إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

24,167

الجمعة، 1 مايو 2020

الفطرة واعقيدة


الفطرة والعقيدة
 _________________________________________________________


الفطرة والتوحيد

يتردد على ألسنة الناس كثير من الصفات الإنسانية، التي لا يعرف أحد حقيقتها، ولا يدرك معناها على وجه الدقة، مثل: النفس، والروح، والفطرة، وغير ذلك من الصفات التي كثرت الآراء حول شرحها، سواء كان ذلك: في مجال الفلسفة والأبحاث النظرية، أم تعداها إلى مجال البيولوجيا ومعامل التجربة والاختبار.
وعليه فقد تعددت تصوراتها في ذهن الناس تعدداً، يكاد يكون متناقضاً، غير أن المرء مطالب إزاء كثرة الشروح المتشابهة حيناً، أو المتناقضة أحياناً، بأن يركن إلى أكثر المصادر ثقة، وأقربها إلى حقيقة الأشياء وكنهها، وأغزرها معرفة بأسرار الكون وحقائق الوجود. بل واجب عليه أن يتلمس معناها ممن تخصصوا في هذا المجال، أو ممن لهم صلة بمن يوثق به ثقةً لا تتزعزع ولا يعتريها شك، أو يخالطها ريب يهز الثقة في هذا المصدر، أو يمحو ما أُثِرَ عنه في مجال الفكر من عصمة، أو على الأقل من بعد عن الوقوع في الخطأ بعداً يكاد يكون من المستحيل طيه.
فإذا أردنا معرفة كنه الفطرة في الإنسان وحقيقتها، وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه أمام مصدرين، يمكن الركون إليهما في فهمها، والكشف عن ماهيتها:

الأول: الفلاسفة:

لأن طبيعة عملهم في مجال البحث عن حقيقة الأشياء، أضفت على نتائج أبحاثهم ثوباً يعكس في معظم الأحوال صورة الحقيقة، ويوحى لمن يطلع عليها إحساساً بأنهم لم يخطئوا في تصورهم لحقيقة الأشياء وكنهها، وإن جانبهم الصواب في بعض الحالات فإن أبحاثهم لا زالت تحتل الصدارة في قائمة تصنيف المعلومات طبقاً لموافقتها للواقع.

الثاني: الأنبياء:

لأنهم يبلغون وحي الله، ومعروف أن الوحي حين يخبر بحقيقة شيء ما، فإنه يكون مطابقاً للواقع تمام المطابقة، وما يشاهد من آراء متعددة في مجال الفكر الديني، فليس إلا مظهراً لاختلاف مفاهيم العلماء لنص الوحي.
غير أننا لا نجد في مجال تفسير كلمة "الفطرة" اختلافاً كبيراً بين مفهوم الفلاسفة لها، وبين ما أخبر به الوحي عنها، فالفلاسفة يرون أن الفطرة: هي أن الطفل يكون عند ولادته صفحةً بيضاء خاليةً من كل أثر وصورة، ثم لا يلبث أن تتوارد على حواسه آثار منبعثة من الأشياء الخارجية، فتنطبع صورتها في لوحة الذهن، كما تنطبع صورة الخاتم على قطعة الشمع.
فهذا المعنى لا يختلف كثيراً عما جاء في حديث رسول الله e ، حيث يقول: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، إما شاكراً وإما كفوراً" ، وفى رواية أخرى : "فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ."
وهذا هو المعنى الذي توصل إليه الفلاسفة من أن الطفل يولد صفحةً بيضاء ثم يتشكل حسب ما تمليه عليه بيئته.
ويمكن أن يقال: إن الله خلق الطفل على طبيعة الحق، التي هي: لا إله إلا الله، أي أن فطرته تميل إلى التوحيد، لأن خالقه واحد، ومن غير المعقول أن يخلقه على هيئة بعيدة عن توحيده I ، فالفطرة على هذا المعنى : هي التوحيد، فالطفل يُخْلَق موحداً ربه ، وإنما يطرأ الشرك عليه من المجتمع الذى ينشأ فيه. ومما يؤيد هذا قول الله تعالى: ﱡﭐ       [ الروم: ٣٠  ]
ولا يبعد هذا المعنى عن قولهم: " إن الطفل يولد صفحةً بيضاء "، لأن هذا تعبير عن معنى الخير في الإنسان، والدين الحنيف هو الخير كله.
توحيد الله

يؤمن الإنسان العادي – مثله في ذلك مثل العالم-بأن له وجوداً، وبأن للكون حوله، بما فيه من تبات وحيوان وجماد وجوداً أيضاً، فإذا آمنا بوجود الكون، فلا بد أن نؤمن – منطقيًّا -بإله لهذا الكون؛ إذ لا معنى لأن نؤمن بالمخلوق ونرفض وجود خالقه، ونحن لا نعلم شيئاً جاء إلى الوجود من العدم، دون أن يكون له خالق، فكل شيء مهما بلغ حجمه – عظم أو صغر، جل أو دق – وراءه علة، فكيف نسلم بأن كوناً عظيماً – مثل كوننا – جاء إلى الوجود ذاتيًّا دون خالق.
اهتدى الإنسان بفطرته إلى هذه الحقيقة، فاعتقد بوجود الله، غير أنه ضل الطريق في تجديد كنه الإله، وصورته، فكان منهم من عبد الأشجار والأحجار والكواكب، لأنه اعتقد أن روح القوة التي تسيطر على العالم قد حلت فيها، ومنهم من اعتقد بوجود آلهة متعددة، فصوَّر القوى المسيطرة على الكون بآلهة، يسيطر كل إله على جانب من جوانب الكون، فهذا إله المطر، وذاك إله الريح، وثالث إله النبات ..و....و......إلخ . كما وُجِدَ من اتخذ التثليث عقيدة له، فآمن بأن القوة المسيطرة على العالم عبارة عن أب، وابن، وروح قدس.
فأرسل الله رسله ليصححوا للناس عقيدة التوحيد، فكانت دعوتهم الأولى لقومهم أن اعبدوا الله وحده لا شريك له، فقال نوح u لقومه: ﱡﭐ     [ الأعراف: ٥٩ ] ، وقال هود u لقومه: ﭐﱡﭐ      [ الأعراف: ٦٥ ] ، وكذلك قال صالح ، وشعيب ، وغيرهما من الأنبياء نفس المقالة ، فكل رسول طلب من قومه الإقلاع عن عبادة غير الله ، والاتجاه إلى عبادة الله وحده I ، يقول تعالى: ﱡﭐ       ﱿ  [ النحل: ٣٦ ]
كما أخبر رسوله محمداً e بأنه أوحى إلى كل رسول أنه لا إله إلا هو ، حيث يقول : ﭐﱡﭐ   [ الأنبياء: ٢٥] ، ولهذا كان أول ما يُكَلَّف به العبد هو شهادة أن لا إله إلا الله ، أي لا معبود سواه ، هو الله الذى لا إله إلا هو ، فلا عبادة لصنم أو حجر أو شجر، ولا خضوع لسحاب أو شمس أو قمر ، ولا شريك له من ابن أو ند أو روح قدس ، فهو الواحد الأحد الذى لا نظير له ، ولا وزير ، ولا ند ، ولا شبيه ، ولا عديل ، فهو السيد الذى كمل في سؤدده ، والشريف الذى كمل في شرفه ، والعظيم الذى كمل في عظمته ، والحكيم الذى كمل في حكمته ، وهو الذى كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، هو الله I ، ليس له كفء ، وليس كمثله شيء ، سبحانه هو الواحد القهار : ﱡﭐ   [ الإخلاص: ١ - ٤ ]   
وتتضمن شهادة التوحيد الاعتراف – عن اقتناع – بأن الله واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وبأنه هو الذي خلق هذا الكون كله، فيعلم كل صغيرة وكبيرة فيه. فهو المستحق للعبادة، فينبغي على المؤمن أن يتوجه إليه بالدعاء، وأن يخصه وحده بالتعظيم والإكبار، فلا يسأل غيره، ولا يقدس سواه ﭐﱡﭐ      
[ الحشر: ٢٣ ] ﱡﭐ     ﱿ     [ الرعد: ١٦]. وقد دعا الأنبياء أقوامهم إلى توحيد الله، وتبرؤوا مما أصر عليه المعاندون من عبادة غير الله، أو إشراك أحد معه في الألوهية، فقال إبراهيم لقومه: ﱡﭐ   ﱿ  [ الزخرف: ٢٦ - ٢٧ ] ، وقال: ﭐﱡﭐ       [ الأنعام: ٧٨ - ٧٩ ]
فعلينا أن تقتدى بإمام الأنبياء إبراهيم u، فنقطع كل صلة تربطنا بمن يشرك بالله ، يقول تعالى : ﱡﭐ          ﲿ  [ الممتحنة: ٤  ] .
فيجب على كل إنسان الإيمان بأن الله واحد، ليس كمثله شيء، فهو الأول والآخر، أي قديم في ذاته وصفاته، فلم يحدث له اسم من أسمائه ولا صفة من صفاته، بل الذات بما لها من أسماء وصفات قديمة لا أول لها.
وقد خاض العلماء في مسألة الصفات واختلفوا فيها، غير أن المقام يقتضينا أن نذكر فقط ما توصلوا إليه من أن هناك فرقاً بين ما سموه صفات الذات، وصفات الفعل، فكل صفة يوصف بها الله تعالى، ولا يوصف بضدها، فهي صفة ذاتية كالعلم والحياة والكلام. وكل هذه الصفات قديمة. أما صفة الفعل، فهي التي يوصف الله تعالى بضدها كالخلق والرزق، وقد اعتبرها أبو حنيفة قديمة وباقية أيضاً.
والصفات الذاتية – وتسمى أيضاً بالصفات المعنوية – سبع، وهي: الحياة، والقدرة، والعلم، والكلام، والسمع، والبصر، والإرادة. أما صفات الفعل فلا حصر لعددها. وصفات الذات قديمة وباقية، أي أن الله مع صفاته وأسمائه كلها أزلي لا مبدأ له، وأبدى لانهاية له، لأنه لو حدثت له صفة من صفاته، أو زالت عنه لكان قبل حدوث تلك الصفة، وبعد زوالها ناقصاً، وهذا محال، فهو لم يزل عالماً بعلمه الذي هو صفته الأزلية، وقادراً بقدرته الأزلية، ومتكلماً بكلامه الذاتي، والكلام صفة الأزل، وهكذا في كل صفاته الذاتية.
وينبغي ألا ندعو الله إلا بأسمائه الحسنى، يقول تعالى: ﭐﱡﭐ   [ الأعراف: ١٨٠ ] ، وهى كما وردت في الصحيحين تسعة وتسعون اسماً. غير أن بعض العلماء يرى أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في هذا العدد، بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود t ، عن رسول الله e أنه قال: " ما أصاب أحد قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك بن أمتك، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيّ حكمك ، عدل فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه ، وأبدل مكانه فرحاً . " وجمع بعضهم من الكتاب والسنة ألف اسم لله I .
كما ينبغي أن نصفه بكل صفات الكمال، وننزهه عن كل وصف يلحق به نقص، أو يوهم تشبيهه بشيء، إذ أنه ليس كمثله شيء، وما ورد من صفات له يوصف بها الإنسان كاليد والوجه وغيرهما، فيجب أن يحمل في حق الله على المجاز، حتى يكون توحيده خالصاً لا يشوبه شائبة، أو تشبيه، وقانا الله من الوقوع في ذلك، إنه سميع مجيب.

القرآن والفطرة

تعارف الناس في مجالات الصناعة والآلات على أن لكل شيء طريقة خاصة في تشغيله والاستفادة منه على الوجه الأكمل، لأن كل آلة صنعت لتؤدي مهمة معينة، فلا بد أن تُسْتَعْمَل بطريقة خاصة لتؤدي هذه المهمة، فإذا أخطأ الإنسان في تشغيلها أصابها العطب، وقد يؤدى هذا إلى هلاكها.
وبنسب الجهل إلى من يستعملها استعمالاً سيئاً في حالة عدم علمه بطبيعتها، كما يُرْمَى بسوء النية، أو عدم القدرة على حسن التصرف – وأحياناً بالميل إلى التخريف – إذا كانت له خبرة بالتعامل مع هذه الآلات، ومع ذلك يضع فيها مواد غير مناسبة بقصد تخريبها أو إتلافها.
ولاشك أن التعامل على هذا النحو مع الآلة يُعَد نقصاً في الإنسان المتعامل معها، بل إنه – أحياناً – يجلب له الاحتقار والاستهزاء، كما أن أكثر الناس قدرة على تشغيل الآلة هو مَنْ صنعها، لأنه عالم بجزئياتها، فهو يعرف سر تشغيلها مما يجعله يستطيع أن يفرق بين ما هو صالح لها، وبين ما يؤثر عليها تأثيراً سيئاً، ويميز بين ما يدفعها إلى التشغيل بطريقة لا تضرها، وبين ما فيه هلاكها وخرابها. فهذه قضية يسلم بها كل من يتمتع بذرة من التفكير من بين بنى الإنسان، فإذا أدركنا هذا جيداً، فيجب ألا يخالجنا أدنى شك في أن القرآن الكريم نزل موافقاً لطبيعة الإنسان وفطرته؛ ذلك أن الله هو الذى خلق الإنسان، فهو عليم بطبيعته، خبير بما يناسبه من قوانين وتشريعات، وإلا لحقه – تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً – النقص الذى يلحق الإنسان الذى يجهل حقيقة الآلة، فيستعملها استعمالاً فيه هلاكها.
ومحال أن يكون الله جاهلاً بما يتفق وفطرة الإنسان ، وعليه فإن كل ما جاء في القرآن الكريم يتفق مع هذه الفطرة، لأن تشريعاته تحمل من المرونة ، واليسر ما يجعلها صالحة لفطرة الناس جميعاً ، رغم ما بين الجماعات البشرية من اختلاف في الألوان والأجناس ، وتعدد في الظروف والبيئات ، فما فيه من أحكام تتفق وطبيعة الإنسان الفكرية ، يؤكد أنه من العليم  الخبير ، الذى يعرف فطرة الناس ، وما ركب فيها من اختلاف في المناهج والمشارب ، فهي صالحة لكل المستويات الفكرية ، فلا تقتصر –  فيما وراء العقيدة الأصلية وأصول التشريع – على لون واحد من التفكير ، أو منهج واحد من التشريع ، لأن صياغتها جاءت على نحو يتسع ليشمل جميع الثقافات الصحيحة ، والحضارات النافعة ، التي يتفق عليها العقل البشرى في صلاح البشرية وتقدمها ، مهما ارتقى العقل ، ونمت الحياة ، فلم تكن تعاليم القرآن الكريم حجر عثرة في طريق تقدم البشرية ، بل على العكس من ذلك ، كانت باعثة على التقدم والبحث والتفكير فيما حول الإنسان ، وتلك فطر الله التي فطر الناس عليها ، وهى فطرة التفكير والبحث والاستقصاء لما حوله من مظاهر الكون . سئل أعرابي: لماذا آمنت بمحمد؟ فقال: ما رأيت محمداً يقول في أمر: افعل، والعقل يقول: لا تفعل! وما رأيت محمداً يقول في أمر: لا تفعل، والعقل يقول: افعل!
وكيف لا يكون كذلك، وهو يتلقى الوحى ممن يعلم طبيعة الإنسان، ويدرك ماهيته وفطرته، يقول تعالى: ﭐﱡﭐ   [ ق: ١٦ ]

حتمية العقيدة في الحياة

تحتاج المجتمعات البشرية إلى عناصر أساسية تقوم عليها حياتها ، ويستقيم بها  أمرها ، وترتكز عليها عجلة الزمن ، وحركة التاريخ في دورانها ، فإذا غاب عنصر ما من هذه العناصر اختل التوازن  في المجتمع ، واضطربت أمور المعيشة ، فلا يجد الفرد مأمناً يركن   إليه ، ولا مستقبلاً يسعى له ، ولا هوية يُعْرَف بها ، فتنقطع الروابط الاجتماعية ، وتتلاشى الصلات الإنسانية ، فيصبح الأفراد في المجتمع وحدات مستقلة بعضها عن بعض ، لا يشعر أحد بأيّ صلة تُقَرِّبه من الآخر ، ولا يحس بأدنى شعور يجذبه إلى أخيه الإنسان في المجتمع ، الذى يضمهم بين جنباته ، لأن عنصر التوحيد والتجميع قد فُقِد ، فلا أثر له بينهم ، إذ لا وجود له في حياتهم .
ومن أولى هذه العناصر التي هي عصب الحياة الاجتماعية ، والعمود الفقري الذى يجمع شتات الأمة ، ويوحد بين أفرادها : العقيدة ، فهي أهم العناصر اللازمة في حياة المجتمعات والأفراد ، إذ حياة الفرد بدون عقيدة أقرب إلى الحيوانية منها إلى الإنسانية ، لأنها تنحصر فيما يملأ البطن ، ويلبى غريزة الجنس ، ولهذا مال الإنسان بفطرته إلى العقيدة ، فآمن بقوة تفوق كل ما يقع تحت حواسه من قوى ، وتعلو فوق كل ما يتصوره خياله من صور تتمتع بالسيطرة والتحكم فيما حولها ، غير أنه عندما حاول تمييز معالمها ، وتحديد أبعادها ، عجز فكره ، وكَلَّ عقله ، فهوى إلى التجسيم الحسى ، والتصور المادي ، الذى قاده إلى عبادة الأوثان والأصنام ، وتقديس كل ما يظن أنه مصدر خير ، رغبة فيه ، أو شر ، اتقاءً له ، سواء كان ذلك ظواهر طبيعية ، أو شكلاً من الأشكال الحيوانية والنباتية ، وأحياناً كتلة من الجماد ، ظن أن بها سرًّا يمكن أن ينال منه خيراً ، أو يتقى به شرًّا .
جاء الأنبياء برسالات السماء ، ليصححوا هذا التخبط ، الذى وقع فيه الإنسان في رحلة البحث عن المعبود ، ونجحوا – بعد جدال ومحاورة مع أقوامهم – في تربية الكثير من معاصريهم تربية دينية ، بحيث أصبح تصورهم للمعبود تصوراً صحيحاً ، وعبادتهم له خالية من شوائب الشرك ، ورواسب الكفر والضلال ، غير أنهم ما لبثوا – بعد رحيل الأنبياء عنهم – أن ضلوا عن الطريق المستقيم ، فدخل الشرك في عقيدتهم ، وتغلغلت الصور الزائفة في عبادتهم ، فطمست معالم العقيدة التي بلغها الأنبياء لآبائهم وأجدادهم ، وانمحت صور الإيمان من حياة المجتمع ، فأصبحت العقيدة تصورات شتى عن المعبود : وثنى ومجوسي ، كافر بالله ، ومشرك معه إله   غيره ، زنديق وملحد ...... إلى أن جاء محمد e بالرسالة الخاتمة ، فبين للناس بطلان هذه الصور كلها ، حيث أعلن لهم أن ما يعبدون من أوثان ، يتنافى مع أبسط ما يتصوره عقل ؛ إذ لو أمعن الإنسان النظر فيما يعبد ، لرآه عاجزاً لا يدفع عن نفسه ضرًّا ، ولا يملك لنفسه نفعاً ، وصدق الله إذ يقول على لسان إبراهيم  u  لقومه : ﱡﭐ          [ الأنبياء: ٥٢ - ٥٤ ]   
وضح لنا مما سبق ضرورة العقيدة بالنسبة للمجتمع والأفراد، وتخبط الإنسان في البحث عنها، وتصحيح الأنبياء لما وقعت فيه البشرية في مجال المعبود والعبادة، ثم الضلال الذى وقع فيه الإنسان إلى أن جاء محمد e بخاتم الرسالات، فواجه كل صور الضلال ، مبيناً ما فيها من  فساد ، كما بين إبراهيم  u لقومه ما هم فيه من ضلال ، حيث كانوا يعبدون أصناماً لا تضر ولا تنفع .
وبعد حوار إبراهيم مع قومه عمد إلى أصنامهم فكسرها ، وحين سألوه عما إذا كان قد فعل بآلهتهم ما يرونه من إهانة وإذلال ، قال في معرض إجابته لهم :  ﱡﭐ        [ الأنبياء: ٦٦ - ٦٧  ]  ، فكان هذا أبلغ حجة في توجيه الناس إلى التفكير فيما يعبدون ، لأن من شأن المعبود أن يحمى العابد ، فإذا كان عاجزاً عن حماية نفسه ، فهو أشد عجزاً في مجال حماية من يتوجه إليه بالعبادة .
وفى مجال وقوع الإنسان في عبادة الظواهر الطبيعية يحكى القرآن الكريم حواراً بين إبراهيم  u وبين قومه، فيقول: ﱡﭐ       ﱿ       [ الأنعام: ٧٦ - ٧٩] 
وفى معرض المحاورة مع عبدة الأصنام من أهل مكة يقول: ﱡﭐ           [ الحج: ٧٣ - ٧٤ ]  
ويقول :  ﭐﱡﭐ     [ الفرقان: ٣ ] 
أما من أشرك بالله، أو رفع إنساناً إلى مرتبة الألوهية، فقد وجه إليهم حديثه متمثلاً في خطابه للنصارى، لأنهم اشتهروا في هذا الجانب، فقال تعالى: ﭐﱡﭐ           [ المائدة: ١٧ ]
وقال: ﱡﭐ ﱿ     [ المائدة: ٧٣ ]  
ومن هذا يتبين أن القرآن الكريم واجه كل صور الباطل التي شاعت في المجتمعات البشرية بأسلوب يخاطب العقل ، فيوجهه إلى التفكير فيما يعبد ، فإن كان متغيراً عدل عن عبادته ، لأن المعبود لا يتغير ، وإن كان لا يرد عن نفسه ضرًّا، ولا يملك لنفسه نفعاً ، فيجب على كل عاقل أن يكف عن عبادته ، لأنه إذا لم يقدم لنفسه نفعاً ، ولا يستطيع أن يدفع عنها ضرًّا ، فكيف لو استغاث به العابد في محنته ، أو سأله العون في مسيرته في الحياة ، فمن المسلم به على سبيل القطع أنه لن يسمع استغاثته ، ولن يتحرك عند طلب معونة منه ، ولهذا يجب على كل عاقل أن يقلع عن التوجه إلى مثل هذا فيعبده ، لأنه لا ينفعه ولا يضره ، ويتوجه إلى من خلق السموات والأرض ، ومن شق الأرض ، فأنبت فيها النبات الطيب ، ومن هو قريب منه ، يجيب دعوته ، ويدفع عنه ما يؤلمه ، يقول  تعالى : ﱡﭐ    ﲿ     [البقرة: ١٨٦ ]
فالعقيدة الإسلامية ترتكز على أسس عدة، أولاها: الإيمان بالله ربًّا واحداً لا شريك له، ولا ولد، ولا والد: ﱡﭐ     [الإخلاص: - ٤ ]

أركان العقيد

ترتكز الأبنية والهياكل المادية على قواعد ثابتة راسخة، ضاربة في أعماق الأرض؛ إذ بدونها لا يرتفع بناء، ولا يستقر شكل على هيئة واحدة أكثر من لحظات، فكلما كانت القواعد مثبتة، ارتفع البناء وثبت مكانه، لا تزعزعه العواصف، ولا تهزه الأعاصير، بل ولا ينال منه طول الزمن، وتقلبات الأحداث، حتى النظام الكوني لا يخرج عن هذه القاعدة، فهو ثابت بقواعده، مستقر بأركانه التي جعلها الله رواسي له، يقول تعالى: ﱡﭐ   [النحل: ١٥ ]
فإذا تركنا الجانب المادي، لنلقى نظرة على الجانب المعنوي، أدركنا أن الصورة لا تختلف، فكل نظام فكرى لابد له من أسس يقوم عليها، وإلا كان صورة من الخيال الذى لا مضمون لها، ونوعاً من الهيولى الفلسفية، التي يعجز الدارسون عن فهمها، فكلما كانت أسس النظام الفكري واضحة، ظهر أثرها جليًّا في حياة من يتخذونه أساساً لحياتهم، وكذلك الحال إذا كان مرتبطاً بالعقيدة، بل إن ما يرتبط بالعقيدة يكون أشد رسوخاً وأقوى ثباتاً في ضمير وكيان الأفراد والمجتمعات.
فالعقيدة -بوجه عام – لها سلطان على الفرد، كما أنها بمثابة العقل، الذي يكبح جماح الأمة، فيمنعها من الزلل، أو السقوط في متاهات الهلاك والدمار. والإسلام – بوجه خاص – يحتل مكان الصدارة في مجال توحيد الإنسان، وفى ساحة تقويم المجتمعات البشرية؛ إذ هو يقوم على قواعد أصلية، راسخة رسوخ الجبال، وواضحة وضوح الشمس في يوم خالٍ من الغيوم والسحب. وأولى هذه القواعد: وحدة المعبود، أي الاعتقاد بأن الله واحد لا شريك له.
وثانيها، أو بتعبير آخر: الركن الثاني من العقيدة الإسلامية هو: تصديق محمد r ، أي الإيمان بأنه رسول من الله، بعثه إلى الناس ليبلغهم شرعه وأحكام دينه، يقول الله تعالى:      ﱡﭐ   ﲿ      [النساء: ١٧٠ ]
وقال تعالى: ﱡﭐ            [الأعراف: ١٥٨ ]
فالإيمان بأن محمداً هو رسول الله، بعثه إلى الناس كافة هو الركن الثاني من العقيدة الإسلامية، فمن لم يؤمن بذلك لا يكون مسلماً، ولهذا كان النطق بالشهادتين هو أول ما يطالب به من يريد اعتناق الإسلام ديناً، أي من يريد الدخول في الإسلام، إذ جاء في الحديث أن جبريل حين سأل الرسول r عن الإسلام أجابه قائلاً : " أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله "
وعليه فمن يريد الدخول في الإسلام، عليه أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وبذلك يكون مسلماً، قد خطا الخطوة الأولى في ساحة الإسلام، ثم يسأل بعدها عما يراد منه في دائرة العقيدة. وسوف نشرح ذلك في الفقرات التالية، حيث نتناول بيان بقية أركان العقيدة الإسلامية.
بينا في الفقرتين السابقتين أن الإسلام يقوم أساساً على الاعتراف بوحدانية الله والتصديق بأن محمداً رسول ، أرسله الله إلى الناس كافة ، ويقتضى هذا التصديق الإيمان بوحى الله ، الذى أنزله على نبيه محمداً r ، وهو المتمثل في القرآن الكريم ، فمن أنكر حرفاً واحداً منه لا يكون  مسلماً ، فعلى من يشرح الله صدره للإسلام ، فيشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول  الله ، أن يؤمن ويصدق بأن الله أنزل وحياً على محمد ، وهو القرآن الكريم المحفوظ بين دفتيه ، يبدأ بفاتحة الكتاب ، وينتهى بسورة الناس ، ومجموعه مائة وأربع عشرة سورة ، يشتمل على العقائد والعبادات ، والمعاملات، وكذا التشريعات القضائية  والأخلاق .
وما دام المسلم مطالباً بالإيمان بما اشتمل عليه القرآن الكريم من عقائد، فقد لزم الإيمان بكل ما نزل فيه عن الرسالات السابقة، لأن الإيمان بالرسل السابقين وبالكتب التي نزلت عليهم، هو ركن أساسي من أركان العقيدة الإسلامية، يقول الله تعالى: ﱡﭐ       [البقرة: ٢٨٥ ]
فالمسلم مكلف بالإيمان بكل الرسل السابقين الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، فمن أنكر واحداً منهم لا يكون مسلماً، يقول الله تعالى: ﭐﱡﭐ        ﱿ         [ النساء: ١٣٦ ]
كذلك يجب الإيمان بالغيبيات التي أخبر بها القرآن الكريم، ومنها: الإيمان بوجود الملائكة، لقوله تعالى: ﱡﭐ      [ البقرة: ٢٨٥ ]
فمن لم يؤمن بوجود الملائكة فهو كافر، لأنه أنكر نصًّا من نصوص القرآن الكريم، غير أن العلماء اختلفوا في طبيعتهم، فذهب الجمهور إلى أنهم مخلوقون من النور، اعتماداً على حديث ورد في صحيح مسلم، وفى مسند الإمام أحمد بن حنبل، وذهب آخرون إلى أن النور لا يمكن أن يجسد، لأنه أثر للنار، وعليه فالملائكة مخلوقة من النار، واعتمدوا في ذلك على قوله تعالى:ﱡﭐ    الحجر: ٢٧] ، فقالوا : إن الله خلق طبيعتين : الإنسان من الطين ، والجان من النار ، وفسروا الجان بأنه : ما جن ، أي  استتر ولما كانت الملائكة مستترة ،لا تُرَى بالعين فهي من الجان. ولكن لم يلق هذا الرأي قبولاً بين المسلمين، وظل الرأي السائد: أن الله خلق الملائكة من نور، كما خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار. والجان: هم الجن الذين ذكرهم الله في كتابه بقوله تعالى: ﱡﭐ     الجن: ١ - ٢ ] ، ولا يعقل أن يكون هؤلاء ملائكة ، لآن الملائكة مفطورون على العبادة فلا يحتاجون إلى رسالة .
وعليه فيجب الإيمان بالطبيعة الثالثة، وهم الملائكة الذين خلقهم الله من نور، كما يجب الإيمان بأن الله فضل بعضهم على بعض، فجعل منهم ملائكة مقربين، وهم: جبريل، وهو الموكل بإبلاغ الوحى إلى الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: ﱡﭐ   [الشعراء: ١٩٣ ]
وميكائيل ، فقد ذُكِرَ في قوله تعالى: ﭐﱡﭐ   البقرة: ٩٨ ] ، وإسرافيل ، وهو الموكل بالنفخ في الصور يوم القيامة , كما يحب الإيمان بمالك خازن النار ، لقوله تعالى :  ﱡﭐ الزخرف: ٧٧] ، وخازن الجنة ، وقيل : إن اسمه رضوان ، كما يجب الإيمان بخزنة النار ، لقوله تعالى : ﱡﭐ      المدثر: ٣٠ - ٣١ ] وبالحفظة ، لقوله تعالى :ﱡﭐ      [الأنعام: ٦١ ] ،  وقوله : ﭐﱡﭐ     [الرعد: ١١ ]، والكتبة ، لقوله تعالى : ﱡﭐ   [الانفطار: ١٠ - ١١ ]
وجملة القول: أنه يجب الإيمان بمن ورد اسمهم من الملائكة في القرآن الكريم، كما يجب الإيمان بأن هناك ملائكة آخرين، لحمل العرش، وقبض الأرواح وغيرهم.
والدليل على وجود الملائكة، ووجوب الإيمان بهم ذكرهم في آيات عديدة في القرآن الكريم، وأمر الله المؤمنين بأن يصدقوا بوجودهم جملة وتفصيلاً، فمن يكفر بهم، فقد تنكب الطريق المستقيم، يقول الله تعالى: ﱡﭐ        ﱿ   [النساء: ١٣٦ ]
كذلك ورد الإخبار بهم في أحاديث رسول الله r ، منها ما رواه مسلم أن النبي r كان يقول في دعائه ، عندما يقوم  لصلاة الليل : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا يختلفون فيه ، اهدني لما أختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم . "، وقوله: " أطت السماء وحق لها أن   تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد ."
أضف إلى ذلك أن العقل لا يحيل وجود الملائكة، خاصة وأن لهم آثاراً تدل على وجودهم، ومن هذه الآثار:
1.                 وصول الوحى إلى الأنبياء والمرسلين، إذ كان – غالباً – ما يصلهم بواسطة الروح الأمين، جبريل u، وهو الملك الموكل بالوحى .
2.                 وفاة الناس بقبض أرواحهم، فإنه أثر ظاهر، كذلك هو دال على وجود ملك الموت وأعوانه، يقول تعالى: ﭐﱡﭐ      [السجدة: ١١]
وأخيراً: إجماع الناس على أن عدم رؤية الشيء لضعف البصر، أو لفقد إمكانية الرؤية، لا ينفى وجوده، فهناك الكثير من الأشياء المادية لم تُرَ إلا بعد اختراع المنظار، فكذلك عدم رؤية الملائكة لا ينفى وجودها، لأنه ليس لدينا من الإمكانات ما يساعدنا على رؤيتها، وما دام الوحي قد أخبرنا بوجودها فيجب الإيمان بها.
وخلاصة ما سبق بيانه مما يجب الاعتقاد به في الإسلام: وحدانية الله، والتصديق بأن محمداً رسول، أرسله الله بالوحي، وهو القرآن الكريم، ويقتضي التصديق بالقرآن الإيمان بكل ما ورد فيه من الرسل السابقين وكتبهم، والإيمان أيضاً بالملائكة، لأن الله أخبرنا بوجودهم في القرآن الكريم.
كما أخبر الله I رسوله محمداً r بأنه قد أعد يوماً يحاسب فيه الناس على ما قدموا من أعمال في حياتهم الدنيوية، فمن عمل صالحاً فله جزاء الحسنى ، ومن عمل شراً فسوف يعاقب على ما اقترف من سيئات في حق نفسه، وحق غيره من أفراد المجتمع الذى عاش  فيه ، ولهذا يجب على المسلم الإيمان بيوم الحساب ، الذى سيكون بعد أن يُحْشَر الناس من قبورهم ، يقول تعالى : ﱡﭐ   ﲽﲾ ﲿ         [ يس: ٥١ – ٥٤ ]
فالإيمان باليوم الآخر من أركان العقيدة في الإسلام فمن لم يؤمن به فإسلامه ليس صحيحاً، إذ ورد في القرآن الكريم ما يفيد بان الإيمان هو: أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. فالاعتقاد بأن هناك يوماً سيحاسب فيه الناس على أعمالهم ركن أساسي من أركان الإسلام، فيجب الاعتقاد بأن الأرواح ستعود إلى الأجساد، فيقوم الناس من قبورهم حفاة، عراة، وتنصب الموازين، لتوزن بها أعمال العباد، يقول الله تعالى: ﱡﭐ     [المؤمنون: ١٠٢ - ١٠٣ ]
 ومن أخبار هذا اليوم أن الله يأمر بأن تُنْشَر الصحف التي سُجِّلَت فيها أعمال العباد، قال تعالى: ﭧﭐﱡﭐ    [ التكوير: ١٠]  ، أي إذا الصحف التي كتبت فيها أعمال العباد نُشِرَت للحساب ، فيأخذ كلٌّ كتابه ، أو صحيفته ، يقول الله تعالى :   ﱡﭐ     ﱿ   [الانشقاق: ٧ – ١٢]
وروى أحمد والترمذي عن أبى موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله e: " يعرض الناس ثلاث عرضات، فعرضتا جدال ومعاذير ، وعرضة تطاير الصحف ، فمن أوتى كتابه بيمينه وحوسب حساباً يسيراً، دخل الجنة ، ومن أوتى كتابه بشماله دخل النار ."
وعليه فيجب الإيمان بالبعث، والنشر من القبور، كما يجب الإيمان بيوم الحساب، وهو اليوم الذي تعرض فيه أعمال العباد على الله، فيتقرر مصير كلٍّ بناء على ما قدم في الدنيا، فإن كان قد فعل خيراً، أخذ كتابه بيمينه، ودخل الجنة، وإن كان قد فعل شراً أخذ كتابه بشماله ودخل النار.
ومن أنكر شيئاً من هذا فهو كافر، لأنه أنكر أمراً ثبت بنص القرآن الكريم، فقد جاءت آيات كثيرة تثبت وجود اليوم الآخر، والحساب فيه، منها قوله تعالى: ﱡﭐ      (والمراد بالطائر : ما طار عنه من عمله من خير وشر فهو ملزم به ، ويجازى  عليه ) ﭐﱡﭐ        [ الإسراء : 13-14 ]
وقد أقسم الله بهذا اليوم، فقال: ﱡﭐ [القيامة : 1 ]
وأخبرنا بما يجرى فيه، فقال: ﱡﭐ   [القيامة: 13] ، وقال : ﱡﭐ               [ الحج : 1 – 2 ]
ويتضمن اعتقاد المسلم بيوم القيامة ، حيث يكون الحساب على ما قدم من أعمال في الحياة الدنيا ، التصديق بوجود الجنة والنار ، وهذا التصديق واجب بمقتضى الإيمان بما جاء به الرسل ؛ إذ من بين ما جاءوا به من عند الله ، وأمروا بتبليغه أن الله أعد للمتقين جنات   نعيم ، وللعصاة نار الجحيم ، وذلك تحقيقاً للعدالة في مجال الثواب والعقاب، فقال تعالى : ﱡﭐ      [ آل عمران : 133] ، ويقول مخبراً عما أعده للعصاة : ﱡﭐ   [ آل عمران : 12 ] ، ويقول: ﱡﭐ         ﲿ   [ النبأ : 21 – 30 ]
وقد وردت في القرآن الكريم عدة أسماء للجنة، منها: دار السلام ، يقول تعالى:  ﱡﭐ      [ الأنعام : 127] ، ويقول : ﱡﭐ      [ يونس : 25 ]، وأطلق عليها دار الخلد ، لأن نعيمها باقٍ لا يفنى ، يقول تعالى: ﭐﱡﭐ [ ص : 54 ] ، ويقول: ﱡﭐ       [ الرعد : 35 ] ، ويقول :  ﱡﭐ ﲿ   [ الحجر : 48 ] ، كما اشتهرت باسم  الفردوس ، أو دار المقامة ، يقول تعالى : ﱡﭐ ﱿ  [المؤمنون : 11] ، ويقول : ﱡﭐ     ﱿ     [ فاطر : 33 -35 ] .
كذلك أطلق على النار أسماء عدة، منها: سقر، يقول تعالى: ﱡﭐ   [ القمر : 48 ] ، ويقول : ﱡﭐ     [المدثر : 26 – 30 ] .
كما أطلق عليها السعير، يقول تعالى: ﱡﭐ   [ فاطر: ٦ ] ، ويقول : ﭐﱡﭐ ﱿ     [ الشورى: ٧ ] ، كذلك اشتهرت بالنار، وجهنم ، والجحيم وغيرها من الأسماء التي لا يتسع المقام لحصرها كلها .
وقد اختلف العلماء في خلق الجنة والنار قبل يوم القيامة، فأنكره جماعة من المعتزلة، زاعمين أنه لا فائدة من خلقها قبل يوم الثواب والعقاب، وحملوا قوله تعالى: "أعدت للمتقين." على أنه من باب التعبير عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه.
وذهب أهل السنة إلى أن الجنة موجودة مخلوقة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:      ﱡﭐ   [آل عمران: ١٦٩ ]
فقد روى أن ابن مسعود سأل عن هذه الآية، فقيل له: إنه لما أصاب إخوانكم في أحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد في أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل في ظل العرش. كذلك روى عن أبى هريرة أن النبي e قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وأغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين." فهذه وغيرها من الآيات والأحاديث تثبت وجود الجنة والنار الآن.
غير أن بعض العلماء سئل عن ذلك، فقال: " السكوت عن هذا أفضل " وهذا جواب سديد في هذا المقام، لأن ذلك من الغيبيات التي لا يستطيع العقل البشرى أن يبحث فيها، بل عليه أن يسلم بالنص كما هو، دون أن يحاول شرحه، أو التعليق عليه، لأن ذلك فوق طاقته.

مركز العقيدة

اقتضت طبيعة الأشياء أن يكون هناك عنصر يمثل المركز الرئيسي فيها، بحيث لو غاب عن الوجود، فقدت باقي العناصر قيمتها، فالقلب هو مركز حياة الإنسان، فلو توقف توقفت معه الحياة. والعقل مركز التفكير، فلو عجز عنه، اختل سلوك الإنسان واضطربت تصرفاته. كذلك الحال في عالم الأفلاك، فكل مجموعة سيارة لها مركز تدور حوله، وترتبط به بروابط تحفظ التوازن بين الأفلاك الدائرة حوله، فلو انقطعت هذه الروابط، انهارت المجموعة كلها، وتلاشت في الجو.

فما هو يا ترى مركز العقيدة الإسلامية؟

تمثل كلمة التوحيد العنصر الرئيسي في الإسلام، فإذا لم توجد في عقل وقلب الإنسان لا يكون مسلماً، ولو عمل بكل ما جاء في الإسلام من أوامر ووصايا، واجتنب كل ما نهى عنه في القرآن الكريم. فكلمة التوحيد، وهي قول:" لا إله إلا الله، محمد رسول الله " هي الأساس الذى يعلو فوقه البناء الإسلامي– في ضمير الفرد والأمة وسلوكهما – المتمثل في أداء العبادات، والالتزام بكل ما نهى الله عنه في كتابه، وعبر عنه رسول الله e في الأحاديث الصحيحة . فمن لم ينطق بها لا يعتبر في نظر المجتمع الإسلامي مسلماً، بل هو كافر، ينبغي على المجتمع أن يعامله معاملة غير المسلمين، ومن لم يصدق بها في قلبه، لا يقبل الله منه عملاً – وإن عامله المجتمع معاملة المسلم باعتبار أنه نطق بكلمة التوحيد بلسانه فقط، أي ظاهراً -، ولا يعتبر عند الله من الناجين من عذابه الذى أعده لمن كفر به، أو أشرك معه إلهاً غيره.
فأول ما يطلب من الإنسان الذى يرغب في اعتناق الإسلام ديناً له، أن يصدق بقلبه بأن الله واحد، ويشهد بأن محمداً هو رسول الله، أرسله ليبلغ الوحى للناس، ويأمرهم باتباع ما جاء به من أوامر، واجتناب ما نزل به من نَوَاهٍ، ثم ينطق بكلمة التوحيد، وهو التلفظ بها عن اقتناع، أي يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله "، وبذلك يكون قد دخل في دين الإسلام، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم. وكان كلمة التوحيد مركز الصدارة في الإسلام ، لما تحتويه من معانٍ ، جمعت كل القيم الهامة ، التي يجب أن يتحلى بها المسلم ، ويتصرف في المجتمع على أساس ما تدعو إليه ، ذلك أن قول الإنسان : " لا إله إلا   الله " ، هو بمثابة نفى الولاء التام عن أي إنسان في الوجود ، مهما كان مركزه ، وعلى أي وضع كان سلطانه في عالم الأحياء ، وتوجيهه إلى الله وحده ؛ فهو رب الإنسان وخالقه ، والمتصرف تصرفاً مطلقاً في رسم حياته ، وتحديد رزقه ، فإليه يرجع الأمر كله ، لا يصيبه شيء إلا كان قد قدره الله له في الأزل ، ولا ينال شيئاً من متاع الدنيا إلا بإذنه ، وعليه فلا يكون خضوعه إلا له ، ولا يُسْأَل إلا هو ، ولا يُتَوَجَّه بالرجاء إلا إلى خالق الكون ، وموزع الرزق ، وحافظ الإنسان من كل شر ، ومانع عنه كل ضر ، وبذلك يتحقق الولاء الكامل لله I .
فإذا نطق بالجزء الثاني من الشهادة، وهو الاعتراف بأن محمداً رسول الله، فمعنى ذلك أنه مصدق بكل ما جاء به من عند الله، أي أنه ممتثل لما في القرآن الكريم من أوامر ونَوَاهٍ، ويتضمن هذا التصديق بالرسل السابقين، وبكتبهم التي أُنْزِلَت عليهم، كما يتضمن الإيمان بالملائكة، وباليوم الآخر، وما فيه ثواب وعقاب، وبذلك يكون عضواً من أعضاء الأمة الإسلامييقول ة، الله تعالى: ﱡﭐ       [ البقرة: ٢٨٥  ]  
فكلمة التوحيد، أو بتعبير آخر: النطق بالشهادتين يتضمن الاعتراف بأركان العقيدة الإسلامية، وتنفيذ كل ما جاء في القرآن الكريم من عبادات وسلوكيات.
                                  أ. د/ محمد شامة       


أ. د/ محمد شامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...