إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

24,243

الأحد، 27 ديسمبر 2020

 

O

( 2 )

[الجزء الثاني من مقدمة كتابنا : "بين الإسلام والمسيحية"  

نشبت معارك كلامية - بجانب المعارك العسكرية - حول الإسلام والمسيحية وتعاليم كل من الدينين ، وكانت تشتد فى المدن التي يسيطر عليها المسيحيون ، وفيها بعض المسلمون الذين اختاروا البقاء فى الوطن الذى نشأوا فيه فكانت هذه الطائفة هدفاً لهجوم منظم من جانب رجال الدين المسيحى ، طبقاً لخطة وضعت لتنصيرهم ، فكانت تعاليم الإسلام موضوع المحاورات ، والمناقشات التي تدور بين القسس وبينهم .

ومن مظاهر ذلك النقاش الكتاب الذى نقدم له ، فقد اعتاد قسيس من الأسبان ، أن يلقى أسئلة على بعض المسلمين فى مدينة " طليطلة " - بعد سقوطها فى يد النصارى - كى يضعف من عقيدتهم ويخلخل إيمانهم ، ولم يكن هؤلاء المسلمون على قدر من الثقافة الدينية ، تمكنهم من الرد عليه ، ولكن غيرتهم على الدين دفعتهم إلى البحث عمن يستطيع مدهم بإجابة ، تفحم هذا القسيس ، فوجدوا أبا عَبِيدة الخزرجى([1]) وكان شابًّا كثير الإطلاع ، فكان يمدهم بالإجابة التي يردون بها أسئلة القسيس .

أدرك القسيس ذلك ، فكتب إلى أبى عَبِيدة كتاباً ، يدعوه فيه إلى اعتناق المسيحية ، مبيناً له - من وجهة نظره - فضائلها ، ومساوئ الإسلام - كما يدعى - فرد عليه أبو عَبِيدة بكتاب ، رد فيه على مزاعمه ، شارحاً ما حرفوه من دين الله ومن الموضوعات التي دار حولها النقاش :

التثليث عند النصارى .

صلب المسيح .

مشكلة الخطيئة الأولى .

معجزات عيسى u .

معجزات الحواريين .

طبيعة المسيح .

خوارق العادات التي تظهر فى الكنائس .

الشرائع فى التوراة والإنجيل .

الطلاق فى المسيحية .

تعدد الزوجات فى اليهودية ، والمسيحية ، والإسلام .

القتال فى الأديان الثلاثة .

تحريف التوراة والإنجيل .

الجزاء الأخروى فى الأديان الثلاثة .

وأورد أبو عَبِيدة فى رده على القسيس كثيراً من نصوص الكتاب المقدس الذى يقسمه المسيحيون إلى قسمين :

قسم منها : يدعون أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذى كانوا قبل عيسى u  ، والأخر يزعمون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى u ، ومجموع الكتب من القسم الأول يطلقون عليها اسم : العهد القديم ، والقسم الثانى يسمونه : العهد الجديد ، ومجموع القسمين يطلقون عليه :  " بيبل " ، وهو لفظ يونانى بمعنى الكتاب ، وهو الاسم المعروف به الكتاب المقدس فى اللغات اللاتينية .

يضم العهد القديم تسعة وثلاثين كتاباً :

1- سفر التكوين ، ويسمى : سفر الخليقة أيضاً.

 

2- سفر الخروج

3- سفر الأحبار ، ويسمى : سفر اللاويين أيضاً.

 

4- سفر العدد

5- سفر التثنية ، ويسمى : سفر الإستثناء أيضاً.

 

 

ومجموع هذه الكتب الخمسة يسمى بالتوراة ، وهو لفظ عبرانى بمعنى التعليم والشريعة ، وقد يطلق اسم التوراة على مجموع كتب العهد القديم كلها مجازاً .

6- كتاب " يوشع " بن نون

 

7- كتاب القضاة

8- كتاب راعوث

 

9- سفر صموئيل الأول

10- سفر صموئيل الثانى

 

11- سفر الملوك الأول.

12- سفر الملوك الثانى

 

13- السفر الأول من أخبار الأيام.

14- السفر الثانى من أخبار الأيام

 

15- سفر عزرا

16- سفر نحميا

 

17- كتاب أستير

18- كتاب أيوب

 

19- المزامير " الزبور"

20- أمثال سليمان

 

21- كتاب الجامعة

22- كتاب نشيد الإنشاد

 

23- كتاب أشعياء

24- كتاب أرمياء

 

25- مراثى أرمياء

26- كتاب حزقيال

 

27- كتاب دانيال

28- كتابي هوشع.

 

29- كتاب يوئيل

30- كتاب عاموس "أو عاموص "

 

31- كتاب عوبديا

32- كتاب يونان

 

33- كتاب ميخا

34- كتاب ناحوم

 

35- كتاب حبقوق.

36- كتاب صفنيا

 

37- كتاب حجى

38- كتاب زكريا

 

39- كتاب ملاخى

وكان ملاخى النبى ، قبل ميلاد المسيح بنحو أربعمائة وعشرين سنة.

وهذه الكتب كانت مسلمة عند جمهور القدماء المسيحين ، ما عدا كتاب أستير ، والسامريون لا يسلمون منها إلا بسبعة كتب :

الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى u ، وهى المعروفة باسم التوراة ، وكتاب يوشع بن نون ، وكتاب القضاة ، وتخالف نسخة توراتهم نسخة توراة اليهود .

وهناك كتب أخرى لم يعترف بها ، واستبعدت من نسخة العهد القديم الموجودة بين  أيدينا ، وهذه الكتب هى :

1- كتاب باروخ             2- كتاب طوبيا                      3- كتاب يهوديت

4- كتاب وزدم              3- كتاب إيكليزيا ستكيس          6- كتاب المقابيين الأول

7- كتاب المقابيين الثانى.

أما العهد الجديد ، فعشرون كتاباً :

1- إنجيل متى                             2- إنجيل مرقس

3- إنجيل لوقا                             4- إنجيل يوحنَّا

ويقال لهذه الأربعة : الأناجيل ، ولفظ الإنجيل مختص بكتب هؤلاء الأربعة ، وقد يطلق مجازاً على مجموع كتب العهد الجديد ، وهذا اللفظ معرب كان فى الأصل اليونانى " إنكليون " بمعنى البشارة والتعليم ([2])  .

5- كتاب أعمال الرسل " الحواريون "

 

6- رسالة بولس إلى أهل رومية

7- رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس

 

8- رسالته الثانية إليهم

9- رسالته إلى أهل غلاطية

 

10- رسالته إلى أهل أفسس

11- رسالته إلى أهل فليبى

 

12- رسالته إلى أهل كولوسى

13- رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكى

 

14- رسالته الثانية إليهم

15- رسالته الأولى إلى تيموثاوس

 

16- رسالته الثانية إليه

17- رسالته إلى تيطس

 

18- رسالته إلى فليمون

19- رسالته إلى العبرانيين

 

20- رسالة يعقوب

21- رسالة بطرس الأولى

 

22- رسالة بطرس الثانية

23- رسالة يوحنَّا الأولى

 

24- رسالته الثانية

25- رسالته الثالثة

 

رسالة يهوذا

27- رؤيا يوحنَّا([3])

 

 

إعتمدنا فى التحقيق على ثلاث نسخ :

الأولى : مخطوط مكتبة أحمد الثالث ، باستنبول تحت رقم 1863 ، وعدد أوراقها 92 ، بكل ورقة صفحتان وعدد سطور الصفحة 15 ، ومتوسط عدد كلمات السطر سبع ، وهى بخط جيد ، إلا أن بعض كلماتها غير واضحة ، عجزت عن قراءتها ، ولم يسعفنى الإهتداء إليها إلا النسختين الأخريين . وقد حصلنا على نسخة مصورة لها ، من معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة ، وعنوان الكتاب فى هذه المخطوط : " مقامع هامات الصلبان ، ومراتع روضات الإيمان" .

وتاريخ نسخها القرن التاسع الهجرى ، ولم يذكر ناسخها شيئاً عن نفسه ، ولا عن النسخة التي نقل عنها ، بل أضاف تذييلاً بدأه بقوله : قال المراجع : ليعلم كل ذى بصيرة ... الخ وقد رمزنا لها بالحرف " ج ".

الثانية : المخطوطة الموجودة فى المكتبة الأحمدية بتونس تحت رقم 2063 وهى بخط  مغربى ، صعب القراءة ، وتقع فى 26 ورقة ، تضم الورقة صفحتان ، وعدد سطور الصفحة 23 سطراً ، متوسط عدد كلماته تسع كلمات ، وعنوان الكتاب فى هذه المخطوطة :

" كتاب مقامع الصلبان فى الرد على عبدة الأوثان "

غير أنه ذكر فى هامشها أنه سمى أيضاً بروضات الإيمان ، وبهذا يتفق مع نسخة" ج "  وقد ذكر ناسخها اسمه ، وتاريخ النسخ قال :

" انتهت الرسالة المباركة بحمد الله ، وحسن عونه ، وتوفيقه ، وتأييده يوم الأربعاء للسابع والعشرين خلون من ذى الحجة الحرام ، متمم شهور سنة 1280 ، ثمانين ومائتين وألف على يد العبد الفقير ، المقر بالعجز والنقص ، الراجى من مولاه الحليم الستار ، تخفيف الذنوب ،  والأوزار ، عبده وأقل عبيده ، محمد بن عمار ([4])

وقد رمزنا لها بالحرف " ت ".

الثالثة: نسخة طبعت بمصر عام 1316هـ بدون تعليقات ، وهى بعنوان " الفاصل بين الحق والباطل "

ولم تنسب إلى أبى عَبِيدة ، بل ذكر ناشرها تحت العنوان:

يتضمن

" حجة عز الدين المحمدى على حنا مقار العيسوى "

ونصه هو نص النسختين السابقتين ، غير أنه يختلف عنهما فى بعض الأشياء

أولاً: اختلفت مقدمته عن مقدماتها ، إذ جاء فيها :

" إننى فى سنة ألف وثلثمائة من الهجرة ، كنت رأيت كتاباً عربياً طبع ببلاد أوروبا اسمه   " رسائل الكندى " ، يقول طابعه إنه وجد فى أحد المساجد القديمة([5]) وهذا الكتاب يشتمل على رسالتين :

الأولى : من مسلم يدعو صاحبه المسيحى إلى دين الإسلام.

والثانية : رسالة من المسيحى يرد فيها على رسالة المسلم رداً مطولاً .

وبعد إطلاعى على ذلك الكتاب ، وفهم مبادئه وغاياته ، كنت عزمت على أن أرد عليه ، وإن كنت لست من رجال هذا الميدان ، ولكن الصدفة أحياناً تفعل ما لا يفعله القاصد ، فإنى عثرت على كتاب قديم فى أحد المعابد القديمة اسمه : " الفاصل بين الحق والباطل " فأخذته ، وبعد اطلاعى عليه مع التأمل ، أعجبنى ، وأكتفيت به عما كنت عزمت عليه ، لأننى وجدته عكس رسائل الكندى ، أعنى يحتوى على رسالتين :

الأولى : من مسيحى اسمه " حنا مقار " يدعو صاحبه المحمدى واسمه : " عز الدين" إلى النصرانية .

والثانية : من المحمدى يرد فيها على المسيحى رداً شافياً ، ولذلك قد صرفت فراغى فى إصلاح ما أفسده الزمان من ذلك الكتاب ، وتصحيح ما فعله تقادم العهد عليه ، وها أنذا الآن أنشره لإخوانى ذوى العقول من نوع الإنسان على العموم ، ليس فى ذلك غاية ، سوى ما فى الزوايا من الخبايا ، ولكل مقام مقام .

قال عز الدين المحمدى:

" دخلت مصر فى أمر عرض على ، فاتفق اجتماعى " بحنا مقار " وهو أحد مشاهير النصارى ، وأوائل أفاضلها ، فتحدثت معه ، واستحسن حديثى فتصاحب معى ، وتردد إلىّ ، وقصد ترغيبى فى دينه ، فتباحث معى يوماً فى أمر دين النصرانية ، فقلت له بحضرة جماعة من العدول : أنا لا أكلف النصارى إقامة دليل على صحة دينهم ، بل أطالبهم كلهم أن يصوروا دينهم تصويراً يقبله العقل ، فإذا صوروه ، اكتفيت بذلك من غير مطالبتهم بدليل على صحته ، فحاول هو فى نفسه تصوير دينهم فعجز عنه ، فلما عجز ، قال : ما كلفنا بالتصوير ، بل كلفنا السيد المسيح بالإعتقاد ، فلا نلتزم ما لا يلزمنا ، وما ليس من ديننا وجنح إلى القول بالتقليد ، وعدم النظر فيما يصح ويفسد .

" فقلت له : ألاعتقاد لابد فيه من أن تثبت شيئاً لشئ ، أو تنفيه ، فهو مركب من تصورين : تصور المحكوم عليه ، وتصور المحكوم به ، وأنتم على ما قلتم مكلفون بالاعتقاد ومن كلف بمركب كلف بمفرداته ، فمن كلف بالإعتقاد كلف بالتصور ، فأنتم حينئذ مكلفون بالتصور ، فصور لى دينك .

" فانقطع عن الكلام ، ورأى أنه أصيب من مأمنه ، ولزمه السؤال من قوله ، فقال : أمهلنى ثلاثة أيام ، حتى أجتمع على " ابن العسال " - وهو أحد أئمة اللاهوت -  فاستحضر ما يلزم من البراهين القاطعة .

" فذهب ، ولم أره ، ولم يرجع ، ثم بعد ما مضى أكثر من شهر ، أرسل إلىّ كتاباً مطولاً يدعونى فيه إلى النصرانية ، التي عجز عن تصويرها ، فضلاً عن إقامة الدليل عليها ، فقرأته  وتأملته ، فوجدت أن القوم ليس لهم حظ من النظر القديم ولا العقل المستقيم ، بل وجدوا آباءهم على الضلال عاكفين ، فهم على آثارهم يهرعون ، قد غمرهم الجهل ، وغمهم العماء ، فلذلك نويت عدم مخاطبة هؤلاء ومراجعتهم فى الخرافات ، ولكن ألح علىّ بعض الإخوان على مراجعته والرد عليه ، فامتثلت لأمرهم وكتبت هذا الجواب رداً على تلك الرسالة من نصوص كتبهم وسميته.

" الفاصل بين الحق والباطل"

ولما حان وقت سفرى أتممته ، وأرسلته إلى " حنا مقار " ، ومضيت إلى حيث أتيت طالباً من الله أن يجعل هذا الكتاب تنبيهاً للغافلين ، ودليلاً للحائرين ، فيستيقظوا من غفلتهم ، وينظروا إلى هذه المساوئ القبيحة ، والفضائح الفظيعة".

ثم يسير النص مع المخطوطتين السابقتين .

ثانياً: زاد فى كتاب المسيحى ، بعد بيان كيفية الصلاة عند المسيحيين ،أركان الدين المسيحى الخمسة ، وهى : التغطيس ، والإيمان بالتثليث ، والإعتقاد بالالتحام بين أقنوم الإبن وعيسى فى بطن مريم ، والإيمان بالقربان. ثم الإعتراف بالذنوب أمام القسيس ، وهى أمور لم تذكر فى المخطوطتين . ولذا لم نوردها فى  النص ، بل أشرنا إلى مضمونها فى الهامش .

ثالثاً: أضاف زيادات طفيفة فى رسالة أبى عَبِيدة وحذف منها بعض الفقرات وقد أشرنا إلى كل ذلك فى مواضعها .

ولم يذكر الناشر عن نفسه شيئاً ، سوى أنه ليس من أهل هذا الفن ، ولهذا نرى أن من المحتمل أنه عثر على مخطوطة للرسالتين فقط ([6]) ، وليس عليهما ما يدل على كاتبيهما ، فزاد عليهما شيئاً من عنده ، ووضع لكل منهما اسماً يناسبه ، وقدم لهما ، وقد استنتجان هذا الرأى مما يلى :

1- مقدمة المخطوطين أقرب إلى القبول منطقياً وعقلياً من المقدمة التي وضعها ، فالقسيس فى " طليطلة " ينال من الدين الإسلامى ، وهو دين أقلية ، ليس فى يدها سلطة ، فيهرع المسلمون إلى أبى عَبِيدة للرد على هذا الهجوم ، فيمدهم بما يفحم القسيس ، ثم يعلم القسيس ذلك ،فيكتب إليه خطاباً يعرض عليه فيه الدخول فى المسيحية ، وذلك هو هدف المسيحيين فى " طليطلة " ، بعد أن سقطت فى يدهم ، ثم يكتب أبو عَبِيدة ردًّا عليه ويخشى أن يرسله إليه خوفاً على نفسه من أن يبطش به المسيحيون والسلطة فى أيديهم ، فينتظر حتى يحين موعد رحيله ، فيعطيه لمن أوصله إلى القسيس .

تسلسل منطقى ، وعقلى لا غبار عليه ، أما مقدمة ناشر  " الفاصل بين الحق والباطل " فيرد عليها اعتراضات :

(أ) يبدو الانتحال على الإسمين اللذين زعم أنهما كتبا الرسالتين " حنَّا مقار "           و " عزالدين المحمدى " ، إذ أن كلمة " المحمدى " يطلقها الأوربيون على المسلم ، نسبة إلى  محمد ، فى مقابل نسبة المسيحى إلى المسيح ، والمسلمون يرفضون هذه النسبة ، كذلك لم أجد أثراً لهذا الإسم بين علماء الإسلام أضف إلى ذلك أن العلماء والمؤلفين فى تلك العصور ، اعتادوا أن يكتبوا أسماءهم مطولة على مؤلفاتهم ، تصل أحياناً إلى الجد السادس . 

(ب) ذكر فى مقدمته أن عز الدين أفحم "حنَّا " فى مناظرة عامة ، ثم بعد مدة أرسل حنَّا يدعوه إلى اعتناق المسيحية ، ولا يعقل أن يصدر هذا من " حنَّا " لأنه هزم أمامه ، إنما المعقول ، أن يتوارى عنه ، ولا يفاتحه فى مسائل العقيدة إطلاقاً .

كيف يطلب المهزوم من المنتصر أن يعتنق المبادئ التي لم يستطع إقامة الدليل على صحتها ؟ لو انتصر " حنَّا  " فى مناظرته ، لقبلت هذه الرواية !!.

(جـ) لماذا انتظر عز الدين - على فرض صحة هذه الرواية - حتى يحين موعد سفره ثم أرسل رسالته إلى " حنَّا" ؟

أكان يخشى على نفسه من المسيحيين ؟

هذا غير صحيح ، لأن السلطة مصر فى يد المسلمين منذ أن فتحها عمرو ابن العاص حتى الآن ، ولم يخش العلماء فى أى عصر الجهر بآرائهم الدينية ، ما دامت لا تناهض السلطة الحاكمة ، والرد على المسيحى فى هذا الكتاب دينى بحت ، ولا يهاجم السلطة المدنية ، ولا يتعرض لها بنقد إطلاقاً .

ولهذا اعتمدنا - أساساً - على المخطوطتين ، وما زاد عنهما فى نسخة عز الدين ، وضعنا له قوسين معقوفين بينهما فقط ، هكذا [ ... ] ثم ذكرنا الزيادة فى الهامش ، إما نصًّا أو تلخيصاً ، إن كان النص طويلاً ، ولا فائدة من ذكره كله .

والنسخ الثلاث خالية من التبويب ، ومن هنا وضعنا لكل مسألة عنواناً بين قوسين معقوفين  [.....] ، كذلك كل كلمة من عندنا إقتضاها النص .

اعترض القسيس على تعاليم الإسلام فى تسع مسائل ، ذكرناها تحت عنوان الشبه ، فقلنا : الشبهة الأولى ، الشبهة الثانية .. الخ ، وذكرنا رد أبى عَبِيدة ، عليها تحت عنوان : الرد على الشبهة الأولى ، والرد على الشبهة الثانية .. الخ ، وتناولنا فى تعليقنا عليها الجوانب التي لم ترد فى رد أبى عَبِيدة ، ولهذا ينبغى على القارئ أن يقرأ الشبهة ، والتعليق ، ورد أبى عَبِيدة معاً ، ويفعل ذلك أيضاً فى المسائل التي تناولت عقيدة المسيحيين من تثليث ، وصلب .. الخ ، لأن المحافظة على ترتيب النص ، كما هو حالت دون جمع رد أبى عَبِيدة عقب كل شبهة .

وقد رد أبو عَبِيدة على جميع ما أورده القسيس من شبهات كلٍّ على حدة ، إلا الشبهتين الثالثة ، والسادسة : اختلاف حكم رد المطلقة إلى زوجها فى التوراة عنها فى القرآن ، ومسألة طرد إبليس من الجنة التي وردت فى رؤيا " يوحنَّا " ، فقد جاء الرد عليهما ضمناً فى بيان ما فى التوراة والإنجيل من تحريف ، وقد بينا المنبع الذى استقى منه "يوحنَّا " ، ما نسخه من خيال حول مسألة طرد إبليس من الجنة .

 

*    *    *

 



([1]) هو أبو جعفر أحمد بن عبد الصمد بن أبى عَبِيدة ( بفتح العين المهملة ، وكسر الباء الموحدة بعدها ياء مثناة ) ابن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحق الأنصارى الخزرجى الساعدى ( نسبة إلى سعد بن عبادة الصحابى ) ، فقيه أندلسى .

ولد فى قرطبة عام 519هـ ( 1125م) كان مشهوراً فى شبابه بالذكاء والنبل ، حافظاً للحديث ، ملماً بالتواريخ والقصص متيناً فى الأدب .

تذكر المصادر أنه شارك بوجه ما فى الفتن التي انتابت قرطبة فى عامى 39/540هـ ( 45 / 1146م ) وأسر سنة 540هـ ( 1146م )، وبقى أسيراً فى طليطلة إلى سنة 542 هـ ( 1147م ) ، وفى هذه الفترة ألف هذا الكتاب ، وهو ابن اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين سنة .

ولا نعلم شيئاً عنه بعد هذا التاريخ ، سوى أنه عاش حياة متقلبة ، فسكن غرناطة مدة ، وبجاية أخرى ، ثم استوطن مدينة فاس ، وأنه كف بصره فى آخر عمره ، وتوفى بفاس عام 582هـ ( 1187م) وله غير هذا الكتاب:

- " آفاق الشموس وأعلاق النفوس ".

- " نفس الصباح " فى غريب القرآن وناسخه ومنسوخه.

- " حسن المرتفق فى بيان ما عليه المتفق فيما بين الفجر وقبل الشفق".

- " قصد السبيل فى معرفة آيات الرسول ".

- " مقام المدرك فى إفحام المشرك ".

لكن لم يصلنا منها سوى هذا الكتاب الذى نقدم له .

وينسبه البعض إلى قرطبة ، مسقط رأسه ، فيقولون : القرطبى وقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب بهذا الإسم ، فظن الدارسون أنه القرطبى المفسر المتوفى ( 671 هـ - 1273م) ، ولم يعرفوا أن هناك أكثر من عالم ، اشتهر باسم القرطبى :منهم :

القرطبى : البيانى ،المتوفى فى عام 276هـ - 890م ، وهو من أعلام الفقهاء والمحدثين.

والقرطبى : محمد بن أحمد ،المتوفى عام 380هـ - 990م ، وهو قاض محدث.

والقرطبى : عبد الرحمن بن حسن ، المتوفى عام 446هـ - 1054م ،وكان عالماً بالقراءات.

والقرطبى : عبد الوهاب بن محمد ، المتوفى عام 461هـ - 1069م وكان عجباً فى تحرير القراءات.

والقرطبى : ابن عبد البر ، المتوفى عام 463 هـ - 1071م ، وكان من كبار حفاظ الحديث ، مؤرخاً  وأدبياً ، له مؤلفات كثيرة فى مختلف الفنون من تاريخ ، وفقه ، وحديث وغيرها .

والقرطبى : أحمد بن عمر ، المتوفى عام 656هـ - 1258م ، فقيه مالكى ، من رجال الحديث. وغيرهم : لذا حذفت النسب إلى قرطبة من أبى عَبِيدة ، حتى لا يختلط الأمر على القارئ.

([2]) وهذه هى الأناجيل الأربعة التي أعترفت بها الكنيسة ، بعد أن إختارتها من عدد كبير من الأناجيل ، وأصدرت قراراً بإعدام ما عداها ، واتخذت إجراءات صارمة فى تنفيذ هذا القرار ، حتى لم يبق منها سوى إنجيل برنابا.

([3]) شك  المسيحيون فى صحة بعض الكتب العهدين ، ثم اعترفت مجالسهم بها ، ثم عادت بعض الفرق ونقضت هذا الإعتراف ، فقد انعقد مجلس علماء المسيحية فى عهد " قسطنطين " فى بلدة " نائس " عام 325م لبحث مسألة الكتب المشكوك فيها فقروا بعد المشاورة : أن كتاب " يهوديت " واجب التسليم ، وأبقوا سائر الكتب المختلفة مشكوكاً فيها كما كانت . ثم بعد ذلك انعقد مجلس آخر يسمى مجلس " لوديسيا " فى عام 364م ، فأبقى حكم المجلس الأول فى كتاب " يهوديت " على حاله ، وزاد عليه سبعة كتب أخرى ، وجعلها واجبة ، وهى هذه :

1-     كتاب أستير .

2- رسالة يعقوب .

3- الرسالة الثانية لبطرس .

4- الرسالة الثانية ليوحنَّا.

5- الرسالة الثالثة ليوحنَّا .

6- رسالة يهوذا .

7- رسالة بولس إلى العبرانيين .

بقى كتاب مشاهدات " يوحنَّا " فى هذين المجلسين خارجاً مشكوكاً فيه كما كان ، ثم انعقد بعد ذلك مجلس آخر فى عام 397م وكان عدد المجتمعين 127 من العلماء المشهورين ، فأبقوا حكم المجلسين الأولين بحاله ، وزادوا على حكمهما هذه الكتب :

1- كتاب وزدم .

2- كتاب طوبيا .

3- كتاب باورخ .

4- كتاب إيكليزيا ستيكس .

5 ، 6 - كتابا المقابيين.

7- رؤيا يوحنَّا.

لكن أهل المجلس جعلوا كتاب " باروخ " بمنزلة جزء من كتاب " أرميا " لأن " باروخ " كان بمنزلة النائب والخليفة " لأرميا " ، ثم انعقدت بعد ذلك ثلاثة مجالس : مجلس " ترلو " ، ومجلس " فلورنس " ، ومجلس " ترنت " وزعلماء هذا المجلس الأول أبقوا حكم المجلس المنعقد فى عام 397م على حالة ، لكن أهل المجلسين الأخيرين كتبوا اسم كتاب " باروخ " فى فهرست أسماء الكتب على حدة فبعد أنعقاد هذه المجالس ، صارت هذه الكتب المشكوك فيها ، مسلمة بين جمهور المسيحين ، وبقيت هكذا حتى ظهرت فرقة " البروتستانت " فى القرن السادس عشر الميلادى ، فرد علماؤها حكم هؤلاء الأسلاف فى :

كتاب " باروخ " ، وكتاب " طوبيا " ، وكتاب " يهوديت " ، وكتاب " وزدم " ، وكتاب " إيكليزيا  استكس " ، وكتابى المقابيين ، وقالوا : إن هذه الكتب واجبة الرد وغير مسلمة.

(راجع : رحمة الله الهندى جـ1 ص 51 - 55 ).

([4]) هو عالم من أهل تونس ، قدم إلى مصر ، وجعل ناظراً لمسجد أبى الذهب ، وأوقافه ، واتصل بإبراهيم باشا ، فكان يعلم أولاده العربية ، وكان عالماً ذكياً درس فى الأزهر ، وحسنت حاله ، ولما مات إبراهيم باشا نفاه الخديوى عباس ،فذهب إلى الحجاز ، ثم رحل القسطنطينية ،فمات فيها عام 1286 هـ (1869م) .

من كتبه :" تعديل المرقاة وجلاء المرآة - خ " و "حاشية على مرآة الأصول لملا خسرو " .

(الزر كلى - الإعلام )

([5]) ليس من المحتمل أن يكون قصده " رسائل الكندى الفلسفية " التي احتوت على :

- رسالة فى أنه لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات .

- رسالة فى مدخل المنطق .

- رسالة فى المقولات العشر .

- رسالة فى المناظر الفلكية .

- رسالة فى الغذاء والدواء المهلك .

- رسالة فى أن النفس جوهر بسيط .

- رسالة فى ما للنفس ذكره ، وهى فى عالم العقل قبل كونها فى عالم الحس .

- رسالة فى الأخلاق .

لأنه لا يوجد بينها ما أشار ناشر كتاب " الفاصل بين الحق والباطل " من تبادل رسالتين بين مسيحى ومسلم.

أما ما عرف بإسم :" رسالة الهاشى ورد الكندى عليها " ، وهى رسالة عبد الله إسماعيل الهاشمى إلى عبد المسيح بن إسحق الكندى ، يدعوه فيها إلى الإسلام ، ورسالة عبد المسيح إلى الهاشمى ، يرد بها عليه ويدعوه إلى النصرانية ،فقد أثبت البكرى - فى مقال نشر فى العدد الأول من مجلة كلية الآداب سنة 1947م - أنهما رسالتان موضوعتان ، وضعهما السريان فى عصر متأخر ، وزعموا وقوع هذه المساجلة فى عصر المأمون .                        ( الرد الجميل ص 64). 

([6]) يحتمل أن يكون من النسخة التي نسخها التميمى ، ويقوى هذا الإحتمال : أن التميمى كان بمصر فى عهد محمد على ، وكان يدرس فى الأزهر ، فلعل طالباً من طلابه نسخ الرسالتين فقط ، ثم وقعت النسخة فى يد ناشر " الفاصل بين الحق والباطل " الذى حضر إلى مصر بعد موت التميمى بأربعة عشر عاماً فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...