلح الإرهاب في الساحة الفكرية كترجمة لكلمة : terrorism “
" متهمين المسلمين بأنهم إرهابيون ، فانبرى الخطاب الفكري
في بلادنا يدافع في مقالات ، وتحليلات ، وكتب ، مبيناً أن الإسلام ليس دين إرهاب ،
وإنما يدعو إلى السلام والأمن ، دون أن يوضح المفكرون أن ترجمة كلمة : terrorism “
" بالإرهاب خطأ ، وربما تؤدى هذه الترجمة إلى عكس المطلوب
؛ حيث توجد مادة هذه الكلمة في القرآن الكريم ، في قوله تعالى : ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﳇ ﱠ [ الأنفال: ٦٠]
، فإذا وُجِّه الخطاب الفكري إلى نفى الإرهاب عن الإسلام ، فلن يقتنع غير المسلمين
من الأوربيين بذلك ، وخاصة أولئك المهتمين بالبحث العلمي – وعلى وجه أخص :
المهتمين بالدراسات الإسلامية - ؛ لأنهم سيجدون هذه الكلمة في القرآن الكريم .
كان أول واجب يقوم به المفكرون المسلمون هو تصحيح ترجمة
كلمة: terrorism “
" إلى العربية، وبيان أنها ليسن إرهاباً ، وإنما الترجمة
الصحيحة هي " الرعب " ، والإرهابي هو : " المرعب "
أي الذى يثير الرعب في نفوس المواطنين . أما كلمة إرهاب في القرآن الكريم في تعني:
" الردع " ، أي تخويف الآخر من العواقب الوخيمة ، إذا هو أقدم على
الاعتداء ، وهو مصطلح مقبول دوليًّا ؛ إذ شاع في الخطاب الدولى كلمة: "
الردع النووي " ، أي أن امتلاك القوى العظمى للسلاح النووي كان وسيلة
لمنع وقوع حرب عالمية ثالثة .
انشغل المسلمون فكريًّا بنفي تهمة الإرهاب عنهم ، حتى
بدا للمراقب لحركة المساجلة الفكرية بين الغرب والعالم الإسلامي : أن الإرهاب
منحصر في المسلمين ، وأنهم – أي المسلمين – هم الذين يسيعون الرعب في أركان الكرة
الأرضية ، مع أن الحقيقة أن هذا التيار ليس حاصًّا بالمسلمين ، بل هو منتشر في كل
أرجاء المعمورة ، وبين كل الأعراق والأجناس ، وأصحاب الأديان والعقائد المختلفة ؛
فهو موجود في جميع قارات الكرة الأرضية ، وفى أوربا بالذات ، حيث ظهرت في القرن
الماضي جماعة " ماينهوف " في ألمانيا ، و " الألوية الحمراء "
في بريطانيا ، و " الجيش الجمهوري " في إيرلاندا ، هذا فضلاً
عن ظهور مثل هذه الجماعات في أمريكا اللاتينية ( في كولومبيا ، ونيكاراجوا وغيرهما
) ، وفى إفريقيا ( في رواندا ، وناميبيا، وأنجولا وغيرها ) ، وفى آسيا
: ( في الهند ، وسيريلانكا ، واليابان ، ونيبال وغيرها ) وهذه الجماعات من غير
المسلمين !!!! ولا ننسى ما فعله المرعبون من غير المسلمين في القرن الواحد
والعشرين في فرنسا، وانجلترا، وألمانيا، وأمريكا .... كل هؤلاء لا ينتمون إلى
الإسلام ، أضف إلى ذلك أن الإسلام غلظ العقوبة على هؤلاء الذين يذيقون الأرواح فقد
بين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : ﭐﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﱠ [النساء: ٩٣ ] أي لهؤلاء الذين يذيقون أرواح
المؤمنين خمس عقوبات : يقذف به في جهنم، ويبقى فيها إلى الأبد ، ويغضب الله عليه ،
وينتظره عذاب عظيم ، وليس الأمر قاصراً على قتل المؤمن فقط ، بل بين جرم بين يرتكب
هذا ضد الإنسان بوصفه إنساناً بصرف النظر عن دينه وعقيدته ، فقال تعالى : ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱪ
ﱠ [المائدة:٣٢
] ، أي أن من يعتدى على إنسان -
أيًّا كان عقيدته وملته – بالقتل ، فقد اعتدى على الإنسانية كلها لأن المعتدى جزء
منها وفرد من أفرادها ، فالاعتداء عليه هو بمثابة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية كلها
، كذلك بين القرآن الكريم جزاء من يرعب الخلق ويخيفهم في قوله تعالى : ﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ [المائدة: ٣٣ ] ، فهذا جزاء من يرعب الناس
ويخيفهم ويسلب أموالهم ، وهو جزاء كفيل بمنع ظهور هذه الظاهرة في المجتمع الإنسانى
. أبعد هذا البيان القرآنى تلصق تهمة " الإرهاب " بالإسلام ، بل
إن بعض الجماعات التي مارست هذا العمل عبر التاريخ – بصرف النظر عن موقف الإسلام والمسلمين الرافض
لعملياتها ضد المدنيين – كانت تناضل من أجل هدف مشروع ، ألا وهم تحرير أرض
المسلمين من المستعمر ، وتخليص البلاد من سيطرة الغاصبين ، أما الجماعات الأخرى في
أوربا وغيرها ، فليس لها هدف واضح مشروع ، اللهم إلا إشاعة الرعب والنهب والسلب لدى
كثير منها ، ومحاولة فرض مذهب أو عقيدة على الآخرين ، حتى ولو كانوا إخوانهم في
العقيدة ، كما هو الحال في المعركة التي كانت دائرة إلى وقت قريب بين البروتستانت
والكاثوليك في إيرلاندا.
بل إن الإسلام في علاقته مع أعدائه
الذين يحاربونه لم يسمج بقتل المدنيين؛ فقد جاء في وصية النبي e للمسلمين الذين كان يبعثهم لرد
اعتدار الكفار عن ديار المسلمين ، عدم جواز قتل الأطفال والشيوخ والمدنيين الذين
لا يحملون السلاح ويشهرونه فو وجه الجيش الإسلامي ، وعدم هدم البيوت وقطع الأشجار
، أي أن قتالهم ينحصر فيمن اعتدى عليهم بالسلاح فقط ، كما جاء في القرآن الكريم
النهى عن الابتداء بالاعتداء ، يقول تعالى : ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ
ﲏ ﱠ [البقرة: ١٩٤ ]
ويقول: ﱡ ﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﱠ [البقرة:
١٩٠] ، وبناءً عليه يكون قتل المدنيين
، وتخريب الممتلكات ، منافياً لتعاليم الإسلام .
ولذا ينبغي على محبى الإسلام مناشدة الأمم المتحدة عقد
مؤتمر دولي لتعريف الرعب ( الإرهاب ) ، وتحديد الفرق بينه وبين المقاومة الوطنية ،
مع بيان منهج وأسلوب هذه المقاومة ، بحيث يعتبر من يتعداها مرعباً (إرهابيًّا) حتى ولو كان فرداً من أفراد
الجماعة التي تجاهد في سبيل تحرير أرضها من الاحتلال ، وكذلك بيان أعمال الدول
التي تدخل في نطاق ممارسة الدولة رعب المواطنين ، أو الذين يدافعون عن أوطانهم ،
كما أنه ينبغي التأكيد على ضرورة الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان المختلفة
مما يؤدى إلى نشر السلام في أرجاء العالم المختلفة ، ويساعد على ازدهار التعاون
المشترك بين دول العالم لصالح البشرية .
إن
صدام الحضارات فكرة شيطانية، يراد بها نشر العداوة والبغضاء بين الشعوب، بما يغرس
في النفوس التنافر ورفض الآخر، ولذا ينبغي التركيز على نشر ثقافة السلام بين
الأفراد والأمم، وغن اختلفت عقائدها، وثقافاتها، وتعددت اتجاهاتها الفكرية، وبهذا
لا يكون صدام حضارات، بل تنافس شريف، يتمثل في نبادل الأفكار والرؤى على جميع
المستويات، فما كان صالحاً للأفراد والمجتمعات بقى واستمر، وثبتت أقدامه، وما كان
طالحاً ذهب واندثر.
وبناءً
عليه ينبغي على المسلمين أن يركزوا على هذا الجانب عند حوارهم مع الآخرين في
الندوات والمؤتمرات التي تعقد لهذا الغرض، لتصحيح التصور المغلوط عند هؤلاء عن
الرعب (الإرهاب) ومصدره. وهذا هو الأساس الذى ينبغي أن يُبْنَى عليه الحوار بينهم
، وهو المنطلق الذى يجمعنا للبحث عن أسباب ما يسمونه الإرهاب الإسلامي، ومحاولة
إزالتها حتى نقضى عليه ، وإلا فلن تكون اللقاءات والحوارات سوى شقشقات لفظية ،
وجمل لغوية لا مفهوم لها ، وجعجعة لا طائل من ورائها ، اللهم إلا إذا كان غرضهم –
وهذا ماتؤكده الأحداث– تبديد طاقات المسلمين في هذا الحوار الفارغ ، حتى لا يكون
لدى المسامين من الوقت ما يبذلونه في حل
قضاياهم الداخلية ، واسترداد ما سلبه منهم الآخرون ، وبذلك يظلون يدورون في إطار
هذه الأحداث الذى رسمه لهم هؤلاء ، فيتخلفون عن ركب الحضارة الحديثة .
أ. د/ محمد شامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق