إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

24,203

السبت، 23 مايو 2020

الجزء الرابع من مقرر العقيدة بالعربي


جزء 4من مقرر العقيدة بالعربي
( 25 )

الهجرة

تموج المجتمعات الإنسانية منذ القدم بتيارات مختلفة، واتجاهات متعارضة، وأفكار متنافرة، غير أن من الممكن تصنيف ميل الإنسان، الذى هو مصدر هذه الاتجاهات، ومنبع تلك الأفكار إلى عنصرين رئيسيين، وهما: الخير والشر، فالنفس الإنسانية تتأرجح بين هذين العنصرين، إذ أن عمل الإنسان وسلوكه في المجتمع، إما يتسم بسمات تجعله يميل ناحية الخير وإما تسيطر عليه عوامل تجذبه إلى طرق الشرور والآثام.
والناس مختلفون في تحديد أوصاف الخير والشر، ولذا فهم في صراع مستمر حول ما يجب أن يلتزم به الفرد ، ليكون صالحاً لنفسه ولمجتمعه ، وفى نزاع دائم حول تحديد معالم الشر ، الذى ينبغي أن يبتعد عنه الإنسان ؛ فهناك مبادئ عديدة ، يختلف تقييمها من شخص لآخر ، فبينما يرى واحد أنها خيرة وصالحة للمجتمع ، يذهب آخر إلى أنها تسبب أضراراً للحياة الاجتماعية ، ويتضح هذا الاختلاف في تاريخ الأنبياء مع قومهم ، إذ بينما دعوهم إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا وفلاحهم في الآخرة ، كان رد قومهم عليهم هو الإنكار والمعارضة التي بلغت أحياناً حد الإيذاء البدني، لأنهم كانوا يعتقدون أن ما هم عليه هو الصحيح الذى يجب على المجتمع المحافظة عليه ، وعدم التفريط فيه . أما ما جاءهم به أنبياؤهم، فهو الأمر الذي لا خير من ورائه، إذ هو بدعة، لا يعرفون عنها إلا الجانب الذي سوف يجلب عليهم الخراب والدمار.
ولما كان الأنبياء مطالبون بتبليغ رسالتهم، مهما قوبلوا بالمعارضة والإنكار، استمروا في دعوة قومهم للإيمان بما جاءوا به من عند الله، آمن بهم قلة ضئيلة من الناس، كانوا هدفاً لإيذاء المنكرين والمعارضين. ومن أشد صور المعارضة التي عرفت في تاريخ الأنبياء معارضة أهل مكة للإسلام ، فقد تفننوا في إيقاع الأذى بمن آمن بالإسلام ، فضربوهم ، وعذبوهم بأقصى صورة يمكن أن يتخيلها الإنسان في مقاومة الدعاة ، مما دفع رسول الله e أن يأمر المعذبين بالهجرة إلى الحبشة ، لأنهم كانوا قلة مغلوبة على أمرها ، تتلقى كل يوم من كفار قريش ضربات لا هوادة فيها ولا رحمة ، وصفعات من السخرية ، لا أدب فيها ولا عفة ، فلم يكن أمام النبي e إزاء هذا الوضع غير المتكافئ ، إلا أن يأذن بالهجرة ، لينطلق المؤمنون في آفاق الأرض ، علهم يجدون من يسمع نداء الله ، فيرق قلبه ، ويستجيب لدعوة الله ، فيكون في ذلك انتشار الدعوة الإسلامية .
فالهجرة هي الوسيلة الوحيدة للقلة المستضعفة، وإن كان إيمانها بدعوتها يعطيها من القوة ما تستطيع به أن تتحمل صنوف الأذى، ومن اليقين ما يجعلها تصمد أمام ألوان البطش والإرهاب، ومن الرجاء في رضاء الله ومغفرته ما يدفعها إلى التضحية بأرواحها وأموالها، إلا أن هؤلاء المؤمنين، الذين يتعرضون للإيذاء صباح مساء بشر، لهم طاقة احتمال محدودة، ومن هنا كان الحل الوحيد أن يهاجروا إلى حيث يجدون الأمن على حياتهم، والحرية في ممارسة ما تلزمهم به عقيدتهم.
ولما اقتضت إرادة الله أن تسير الدعوة الإسلامية في طريق عادي يخضع للأسباب التي رسمها الله لتحويل المجتمعات الإنسانية، لم يحل – وهو القادر على كل شيء – بين المسلمين المستضعفين في مكة، وبين أذى الجبابرة من قريش، بل ترك الصراع يسير وفقاً لسنة الحياة، حتى يكون السابقون الأولون مثلاً يحتذيه الخلف في الدفاع عن عقيدتهم. وحين اشتد أذى قريش للمسلمين، أذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، فكانوا يخرجون خفية، وبعيداً عن أعين الرقباء، حتى لا يؤذون، أو يمنعوا من مواصلة الهجرة، إلى حيث أمرهم رسول الله e .
ومما يدل على أن الله I ترك عملية الهجرة تسير طبقاً لسنن الحياة ، دون أن يتدخل بمعجزة تمنع وصول الأذى إليهم ، أن من كان من المسلمين ذا بطش وقوة ، خرج جهاراً نهاراً أمام أعين كفار قريش ، بل تحداهم أن يتعقبوه ، ويتمثل ذلك في عمر بن الخطاب t ، فقد روى أنه خرج شاهراً سلاحه ، وهو يقول : " من أراد أن تثكله أمه، أو ييتم ولده ، أو ترمل زوجته ، فليتبعني وراء هذا الوادي " ، فلم يستطع أحد أن يخرج وراءه ليمنعه من الهجرة .
كذلك أخذت الترتيبات التي اتخذها رسول الله e  في هجرته، طابع الحرص الشديد، والتخطيط المحكم، وذلك ليعلم المسلمين أن الأمور لا تؤخذ اعتباطاً، وإنما لابد من الدراسة الواعية، والتخطيط السليم، والتنفيذ المتقن؛ فقد خطط لهجرته تخطيطاً دقيقاً؛ إذ عندما علم أن قريشاً تريد قتله قبل أن يخرج مهاجراً إلى يثرب، أمر على بن أبى طالب أن ينام في فراشه، ليوهم القوم أنه لازال في بيته، فلا يتعقبونه، وبذلك يكون عنده فسحة من الوقت لتنفيذ المرحلة التالية، وهي اختفاؤه في الغار.
وكان اختياره للغار دليلاً أيضاً على دقة الخطة بصورة تجعل المرء يقف مبهوراً أمام هذا العقل الذى اختار جهة غير جهة المدينة، إمعاناً في تضليل من يتعقبونه، ولا يملك إلا أن يسلم بأنها كانت بوحي من الله، لأن رسول الله e  كان أمياً، لم يتدرب على مثل هذا التمويه، الذى لا يعرفه إلا أناس عرفوا من قراءة التاريخ صوراً من الحيل، أكسبتهم قدرة على رسم مثل هذه الخطة المحكمة.
واستكمالاً للخطة، لم ينس أن يكلف عبد الله بن أبى بكر أن يتسمع الأخبار في منتديات قريش، وإرسال " أسماء" بها إليه، فلم يذهب هو إليه بها، خوفاً من أن ترصده قريش، فتعرف عن طريق تعقبه مكان الرسول e . كما كلف عامر بن فهيرة، مولى أبى بكر أن يمر بالأغنام، ليخفى أثر أقدام " أسماء "، كذلك كان يمده وصاحبه باللبن اللازم لغذائهما.
ويمكث رسول الله e  وصاحبه في الغار ثلاثة أيام حتى تهدأ قريش، وتيأس من العثور عليهما، فيأتي إليهما عبد الله بن الأريقط بالراحلتين – طبقاً للخطة المرسومة – ويخرجان متوجهين إلى المدينة. ومع إحكام الخطة، ودقة التنفيذ كان يطلبان العون من الله I ، فكان الله يرعاهما ، ويحافظ عليهما ، فنصرهما على من طلبوهما ، وصدق الله إذ يقول:ﱡﭐ           ﲿ   [ التوبة: ٤٠]
وعندما وصل رسول الله e  إلى المدينة، قابلته مشكلة من أعقد المشاكل الاقتصادية، ذلك أنه وجد نفسه أمام مجتمع مؤلف من أهل يثرب المستقرين في ديارهم، ومعهم أموالهم، ومن مهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم في مكة، وخرجوا منها صفر اليدين، ليس معهم ما يساعدهم على كسب ما يقتاتون به، فماذا يفعل؟
أيصادر أموال الأغنياء من أهل يثرب، ويوزعها على المحتاجين؟
لم يفعل ذلك !!!!!
لأن المفروض أن ما يفعله سيكون تشريعاً يجب على المسلمين اتباعه في مثل هذه الظروف، ولما كان الله عالماً بما ينفع المجتمعات، فقد ألهمه ألا يفعل ذلك، لأنه ليس هو الحل الأمثل. وقد أثبتت حوادث التاريخ فشل هذا الاتجاه في حل المشاكل الاقتصادية في المجتمعات الإنسانية.
أيطلب من الفقراء المعدمين الصبر على هذه الظروف، حتى يأذن الله بالفرج؟
لا.. لم يفعل ذلك !!!!
ولو فعله لكان أمراً بالخضوع والاستكانة أمام الأزمات الاقتصادية، فضلاً عن أنه رضاء وتقرير للظروف الاجتماعية، التي يكون فيها أغنياء يتمتعون بأموالهم وممتلكاتهم، ويعيشون في بحبوحة من العيش، بينما هناك إخوان لهم في المجتمع يتضورون جوعاً، لأنهم لا يجدون ما يقتاتون به، وليس هناك ما يلزم الأغنياء بتقديم المعونة لهؤلاء المحتاجين.
ولهذا أرسى قاعدة فريدة من نوعها في التاريخ البشرى ، ألا وهى المؤاخاة بين الهاجرين والأنصار ، أي أن كل أنصاري كان يتخذ أخاً له من المهاجرين ، ومن متطلبات الأخوة المساعدة لاجتياز مرحلة الأزمة ، ولم يحدد الرسول e نوع المساعدة ، بأن يشطره في ماله، أو أن يأكل المهاجر من دخل الأنصاري، وإلا لكانت نوعاً من التأميم، بل تركها لضمير المسلم ، وظروف الأخوين ، ولذا وجدنا صوراً من الحوار بين الرسول e وبين الأنصار ، وكذلك بين الهاجرين والأنصار ، وضحت لنا الهدف الأول لهذه الأخوة ، فقد روى أن رسول الله e قال للأنصار: " إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم" ، فقالوا : أموالنا بيننا قطائع ، فقال رسول الله e : " أو غير ذلك ؟ " قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: " هم قوم يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمار "، أي تسندون إليهم الأعمال في المزارع، على أن يأخذوا نصف ثمارها.
وحدث أن أنصارياً عرض على أخيه المهاجر أن يقاسمه مال، فيأخذ نصفه ليعيش منه، فرفض الهاجر هذا العرض، وقال: بارك الله لك في مالك، ولا أطلب منك سوى أن تُعَرِّفني الطريق إلى السوق، لأباشر عملاً أقتات منه.
فلم تكن المؤاخاة سوى وسيلة لمد يد العون والمساعدة إلى هؤلاء الذين أتوا إلى المدينة بدون مال ، وتختلف الظروف حسب كل شخص ، فتارة تكون بإعطائه فرصة العمل ، وتارة بمساعدته في التعرف على طرق كسب العيش في المدينة، وأخرى بإعطائه جزءاً من المال يستطيع به بدء حياته ، وبهذا يعيش المجتمع أسرة واحدة ، يتعاونون فيما بينهم على السراء والضراء ، فيحس الأخ بما يعانيه أخوه ، فيعمل قدر المستطاع على تخفيف العبء عن كاهل الضعفاء والمساكين، وإن اقتضى الأمر التنازل عن بعض ما يملك لهم ، وهذا هو ما عبر عنه رسول الله e بقوله : " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر  والحمى ".
وجملة القول: أن الدروس التي يجب أن يعيها المسلمون من الهجرة كثيرة، تناولنا ثلاثة منها في هذا الحديث، وهي:
أولاً: لا يكلف الإنسان إلا بما يتحمله، فعندما طلب من المسلم الصبر على الأذى في سبيل تبليغ الدعوة، لم يكن القصد الاستمرار على هذه الحالة حتى الموت، بل أمره بالهجرة عندما لم يكن هناك أي أمل في دفع هذا الأذى، وتلك قضية يجب أن يعيها المسلمون، فلا يتعرضون لتيارات المقاومة إلى درجة الانتحار الجماعي، بل عليهم أن يبحثوا عن طرق أخرى لتوصلهم إلى الهدف بأقل تضحية ممكنة، ولا يلجؤون إلى التضحية إلا عندما تسد جميع الطرق السلمية المؤدية إلى الهدف.
ثانياً: يجب على المسلمين ألا يتركوا الأمور تسير سيراً عشوائياً، بل عليهم أن يخططوا تخطيطاً سليماً، ويلتزموا الدقة في التنفيذ، كما علمهم رسول الله e  في تخطيطه للهجرة، وعليه، فما شاع عن المسلمين، من أنهم ارتجاليون في أعمالهم، ومتواكلون في سلوكهم، فليس من الإسلام في شيء، بدليل أن نبيهم e ، وهو المؤيد بالوحى ، لم يفعل ذلك ، حين هاجر من مكة إلى المدينة ، وما ذاك إلا ليضرب لهم المثل في كيفية التصرف في مثل هذه المواقف .
ثالثاً: فرض الإسلام على الأغنياء أن يمدوا يد المساعدة لإخوانهم الفقراء، فلو فعلوا ذلك لقضوا على أكبر مشكلة تواجه المجتمع، ألا وهي الفقر، فإذا قُضِىَ على القفر اختفى حقد الفقراء على الأغنياء، وتلاشت نزعة تعالى الأغنياء على الفقراء، فيعيش الكل إخوة متحابين متعاونين، وتلك غاية ما تتمناه المجتمعات البشرية.


*   *   *
( 26 )

الموت ليس نهاية
للإنسان

شغلت مسألة ما يحدث للإنسان بعد الموت حيزاً كبيراً في الفكر الإنساني على جميع مستوياته ، فتغلغلت في حياته الشخصية ، وفى معتقداته الباطنية ، لدرجة أنه اهتم بها اهتماماً فاق كل ما عداها في جميع مجالات الحياة ؛ انشغل بها الفلاسفة على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم ، وتناولتها الأديان – على اختلاف تصوراتها للحياة – بالشرح  والبيان ، واحتلت المقام الأول في قائمة الأسئلة ، التي يبحث الإنسان عن إجاباتها ، سواء أكان ذلك في تأملاته الذاتية ، أم في مساجلاته الأدبية وأحاديثه الاجتماعية ، بل أصبح نجاح كل مذهب فلسفي ، أو اتجاه فكرى متوقفاً على موقفه من هذه المسألة ، ولهذا حاولت كل المذاهب الفلسفية توضيح ما أسمته بقضية استمرار الحياة بعد الموت ، فتعددت اتجاهاتها، واختلفت مواقفها من هذه القضية .
 وتتلخص هذه الاتجاهات الفكرية في ثلاث صور:
فالصورة الأولى: هي ما أطلق عليه الاستمرار البيولوجى، ومعناه أننا نبقى بعد موتنا في أشخاص أبنائنا، وأبناء أحفادنا، خلال الأجيال المختلفة.
ولما كان هذا الرأي يقتصر على استخدام المفاهيم البيولوجية، فإنه يؤكد أن كل كائن عضو حي، ليس إلا مستودعاً مؤقتاً لبذور الحياة، وما حياة الفرد إلا وديعة تسلم عند وفاته لأبنائه وبناته.
والصورة الثانية: هي ما سميت بالبقاء الاجتماعي، بمعنى أن استمرار وجودنا بعد الموت، ينحصر في ذكريات أسرتنا وأصدقائنا، إذ أن الأفراد الذين يقدمون للمجتمع أكبر الخدمات، هم الذين يقدر لهم يقاء اجتماعي أطول، فبقاؤنا يتوقف على مقدار جدارتنا، أي على كوننا قد أسهمنا في المجتمع بنصيب يستحق أن تخلد ذكراه بعد موتنا. وفى كل حالة من الحالات يظل كل ما فعلناه من خير ورحمة باقياً بعد مماتنا، وسوف يعمل من انتفعوا من إرادتنا الخيرة على ذكرانا عطرة، والإشادة ببركتنا.
وأطلق على الصورة الثالثة: من صور استمرارية الحياة: الخلود الأخلاقي، ويرى أصحاب هذا التصور أن هناك صراعاً بين الخير والشر في عالم الإنسان، فالفرد الذي يتنازل عن فرديته وهويته الشخصية فيكافح الشر، فإن جهوده في هذا المجال سوف تسفر عن إزالة قطعة من الشر، وإحلال أخرى من الخير، فكأنها تظل نصباً تذكارياً يخلد ذكراه، ويشيد بمجهوده في هذا المجال. وهكذا يرى أنه – على الرغم من ضياع شخصيته – لم يعش حياته عبثاً، فحياته قد اكتسبت بفضل هذا النصيب، الذي أسهمت به مكانة، وغاية تنأى به عن العقم، وترتفع به إلى مستوى إنساني بالمعنى الصحيح، له مغزاه، ودلالته الباقية.
غير أن هذه التصورات لم تعط إجابة شافية للإنسان الذي لا يفتأ يسأل نفسه، ويستفسر ممن حوله، عما إذا كان هناك بقاء بعد الموت أم لا؟ !! إذ يرى أن الاستمرار البيولوجي، أو البقاء الاجتماعي، أو الخلود الأخلاقي، وإن كان حقيقة لا تنكر، إلا أنها أشكال هزيلة من صور البقاء بعد الموت، لا تستحق التفكير فيها، فما لم يكن وجودنا بعد الموت وجوداً، تظل فيه الفردية والشخصية باقية، وينطوي على استمرار في الغاية والمسمى، فإن هذا الوجود لن يكون بقاء بأي معنى معقول.
ولم يتناول بقاء الشخصية بعد الموت، بيان يرضى الناس – على اختلاف درجاتهم الثقافية، ومستوياتهم الاجتماعية– إلا الأديان، فهي التي بينت للناس أن الموت ليس نهاية لهم، وإنما هو انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، أو من عالم دنيوي إلى عالم آخر، يختلف في قوانينه وأحكامه عن هذا العالم الذي يعيشون فيه، ولسوف يستمرون في الحياة بعد الموت، بوصفهم أفراداً متميزين، وستكون لهم آمال وأفعال كريمة، مشابهة إلى حد بعيد لما كان لهم وهم أحياء في هذه الدنيا.
ذلك أن ما يشاهد على مسرح الحياة الدنيا من سلوك الناس المتباين، والمتضاد في تطبيق مبدأ الجزاء والعقاب، يحمل الإنسان على الاعتقاد اعتقاداً جازماً، بأنه لابد من حياة أخرى، يكون ميزان العدل فيها غير خاضع لهوى، ولا متأثر باتجاهات طبقية أو عرقية، ولا واقع تحت إزاء الجاه والسلطان، ولا ميال إلى زخرفة الحياة الدنيا ومتعها، من تحصيل المال، والاستمتاع بالشهوات والملذات، لأنه لو خلت حياته من هذا الأمل، لأصيب بإحباط قاتل، ويأس مدمر، وقنوط يشل حركته عن الإسهام في دفع عجلة التطور والتقدم. وما ذاك إلا لأنه يرى أمام عينيه صباحاً ومساءً عذاباً يُصَبّ فوق رءوس الأخيار، ونعيماً يرفرف في أرجائه الأشرار والقتلة، ومصاصو الدماء. ويشاهد كل يوم عقاباً ينزل بالأبرياء، ونياشين وأوسمة تعلق على صدور من ارتكبوا أبشع الجرائم وأفظعها في حق الأفراد والجماعات، ويدرك بأحاسيسه المتعددة أن كثيراً من الناس يحصلون على الأموال الطائلة بطرق غير مشروعة، دون أن يبذلوا أدنى جهد، بينما يكتوى آخرون بنار المعاناة في سبيل الحصول على ما يسدون به رمقهم.
فلو لم توجد حياة أخرى تُرَدّ فيها الحقوق إلى أصحابها، ويعاقب فيها كل من ظلم، أو جار على حق أخيه، ويثاب فيها كل من قدّم خيراً لمحتاج، لخيَّمت الكآبة على هذه الحياة، ولأصبحت أشبه بغابة: يفترس فيها القوى الضعيف، دون أن يردعه خوف من سلطان العدل الإلهي.
فالإيمان بأن كل إنسان سيحاسب بعد الموت على ما قدم في هذه الحياة، يساعد على استقرار الحياة في المجتمع، ويضفى ثوب الاطمئنان على نفوس الأفراد، عندما يدركون أن من عمل خيراً فجزاؤه خير، ومن اقترف إثماً فسيعاقبه الله، إن عاجلاً أو آجلاً فيما بعد الموت، يقول الله تعالى:
ﭐﱡﭐ        [ البقرة: ٨١ – ٨٢ ]
  ويقول:
ﱡﭐ     ﲿ [ الجاثية: ٢١]
وليس لمن ينكر الحياة بعد الموت دليل على رأيه، وإنما إنكاره مبنى على ظن، والظن لا يمكن أن يستند عليه رأي، ولا يجوز الالتفات إلى اتجاه يتخذ الظن دليلاً له، خاصة إذا ترتب عليه ضرر بالفرد والحياة الاجتماعية.
وقد بينا أن الإيمان بالحياة بعد الموت ضروري ولازم للفرد والمجتمع، فمن ينكره فإنه ينكر أمراً حيوياً لاستمرار الحياة، ولهذا لا يقام لهذا المُنْكِر وزن. ومما يزيده ضعفاً، أنه لا يعتمد إلا على الظن، الذي لا يصلح أساساً للاتجاهات الفكرية التي تمثل جانباً هاماً في حياة الناس، وصدق الله إذ يقول:
ﱡﭐ     [الجاثية: ٢٤]
ومن يستدل على إنكاره الحياة بعد الموت، باستحالة عودة الأجسام إلى حالتها الأولى، بعد أن تتحلل في التراب، فقد نسى قدرة من أنشأها أولاً من العدم، يقول الله تعالى فيمن جاء إلى النبي e - وفى يده بعض العظام – يسأله عما إذا كان من الممكن أن يحيى الله العظام بعد ما وصلت إلى هذه الحالة : ﱡﭐ        [ يس: ٧٨ - ٧٩ ]
أما من يؤمن بتناسخ الأرواح، بمعنى أن من يموت تحل روحه في مولود جديد، فلا يستطيع بناء على هذا الاعتقاد أن يفسر لنا ظاهرة ازدياد عدد السكان في العالم، لأنه إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فلا يمكن أن يزيد عدد السكان، إذ أن كل إنسان يموت، تحل روحه في إنسان يولد، فمن أين تأتى الزيادة؟
فهذا دليل واضح على بطلان هذه العقيدة، وتأكيد على أن الله هو الذى يزيد في خلقه ما يشاء، وقد أخبرنا على لسان نبيه e  أن من مات سيبعث بعد الموت، ليثاب من عمل صالحاً، ويعاقب من ارتكب إثماً، يقول الله تعالى:   ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲿ          [ المجادلة: ٦ ] 

( 27 )

العقائد الدينية في أحوال
الميت في قبره

اتفقت معظم الأديان على مبدأ الجزاء بعد الموت، فمن يعمل صالحاً في هذه الحياة، سيجازى بعد موته، ومن يعمل شراً، سيعاقب بحسب ما ارتكب من سيئات وأخطاء، غير أنها اختلفت في صور الثواب والعقاب ومكانهما.
فالأديان التي ليس من مبادئها الاعتراف بحياة أخرى غير هذه الحياة الدنيوية، تصور الثواب والعقاب تصويراً مرئياً، أي أنه يقع في هذه الحياة الدنيوية، فالبراهمانية والبوذية وغيرهما من الأديان التي تقول بتناسخ الأرواح، أي بانتقال روح الميت إلى مولود جديد، ترى أن الصالح ستحل روحه في طفل تكون حياته سهلة، ووضعه في سلم الحياة الاجتماعية أرقى من الوضع التي كانت فيه. 
أما من ارتكب الخطايا فستحل روحه في جسم أقل درجة من الجسم الذي ارتكب هذه الخطايا، وتصنيف الدرجة يأتي بحسب نوع الخطايا التي ارتكبها، وكميتها، ودرجتها. ولا شك أن هذه العقيدة بهذا المفهوم في فلسفة العقاب، تهمل الجسد، فلا يقع العقاب عليه، وإنما يقع على الروح فقط، وهذا يتنافى مع العدل، إذ أن الجسد قد استمتع أيضاً مع الروح في الحياة، فلابد أن يناله جزء من الثواب والعقاب. ومن المعروف أن العقيدة التي تخالف هذا المبدأ البديهي نكون قد تجنبت طريق الصواب.
كذلك من الأديان – كاليهودية – من أغفل ذكر ما بعد الموت، فالدارس للكتب الإسرائيلية يرى أنها لم تذكر شيئاً عن البعث واليوم الآخر، بل إن الكتاب المقدس نفسه يَعُدّ الحياة الدنيا وحدها عالم الإنسان، وليس هناك اعتقاد بعد ذلك في بعث وجنة ونار، وهذا تحريف لرسالة الله، الذي أخبرنا بأن هناك بعثاً، وجنة، وناراً، وحياة بعد الموت.  
فليس في هذه الأديان – التي أهملت ذكر ما بعد الموت من حياة أخروية – ذكر لأحوال الميت في قبره، إذ أنها لا تعترف بها ضمناً، غير أن من الطبيعي، وطبقاً لمفهوم العدل أن يكون هناك جزاء لما قدمه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ولا يكون الجزاء كامل الصورة، إلا إذا وقع على كلا العنصرين اللذين يتكون منهما الإنسان، وهما: الروح والجسد، وهذا هو ما أخبرنا به القرآن الكريم، فقال الله تعالى:
ﱡﭐ     [ الحج: ٦ – ٧ ]
فالبعث حق، لأن الله أخبرنا به ، وهو تحقيق لعدل الله ، لأن الحياة مليئة بالأشرار الذين يسلبون حق الأخيار ، ويفلتون من عقاب الدنيا ، فليس من العدل أن يُتْرَكوا بدون  عقاب .
وطبقاً لمفهوم العقاب في الإسلام، فالميت في قبره بمثابة المحجوز للفصل في أمره، وبالتعبير القانوني: هو محجوز على ذمة التحقيق، ومن الطبيعي أن تختلف أحوال المحجوزين، فمن عمل صالحاً، يفسح له في قبره، ومن عمل سوءاً يضيق عليه في قبره، فقد روى عن أم بشر، أنها قالت: دخل علىّ رسول الله e  وهو يقول: " تعوذوا بالله من عذاب القبر"، فقلت: يا رسول الله! أَوَ للقبر عذاب؟ قال: " إنهم يعذبون في القبر عذاباً تسمعه البهائم ".
أما إذا كان صالحاً فيوسع له في قبره، ويبقى في جو من الراحة، حتى يبعث يوم القيامة، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله e  قال: " إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، فيرحب له قبره سبعين ذراعاً، وينور له كالقمر ليلة البدر "، وروي: " القبر أول منزلة من منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج، فما بعده أشد".
فكل من مات، وهو مستحق للثواب أو العقاب، ناله نصيب منه، قُبِرَ أو لم يُقْبَر؛ فلو أكلته السباع، أو أُحْرِق، أو أُغْرِق في البحر، وصل إلى بدنه من الثواب والعقاب ما يصل إلى الميت الذي دفن في قبر، تحقيقاً لمبدأ العدل الإلهي.

*    *    *

( 28 )

الصلة بين الأحياء
 والأموات

لا يشك أحد من الناس – سواء أكان ملحداً أو متديناً – في وقوع الموت، لأنه ظاهرة عامة يراها الناس جميعاً كل يوم، غير أن ما بعد الموت هو المسألة التي اختلفوا فيها، فالملحدون يرون أنه نهاية الإنسان، فلا حياة بعد الموت، ويعبر القرآن الكريم عن رأيهم مبيناً أنه لا يقوم على أساس علمي، بقوله تعالى:
ﱡﭐ    [ الجاثية: ٢٤]
فأحوال الميت بعد انتقاله من هذه الحياة المشاهدة مجهولة للأحياء، فليس لديهم أي دليل يؤدى بهم إلى معرفة ما يحدث له بعد انتقاله من هذه الحياة الدنيوية، إلا ما أخبرنا به الوحي، لأن الله استأثر بعلم هذا الجانب، فلم يعط للإنسان القدرة على كشفه، وإنما أخبره بشيء عنه عن طريق الوحي الذي أنزله على رسله، ومن بين ما جاء في هذا المجال، إمكانية وجود صلة بين الأموات والأحياء.
من الملاحظ أنه لا توجد صلة عضوية بين الميت والحي، وما يوجد من ظواهر الصلات الروحية التي تأتي للأحياء على هيئة رؤى يرونها وهم نائمون، فليس هناك ما يبين لنا حقيقة هذه الظاهرة. وعليه، فلا يمكن إنكارها إنكاراً باتاً، كما أنه ليس لدينا أدلة واضحة على ثبوتها، فقد تكون حقيقة، وقد تكون أعراضاً نفسية تظهر في صورة أحلام، ولهذا ينبغي على المسلم أن يؤمن بوجودها كما هي، أي لا يحاول تفسيرها على أنها نوع من الصلة بين الحي والميت، لأن هناك من الآيات ما ينفى الصلة بينهما، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ      [ المؤمنون: ٩٩ – ١٠٠]  
فقد قال المفسرون: إن البرزخ هو الحاجز ما بين الدنيا والآخرة، وما ورد عن النبي e  أنه قال: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ". فلا يفيد وجود صلة عضوية، أو روحية بين الميت والحي، وإنما هو بيان لاستمرارية ثواب ما غرس الميت في حياته من أعمال صالحة، فمن أوقف شيئاً، كأرض، أو عقار، أو غير ذلك مما يدر ربحاً مستمراً على أي وجه من وجوه الخير، كالفقراء والمساكين، أو على جانب من الجوانب الاجتماعية في الدولة، فعمله مستمر، وثوابه متصل، مادام هذا المنبع يفيض على أهل الحاجة، ولا يتوقف الثواب بعد موته، بل تُكتَب له الحسنات حتى بعد مماته.
كذلك من ترك إنتاجاً علمياً ينتفع به الناس، يستمر حصوله على الثواب مدة دوام هذا العلم بين الناس، وانتفاعهم به، كما أنه يستفيد أيضاً من عمل ابنه الصالح، لأن حسن تربيته لابنه يعتبر غرساً صالحاً له، فطالما بقى الابن على قيد الحياة، ودعا له يتقبل الله منه هذا الدعاء، فالصلة التي يتحدث عنها الحديث ليست صلة عضوية، ولا روحية بين الميت والحي، وإنما هي بيان أن عمله الصالح يعود عليه بالنفع حتى بعد مماته.
وما يشاع بين الناس من أن الميت جاءه في المنام، وأمره بفعل شيء ما، أو تركه، أو أنه غاضب عليه، لأنه تصرف على هذا النحو أو ذاك، فليس هناك دليل من القرآن أو السنة على صحة هذه الصلة بين الأحياء والأموات، وأبسط ما يقال فيها:
إنها ترجمة لما يدور في العقل الباطن، لمن رأى هذا الحلم، فلا يُعَوَّل عليه كدليل يعتمد عليه في ثبوت مثل هذه الصلة.

*   *   *
( 29 )

البعث

تحتل كلمة العدل مكانة سامية لدى الناس جميعاً، على اختلاف مستوياتهم الحضارية، وتباين مكانتهم الاجتماعية، وتباعد درجاتهم الثقافية، إذ عندما تُذْكَر كلمة " العدل " في أي نزاع، أو خصومة، نجد إجماعاً من المتخاصمين على الرضوخ لما يحقق العدل والعدالة بينهم، فلا يستطيع الاعتراض على مبدأ تطبيق كل ما من شأنه أن يحقق العدل بينهم.
غير أن أسلوب وطريقة الفصل في المنازعات لا تحقق العدل في كل الأحوال، كذلك قد تُطْمَس معالم العدل بين الناس، فلا يجد المظلوم من يأخذ له حقه من الظالم، ولا توجد الوسائل والإجراءات التي تحد من غلواء من يستغل الناس ويسلبهم حقوقهم، ولهذا كان من حكمة الله أن أعطى الناس مهلة في هذه الحياة الدنيا، ليفعلوا ما يشاؤون بمحض إرادتهم، ثم يبعثهم بعد الموت، ليحاسب كلٌّ على ما قدمت يداه،
يقول الله تعالى:
ﱡﭐ       [ فاطر: 45 ]
فالإيمان بالبعث بعد الموت ضرورة اقتضتها حكمة الله لتحقيق العدل بين الناس ، فمن قدم خيراً ، فجزاؤه خير ، ومن فعل غير ذلك ، عوقب على ما قدمه في الدنيا ، فهو ركن من أركان الإيمان ، من كفر به ، فليس مسلماً ، يقول الله تعالى :
ﱡﭐ        [ البقرة: ١٧٧]
فمن لم يؤمن بالبعث، فقد ضل سواء السبيل، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ        ﱿ    [ النساء: ١٣٦]
وسوف يلقى الله I  بمن يكفر بالبعث في النار، لما روى أن رجلاً من كفار قريش أتى النبي e  بعظام ، وقال له : يا محمد ! أترى الله يحيى هذا بعد ما رمّ؟ فقال له رسول الله  e : " نعم ، ويبعثك ، ويدخلك النار ".
ثم نزل قوله تعالى:
ﱡﭐ       [ يس: ٧٨ – ٧٩]
فثبوت قدرة الله على الخلق ابتداءً، دليل على إمكانية إعادة الخلق، لأن الإعادة أقرب إلى التحقيق من الخلق ابتداءً، ويضاف إلى هذا الدليل، أن الإنسان يحب العدل ويكره الظلم.
ومما لاشك فيه أن الخالق أكمل من المخلوق، فعدل الله أكمل من عدل الإنسان، فإن كان عدل الإنسان يأبى التسوية بين الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والمطيع والعاصي .....
فمما لا شك فيه أن العدل الإلهي من باب أولى يأبى التسوية بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، يقول الله تعالى:
  ﱡﭐ       [ ص: ٢٧ – ٢٨]


*    *     *
( 30 )

الحساب

من المبادئ الأساسية، التي تقوم عليها الأديان، عقيدة الحساب، أي أن كل إنسان سيحاسب على ما قدم في حياته، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، غير أنها اختلفت في كيفية المجازاة والعقاب، فبعضها يرى أن ذلك سيكون في الدنيا، في صورة حياة أخرى للروح بعد فناء الجسد، يتحدد على أساسها عقابها أو ثوابها، والبعض الآخر جعل الجزاء في الدنيا في صورة قحط وهلاك لمن عصى الله، ورغد في العيش، وعزة في ظل دولة قوية لمن أطاعه واتبع تعاليمه.
أما الإسلام، فقد بين للناس أن هناك يوماً للحساب، سيكون بعد أن يحشر الناس من قبورهم، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ   ﲽﲾ ﲿ         [يس: ٥١ – ٥٤ ]
فالإيمان باليوم الآخر شرط أساسي في صحة الإسلام، إذ الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وهو يوم القيامة، حيث تعود الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس من قبورهم حفاة عراة، وتنصب الموازين لتوزن بها أعمال العباد، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ     [ المؤمنون: ١٠٢ – ١٠٣]
وفى يوم الحساب تنشر الدواوين، وهى الصحف التي كتبت فيها أعمال العباد، أي الكتب التي كتبتها الملائكة، وأحصوا فيها ما فعله الإنسان من سائر أعماله القولية والفعلية، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ   [ التكوير: ١٠]
أي إذا الصحف التي فيها أعمال العباد، نشرت للحساب، فيأخذ كلٌّ كتابه أو صحيفته، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ     ﱿ    [ الانشقاق: ٧ – ١٢]
وروى أحمد والترمذي عن أبى موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله e : " يعرض الناس ثلاث عرضات ، فعرضتا جدال ومعاذير ، وعرضة تطاير الصحف ، فمن أوتى كتابه بيمينه ، وحوسب حساباً يسيراً دخل الجنة ، ومن أوتى كتابه بشماله دخل    النار ".
وعليه فيجب الإيمان بالبعث، والنشر من القبور، كما يجب الإيمان بيوم الحساب، وهو اليوم الذى تعرض فيه أعمال العباد على الله، فيتقرر مصير كلٍّ بناءً على ما قدم في الدنيا، فإن كان قد فعل خيراً، أخذ كتابه بيمينه، ودخل الجنة، وإن كان قد فعل شراً أخذ كتابه بشماله ودخل النار.
ومن أنكر شيئاً من هذا فهو كافر، لأنه أنكر أمراً ثبت بنص القرآن الكريم، فقد جاءت آيات كثيرة تثبت وجود اليوم الآخر والحساب فيه، فمنها قوله تعالى:
ﱡﭐ          ( والمراد بطائره : ما طار عنه من عمله من خير وشر فهو يلزم به ويجازى عليه )         [ الإسراء: ١٣ – ١٤]  
وقد أقسم الله بهذا اليوم، فقال تعالى:      ﱡﭐ [ القيامة: ١]
وأخبرنا بما يجرى فيه، فقال : ﱡﭐ   [ القيامة : ١٣]
وقال:ﱡﭐ (وهي يوم الحساب)            [ الحج: ١ – ٢]


*   *   *





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...