التراث الإسلامي بين القبول والرفض
أ. د/ محمد شامة
ترجع كلمة (التراث) إلى الفعل: ورث، وهو يدور
حول ما يتركه الإنسان لمن بعده أي ما يخلفه الميت لورثته، يقول الله تعالى على
لسان زكريا عليه السلام: ﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱠ [مريم:
٥ – ٦] ، ويقول
تعالى: ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱳ ﱠ [النمل: ١٦]، ويقول: ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﱠ [الفجر: ١٩]
وعليه فإنه كلمة (التراث) في اللغة العربية تعني: الميراث، وهو يشمل المال،
كما يشمل الدين والعلم والإيمان، يقول الله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱪ ﱠ[سورة فاطر:32]
فالمقصور هنا: وراثة العلم والاعتقاد والإيمان بالكتاب
المنزل على رسوله. فالتراث هو كل ما خلفه السلف للخلف في مجال العقائد والعلم
والحضارة المادية، ويصاحب الأمة على مدى تاريخها في المجالات المادية والروحانية،
فهو نتاج جهد إنساني، متواصل قامت به مجموعة من الأمة في مجال المعارف والعلوم،
والفنون والآداب، كما أسهم فيه جميع أفراد المجتمع في ساحات العرف والعادات
والتقاليد، فهو يعتبر ركنا أساسيا من أركان هوية المجتمع، وخزانة خبراتها التي
تساعدها في تعاملها مع حاضرها، ويرشدها إلى رسم مستقبلها.
اشتدت حدة النغمة في مجال الدين من يوم أن انطلقت دعوة
تجديد الخطاب الديني؛ فلم يقتصر الحديث على المتخصصين في هذا المجال، بل جال فيه
وصال كل من أتيح له مكان في وسائل الإعلام المختلفة، إذ انبرى كل ناعق يفتي في
أمور دينه، وهو لا يعرف ألفها من يائها، فأصبحنا وأمسينا على أصوات تتحدث في أدق
المسائل الدينية، وحتى وإن كان لا يعرف له تخصص يمكن أن يبدي فيه برأي يمكن أن
يقبله العقل، أو تطمئن إليه النفس، فهو أمي في قضايا لا يعرف شطآنها إلا المختصون
المدركون لفلسفة الشريعة الإسلامية، فليس كل من حصل على شهادة من الكليات المتخصصة
متمكنا من الإفتاء أو الاجتهاد في أمور ألقى العصر عليها بظلاله، وتخللتها مشاكل
العصر ومقتضيات الزمن، وصبغتها اختلافات الحياة وتنوعها في أقطار الكرة الأرضية
المتعددة، فمن قرأ كتيبا في المسائل الدينية لا ترقى ثقافته إلى مكان يؤهله للحديث
في أمور الدين، فضلاً عن أولئك الذين لا مهنة لهم، أو يحرزوا مكانا في المجال الذي
درسوه، فهؤلاء تحتم عليهم تعاليم الإسلام عدم الخوض في أمور لا يفقهون كنهها، ولا
يعرفون معالمها، ولا يدركون شيئا من تفاصيلها، فهم بتناولهم للمسائل الدينية
يسيئون إلى الإسلام، ويلقون بظلال كثيفة على سماحة التعاليم الإسلامية، فيطمسون
نورها، ويشوهون صورتها في عيون غير المسلمين، بل وفي فكر كثير من المسلمين.
يجب على هؤلاء
أن يمتنعوا عن الحديث في مسائل الفقه الإسلامي امتثالاً لقوله تعالى: ﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﱠ [سورة الإسراء: 36]، وإلا فليأخذ
ولي الأمر الإجراءات القانونية ضدهم، كما يفعل من يمارس-مثلاً- مهنة الطب دون أن
يكون عنده من العلم والخبرة ما يؤهله لذلك. ولا يلتفت لادعائهم بأن للمسلم أن يقوم
بواجبه في الدعوة إلى الله؛ فهذه فرية لا يدرك كنهها إلا العالمون، لأن هناك
فاصلاً كبيراً بين من ينصح الآخرين بالالتزام بما أمر الله به، وبين من يتصدى
لمسائل فقهية لا يفهم دقائقها إلا الراسخون في هذا العلم، إذ تمثل النصيحة العامة
في أمور الدين من ينصح من يصاب بالصداع بأخذ مسكنات معروفة للجميع، وهو من الأمور
الطبية التي لا ضرر من النصيحة بها، ولكنه لا يقوم بعمل جراحة، أو يمارس أموراً
صعبة، لا يلم بتفاصيلها إلا من درس الطب. كذلك في الأمور الدينية، فيمكن للمرء أن
ينصح الأخرين بأمور عامة في المسائل الدينية، في مجال الأخلاق مثلاً، ولكنه لا
يجوز له أن يفتي في مسائل فقهية لا يعلمها إلا المتفقهون.
كما أنه ليس كل من يحمل شهادة من الكليات الشرعية بقادر
على الإفتاء في الأمور الدينية التي لها تأثيرات كبيرة في حياة الفرد والجماعة؛
فهي متشابكة في طيات حياة المجتمعات المعاصرة، ولا تقتصر آثارها على فرد أو مجموعة
محلية، بل تمتد فاعليتها في ثنايا الأنشطة الإنسانية، وتلقي بظلالها عبر حدود
الأقطار، وخاصة في عصر التقدم في مجالات التواصل الاجتماعي، ولذا يجب أن نفرق بين
المتخرجين من الكليات الشرعية، بين من يقتصر جهده العلمي على حفظ المسائل الدينية
وأجوبتها في التراث الإسلامي، وبين من تتعدى قدرته المعرفية إلى آفاق فهم غايات
الأحكام الإسلامية، ويدرك فلسفتها في تنظيم حياة الأفراد، وضبط النغمات في علاقة
الأمم والشعوب، وفهم التعامل مع النصوص الإسلامية وتوجيه غاياتها إلى التناسق بين
عادات وتقاليد الشعوب المختلفة، وذلك بالقدرة على فهم محتويات التراث الإسلامي
والاستفادة منه في حدود العصر، والانتقاء منه ما يتلائم مع وقع الحياة المعاصرة،
ويتناغم مع ما تمليه علينا الموجات الحضارية، وما تحتمه في حياتنا مقتضيات الزمان
والمكان.
أدى عدم فهم
فلسفة التعامل مع التراث إلى ظهور أصوات تنادي بتنقية التراث، وأخرى بعدم اللجوء
إليه في تحديد سلوك المسلمين في تعاملهم الديني والدنيوي، وكلاهما جانبه الصواب،
ولبيان ذلك ينبغي علينا أن نفهم ما يحتوي عليه هذا التراث، وندرك أهميته في حياة
الأمم والشعوب الإسلامية، فالتراث الإسلامي مصطلح شامل يتسع بكل ما له علاقة
بالإسلام، سواء كان نصوصا مقدسة: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، أو آراء
العلماء السابقين في مجال فهمهم لهذه النصوص وتطبيقها على واقعهم الذي عاشوه لحل
مشاكلهم التي كانت معاصرة لهم، فهو يشتمل على جانب مقدس لا يجوز إهماله، أو
تجاهله، وإلا خرجنا عن ملة الإسلام، وهو كما ذكرت ينحصر في نص القرآن الكريم والسنة
النبوية الصحيحة، فتلك نصوص يجب الالتزام بحرفيتها، فمن ينكر حرفا من حروف القرآن
الكريم لا يكون مسلما، ومن ينازع في كيفية تأدية الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة
والحج أو يرفض حديثاً متواتراً يكون منكراً لأمر مقطوع بصحته وواجب الإيمان به،
أما ما كتبه المسلمون حول هذه النصوص فهو فكر بشري يؤخذ منه ويرد عليه، لأنه فهم
بشر للنصوص المقطوع بصحتها، تأثروا في هذا الفهم بثقافة العصر وعادات الشعوب
وتقاليدها، لكن لا يجوز إنكاره كلية، لأنه هو الهوية الثقافية للأمة؛ إذ بدونه
تضمحل المجتمعات وتتفكك داخليا، وقد تندمج ثقافيًّا في أحد التيارات الأجنبية،
فللحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات الإسلامية التي تكونت ابتداءً من حركة
التدوين في نهاية القرن الأول الهجري عبر القرون اللاحقة، مكونة أعرافا اجتماعية
وتقاليد خلقية، توارثتها الأجيال على مر التاريخ الإسلامي، راسمة وموضحة المستوى
الحضاري للأمة، فهي جذور حضارية، وثمار ثقافية، لا يجوز تشويهها، ولا ينبغي
الاعتداء عليها بالحذف أو التنقية، ففي حذفها ضياع لهوية الأمة، ومسخ لثقافتها،
وفي التنقية تشوية لثوب الأمة الحضاري، فضلاً عن عدم معرفة ما يمكن حذفه من
العناصر وما يجوز إبقاؤه، إذ يجر علينا محاولة الاتفاق على تنقية التراث خلافاً
ونزاعاً حول ما يجب الاتفاق على ما يجب حذفه، بل إن هذا العمل سيشوه تاريخ الأمة
الثقافي، ويمحو ماضيها الفكري، فتصير بلا ماضٍ ترتكز عليه، ومن لا ماضي له فليس له
حاضر، ولن يكون له مستقبل يفتخر به، أو يعتز بجذوره التي يرتكز عليها.
إذن فكيف نتعامل مع هذا
التراث؟
التراث في أبسط معانيه هو السجل الكامل للنشاط الإنساني
في مجتمع ما على مدى زمن طويل، حفظته الذاكرة لجماعة الشعوب ليعكس حضارتها تفكيراً
وسلوكاً، ويتفرع هذا السجل إلى إبداع في مجالات عدة: شعراً، وأدباً، وتاريخاً،
واختراعات علمية، ولوحات تشكيلية، وتحفاً فنية، وشكلاً معمارياً... إلخ. فهو تراكم
تاريخي متعدد المشارب والمناحي، يمثل هوية الأمة وتاريخها الإنساني ويميزها عن
غيرها من الأمم.
أما التراث في المجتمع الإسلامي، فينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: القرآن الكريم، والحديث الصحيح، وهما من الحقائق المطلقة فيما يتعلق
بنصهما؛ إذ ما يشتملان عليه من نصوص هي وحي يعبر عن حقائق مطلقة يجب التسليم بها،
وإلا أصبح غير المسلم به -ولو كان حرفاً واحدا -يخرج من دائرة المسلمين. أما تأويل
منطوقها، وشرح نصوصها فهو أمر نسبي، لأنه إنتاج بشري يحتمل الخطأ والصواب، وهذا
يقودنا إلى القسم الثاني من التراث الإسلامي، وهو ما يطلق عليه: فكر إسلامي؛ فليس
هو الإسلام، لأن الإسلام هو: نص القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة. وما عدا
ذلك فهو فكر إسلامي، نتاج بشري، يحتمل الخطأ والصواب، فهو مكون من مكونات فكر،
ووجدان، وسلوك المسلمين، وهو ما دعا البعض إلى وصف التراث بـ (المتصل) الحي، الذي
ينحدر مع الأجيال من الماضي إلى الحاضر، ويتجه صوب المستقبل في تدفق مستمر... وهو
مصطلح متسع لكل ما أنتجته الحضارة الإسلامية باللغات المختلفة (عربية، وفارسية،
وتركية... وغيرها).
ولا يقتصر على العلوم الشرعية وحدها كالتفسير والحديث
والفقه ونحو ذلك، بل يتسع ليشمل كل ما خلفه العلماء المسلمون عبر العصور من مؤلفات
في مختلف فروع المعرفة بشتى اللغات في كل بقاع الأرض.
فعلى الرغم من هذه المكانة الهامة للتراث في تكوين هوية
الأمة، وهيمنته المؤثرة في توجيه الأفراد إلى ما يحبه الله ورسوله، وحفظ المجتمع
من الوقوع في هاوية الفساد والإلحاد، نسمع أصواتا تتردد في جنبات المجتمع تدين
التراث، فتصفه بالمعوق لمسيرة الأمة نحو النهوض في مجالات الحياة المختلفة، وتتصدى
لها نبرات أخرى تدافع عنه، فتقدسه، وتدعو إلى الإلتزام به حرفيا، فيتبلور هذا
التراشق إلى أربعة آراء:
الأول: يرفض التراث كلية؛ إذ يرى أنه معوق لمسيرة
المجتمع الحضارية؛ فهو قد سطر في زمن غير زماننا، وفي ظروف تختلف عن حياتنا
المعاصرة؛ فهو يشتمل على مسائل يرفضها العقل المستنير، وتستنكرها العادات والتقاليد
المعاصرة، ويستند المؤيدون لهذا الاتجاه على ذلك بما يردده بعض المنتمين للفكر
الإسلامي من فتاوى شاذة لا يقرها الذوق، ولا يستسيغها الرأي العام مثل: نكاح
الوداع، وجواز وطء الحيوانات، والعلاج ببول الإبل، وغير ذلك من الفتاوى التي لا
يقبلها الإنسان المعاصر، ولا يقرها من يتعامل مع منتجات الحضارة المعاصرة من
تكنولوجيا لم تكن تخطر للسابقين على بال، بل كانوا يعدون خطواتها الأولى من السحر
والشعوذة، ولا يسلم بها إلا من مارس البحث عن نظريات كونية توصل إلى آفاق لم يكن
يتصورها عقل؛ ولذا فهم يرفضون التراث برمته، غير مدركين أنه يشتمل على عناصر هامة
تدخل في كيان الأمة، وترتكز عليها حياة الشعوب الإسلامية، ويمكن الاستعانة بها إذا
ضربنا الصفح عن هذه المفردات الشاذة، والعناصر التي فات زمانها. فإذا بحثنا في
التراث عن العناصر الإيجابية وصغناها بأسلوب عصري، تاركين المسائل التي لا تنسجم
مع متطلبات الحياة المعاصرة، لكان في ذلك فائدة في حياتنا. فطرح التراث كلية،
وإلغاؤه ضياع لهوية الأمة، وفقدان لتاريخها، مما يجعلها تقف في مواجهة متطلبات
الحياة دون جذور ترتكز عليها، وأعمدة تقي بنيانها؛ فمن لا ماضي له فليس له حاضر،
وهيهات أن يكون له مستقبل. فتأمين حياة الأمة، وضمان مستقبلها يكمن في الاستناد
إلى العناصر الحية في التراث، وترك كل ما هو زمني، أو غير ملائم للعصر، وبذلك يسير
موكب حضارتنا سيراً حثيثاً دون أن تعوقه فتاوى شاذة، أو تمنعه عن التقدم أفكار لا
تناسب العصر، ولا تتناغم مع ركب الحضارة. ولا تعترض مسيرة التقدم.
الثاني: يرى من يمثله أن التمسك بالتراث من ألفه إلى
ياءه واجب ديني؛ لأن الأحكام الواردة فيه
–هكذا يعتقدون- حقائق مطلقة، لا يجوز معارضتها، فضلاً عن مخالفتها في تطبيق
الأوامر الشرعية؛ لأنها من الثوابت الدينية التي يجب الالتزام بها دون انتقاء، أو
تفرقة بين حكم وآخر، ولذا نراهم يرددون ما ورد فيه دون تدقيق، ويعلنون ما يحتويه
من أحكام على الملأ، حتى وإن ظهر أن الزمن قد تجاوزها، فأصبحت غير مقبولة
اجتماعيًّا، ولا يسلم بها منطقيًّا، ولا تستسيغها النفوس، ولا يسلم بها الذوق
العام كنكاح الوداع وغيره من الأحكام التي لجأ إليها العلماء السابقون، حينما
مارسوا طرح المسائل الافتراضية، أو ما يطلقون عليه: (الفقه الافتراضي)، فقد ورد في
هذا المجال صوراً فقهية لا يمكن حدوثها في الواقع المعاش مهما اختلف الزمن وتفاوتت
الأقطار وتعددت حياة الشعوب؛ إذ من المستحيل وقوعها في أي زمن وتحت أي ظرف مثل
قولهم: "لو حمل أحد قربة فساء على ظهره وصلى بها، فهل تجوز صلاته؟"
مثل هذه الصور لا يمكن وقوعها، ولكنهم ذكروها في كتبهم،
فهل يجوز لأحد في القرن الواحد والعشرين أن يتخذ هذه الآراء نبراساً، فيرددها على
مسامع أناس يتعاملون مع أحدث الآلات التكنولوجية، ويطلعون على آراء ونظريات لم
تتخيلها عقول آبائنا وأجدادنا.
إن ترديد الآراء الشاذة الموجودة في التراث الإسلامي يسئ
إلى الإسلام؛ إذ يتخذها أعداؤه دليلاً على عدم ملاءمة الأحكام الإسلامية لظروف
العصر، فهو بالتالي من الأحكام والأديان -هكذا يستنتج أعداء الإسلام عند سماع هذه
الآراء –التي عفا عليها الزمن، فيجب أن نطرحها جانباً، ونستحدث –بدلاً منها -قضايا
عصرية بعيدة عن الدين، وبذلك يصاب الإسلام بالضربة القاضية، وممن؟ من أولئك الذين
يعتبرون أنفسهم المتحدثين باسم الإسلام والشارحين لقضاياه، والمعبرون عن قيمه
وآدابه، وفي الحقيقة هم معاول تهدم الإسلام، وهم لا يدرون، وأصوات تنفر غير
المسلمين من الاقتراب منه، وهم لا يدركون، وتضع المسلمين في مواقف حرجة حيث يصيبهم الشك في صلاحية الإسلام للحياة المعاصرة.
الثالث: يرى
تنقية التراث وذلك بحذف ما لا يلائم عصر ولا يتفق مع متطلبات الوضع الحاضر في
المجتمعات العالمية، فالتراث جذور حضارية، وثمار ثقافية، لا يجوز تشويهها، ولا
ينبغي الاعتداء عليها بالحذف أو التنقية؛ ففي حذفها ضياع لهوية الأمة، ومسخ
لثقافتها، وفي التنقية تشويه لثوب الأمة الحضاري، فضلاً عن عدم معرفة ما يمكن حذفه
من العناصر، وما يجوز إبقاؤه؛ إذ يجر علينا محاولة الاتفاق على تنقية
التراث خلافاً ونزاعاً حول ما يجب حذفه، بل إن هذا العمل سيشوه تاريخ الأمة
الثقافي، ويمحو ماضيها الفكري.
الرابع: من
يتمسك بالتراث كصورة للتاريخ الثقافي للأمة، يحفظ هويتها الثقافية، ويسجل تطورها
الفكري، ويختار منه ما يلائم العصر ويلبي مطالب الحياة الآنية، وما عدا ذلك يتركه
في المخزن الثقافي ينتفع به من يؤرخ لمسار الأمة الثقافي. فإذا لم يوجد به ما
يلائم العصر ويلبي حاجات الأمة في حياتها المعاصرة، فعلى العلماء المتخصصون البحث
عما يتماشى مع الظروف، سواء كانت محلية أو عالمية، وذلك بالتأويل أو الشرح
المعاصر، بشرط ألا يتعارض مع نص قطعي الدلالة في القرآن الكريم، وذلك ما يجب
اتباعه في التعامل مع التراث.
أ. د/ محمد شامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق