O
( 2 )
نشبت معارك كلامية - بجانب المعارك العسكرية - حول الإسلام
والمسيحية وتعاليم كل من الدينين ، وكانت تشتد فى المدن التي يسيطر عليها
المسيحيون ، وفيها بعض المسلمون الذين اختاروا البقاء فى الوطن الذى نشأوا فيه
فكانت هذه الطائفة هدفاً لهجوم منظم من جانب رجال الدين المسيحى ، طبقاً لخطة وضعت
لتنصيرهم ، فكانت تعاليم الإسلام موضوع المحاورات ، والمناقشات التي تدور بين
القسس وبينهم .
ومن مظاهر ذلك النقاش الكتاب الذى نقدم له ، فقد اعتاد قسيس
من الأسبان ، أن يلقى أسئلة على بعض المسلمين فى مدينة " طليطلة " - بعد
سقوطها فى يد النصارى - كى يضعف من عقيدتهم ويخلخل إيمانهم ، ولم يكن هؤلاء
المسلمون على قدر من الثقافة الدينية ، تمكنهم من الرد عليه ، ولكن غيرتهم على
الدين دفعتهم إلى البحث عمن يستطيع مدهم بإجابة ، تفحم هذا القسيس ، فوجدوا أبا عَبِيدة
الخزرجى([1]) وكان شابًّا كثير الإطلاع ، فكان يمدهم بالإجابة التي يردون
بها أسئلة القسيس .
أدرك القسيس ذلك ، فكتب إلى أبى عَبِيدة كتاباً ، يدعوه فيه
إلى اعتناق المسيحية ، مبيناً له - من وجهة نظره - فضائلها ، ومساوئ الإسلام - كما
يدعى - فرد عليه أبو عَبِيدة بكتاب ، رد فيه على مزاعمه ، شارحاً ما حرفوه من دين
الله ومن الموضوعات التي دار حولها النقاش :
التثليث عند النصارى .
صلب المسيح .
مشكلة الخطيئة الأولى .
معجزات عيسى u .
معجزات الحواريين .
طبيعة المسيح .
خوارق العادات التي
تظهر فى الكنائس .
الشرائع فى التوراة
والإنجيل .
الطلاق فى المسيحية .
تعدد الزوجات فى
اليهودية ، والمسيحية ، والإسلام .
القتال فى الأديان
الثلاثة .
تحريف التوراة
والإنجيل .
الجزاء الأخروى فى
الأديان الثلاثة .
وأورد أبو عَبِيدة فى رده على القسيس كثيراً من نصوص الكتاب
المقدس الذى يقسمه المسيحيون إلى قسمين :
قسم منها : يدعون أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذى كانوا
قبل عيسى u ،
والأخر يزعمون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى u ، ومجموع الكتب من القسم الأول يطلقون عليها اسم : العهد القديم ،
والقسم الثانى يسمونه : العهد الجديد ، ومجموع القسمين يطلقون عليه : " بيبل " ، وهو لفظ يونانى بمعنى
الكتاب ، وهو الاسم المعروف به الكتاب المقدس فى اللغات اللاتينية .
يضم العهد القديم تسعة
وثلاثين كتاباً :
1- سفر التكوين ، ويسمى : سفر الخليقة أيضاً. |
|
2- سفر الخروج |
3- سفر الأحبار ، ويسمى : سفر اللاويين أيضاً. |
|
4- سفر العدد |
5- سفر التثنية ، ويسمى : سفر الإستثناء أيضاً. |
|
|
ومجموع هذه الكتب الخمسة يسمى بالتوراة ، وهو لفظ عبرانى
بمعنى التعليم والشريعة ، وقد يطلق اسم التوراة على مجموع كتب العهد القديم كلها
مجازاً .
6- كتاب " يوشع " بن نون |
|
7- كتاب القضاة |
8- كتاب راعوث |
|
9- سفر صموئيل الأول |
10- سفر صموئيل الثانى |
|
11- سفر الملوك الأول. |
12- سفر الملوك الثانى |
|
13- السفر الأول من أخبار الأيام. |
14- السفر الثانى من أخبار الأيام |
|
15- سفر عزرا |
16- سفر نحميا |
|
17- كتاب أستير |
18- كتاب أيوب |
|
19- المزامير " الزبور" |
20- أمثال سليمان |
|
21- كتاب الجامعة |
22- كتاب نشيد الإنشاد |
|
23- كتاب أشعياء |
24- كتاب أرمياء |
|
25- مراثى أرمياء |
26- كتاب حزقيال |
|
27- كتاب دانيال |
28- كتابي هوشع. |
|
29- كتاب يوئيل |
30- كتاب عاموس "أو عاموص " |
|
31- كتاب عوبديا |
32- كتاب يونان |
|
33- كتاب ميخا |
34- كتاب ناحوم |
|
35- كتاب حبقوق. |
36- كتاب صفنيا |
|
37- كتاب حجى |
38- كتاب زكريا |
|
39- كتاب ملاخى |
وكان ملاخى النبى ، قبل ميلاد المسيح بنحو أربعمائة وعشرين
سنة.
وهذه الكتب كانت مسلمة عند جمهور القدماء المسيحين ، ما عدا
كتاب أستير ، والسامريون لا يسلمون منها إلا بسبعة كتب :
الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى u ، وهى المعروفة باسم
التوراة ، وكتاب يوشع بن نون ، وكتاب القضاة ، وتخالف نسخة توراتهم نسخة توراة
اليهود .
وهناك كتب أخرى لم يعترف بها ، واستبعدت من نسخة العهد القديم
الموجودة بين أيدينا ، وهذه الكتب هى :
1- كتاب باروخ 2-
كتاب طوبيا 3- كتاب يهوديت
4- كتاب وزدم 3- كتاب إيكليزيا ستكيس 6- كتاب المقابيين الأول
7- كتاب المقابيين الثانى.
أما العهد الجديد ،
فعشرون كتاباً :
1- إنجيل متى
2- إنجيل مرقس
3- إنجيل لوقا
4- إنجيل يوحنَّا
ويقال لهذه الأربعة : الأناجيل ، ولفظ الإنجيل مختص بكتب
هؤلاء الأربعة ، وقد يطلق مجازاً على مجموع كتب العهد الجديد ، وهذا اللفظ معرب
كان فى الأصل اليونانى " إنكليون " بمعنى البشارة والتعليم ([2]) .
5- كتاب أعمال الرسل " الحواريون " |
|
6- رسالة بولس إلى أهل رومية |
7- رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس |
|
8- رسالته الثانية إليهم |
9- رسالته إلى أهل غلاطية |
|
10- رسالته إلى أهل أفسس |
11- رسالته إلى أهل فليبى |
|
12- رسالته إلى أهل كولوسى |
13- رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكى |
|
14- رسالته الثانية إليهم |
15- رسالته الأولى إلى تيموثاوس |
|
16- رسالته الثانية إليه |
17- رسالته إلى تيطس |
|
18- رسالته إلى فليمون |
19- رسالته إلى العبرانيين |
|
20- رسالة يعقوب |
21- رسالة بطرس الأولى |
|
22- رسالة بطرس الثانية |
23- رسالة يوحنَّا الأولى |
|
24- رسالته الثانية |
25- رسالته الثالثة |
|
رسالة يهوذا |
27- رؤيا يوحنَّا([3]) |
|
|
إعتمدنا فى التحقيق على ثلاث نسخ :
الأولى : مخطوط مكتبة أحمد الثالث ، باستنبول تحت رقم 1863 ، وعدد
أوراقها 92 ، بكل ورقة صفحتان وعدد سطور الصفحة 15 ، ومتوسط عدد كلمات السطر سبع
، وهى بخط جيد ، إلا أن بعض كلماتها غير واضحة ، عجزت عن قراءتها ، ولم يسعفنى
الإهتداء إليها إلا النسختين الأخريين . وقد حصلنا على نسخة مصورة لها ، من معهد
المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة ، وعنوان الكتاب فى هذه المخطوط : "
مقامع هامات الصلبان ، ومراتع روضات الإيمان" .
وتاريخ
نسخها القرن التاسع الهجرى ، ولم يذكر ناسخها شيئاً عن نفسه ، ولا عن النسخة التي
نقل عنها ، بل أضاف تذييلاً بدأه بقوله : قال المراجع : ليعلم كل ذى بصيرة ... الخ
وقد رمزنا لها بالحرف " ج ".
الثانية : المخطوطة الموجودة فى المكتبة
الأحمدية بتونس تحت رقم 2063 وهى بخط مغربى
، صعب القراءة ، وتقع فى 26 ورقة ، تضم الورقة صفحتان ، وعدد سطور الصفحة 23 سطراً
، متوسط عدد كلماته تسع كلمات ، وعنوان الكتاب فى هذه المخطوطة :
" كتاب مقامع الصلبان فى الرد على
عبدة الأوثان "
غير أنه ذكر فى هامشها أنه سمى أيضاً
بروضات الإيمان ، وبهذا يتفق مع نسخة" ج " وقد ذكر ناسخها اسمه ، وتاريخ النسخ قال :
" انتهت الرسالة المباركة بحمد
الله ، وحسن عونه ، وتوفيقه ، وتأييده يوم الأربعاء للسابع والعشرين خلون من ذى
الحجة الحرام ، متمم شهور سنة 1280 ، ثمانين ومائتين وألف على يد العبد الفقير ،
المقر بالعجز والنقص ، الراجى من مولاه الحليم الستار ، تخفيف الذنوب ، والأوزار ، عبده وأقل عبيده ، محمد بن عمار ([4])
وقد رمزنا لها بالحرف " ت ".
الثالثة: نسخة طبعت بمصر عام 1316هـ
بدون تعليقات ، وهى بعنوان " الفاصل بين الحق والباطل "
ولم تنسب إلى أبى عَبِيدة ، بل ذكر
ناشرها تحت العنوان:
يتضمن
" حجة عز الدين
المحمدى على حنا مقار العيسوى "
ونصه هو نص النسختين السابقتين ، غير
أنه يختلف عنهما فى بعض الأشياء
أولاً: اختلفت مقدمته عن مقدماتها ، إذ
جاء فيها :
" إننى فى سنة ألف وثلثمائة من
الهجرة ، كنت رأيت كتاباً عربياً طبع ببلاد أوروبا اسمه " رسائل الكندى " ، يقول طابعه إنه
وجد فى أحد المساجد القديمة([5])
وهذا الكتاب يشتمل على رسالتين :
الأولى : من مسلم يدعو صاحبه المسيحى
إلى دين الإسلام.
والثانية : رسالة من المسيحى يرد فيها
على رسالة المسلم رداً مطولاً .
وبعد
إطلاعى على ذلك الكتاب ، وفهم مبادئه وغاياته ، كنت عزمت على أن أرد عليه ، وإن
كنت لست من رجال هذا الميدان ، ولكن الصدفة أحياناً تفعل ما لا يفعله القاصد ، فإنى
عثرت على كتاب قديم فى أحد المعابد القديمة اسمه : " الفاصل بين الحق والباطل
" فأخذته ، وبعد اطلاعى عليه مع التأمل ، أعجبنى ، وأكتفيت به عما كنت عزمت
عليه ، لأننى وجدته عكس رسائل الكندى ، أعنى يحتوى على رسالتين :
الأولى : من مسيحى اسمه " حنا مقار
" يدعو صاحبه المحمدى واسمه : " عز الدين" إلى النصرانية .
والثانية : من المحمدى يرد فيها على
المسيحى رداً شافياً ، ولذلك قد صرفت فراغى فى إصلاح ما أفسده الزمان من ذلك
الكتاب ، وتصحيح ما فعله تقادم العهد عليه ، وها أنذا الآن أنشره لإخوانى ذوى
العقول من نوع الإنسان على العموم ، ليس فى ذلك غاية ، سوى ما فى الزوايا من
الخبايا ، ولكل مقام مقام .
قال عز الدين المحمدى:
" دخلت مصر فى أمر عرض على ، فاتفق
اجتماعى " بحنا مقار " وهو أحد مشاهير النصارى ، وأوائل أفاضلها ،
فتحدثت معه ، واستحسن حديثى فتصاحب معى ، وتردد إلىّ ، وقصد ترغيبى فى دينه ،
فتباحث معى يوماً فى أمر دين النصرانية ، فقلت له بحضرة جماعة من العدول : أنا لا
أكلف النصارى إقامة دليل على صحة دينهم ، بل أطالبهم كلهم أن يصوروا دينهم تصويراً
يقبله العقل ، فإذا صوروه ، اكتفيت بذلك من غير مطالبتهم بدليل على صحته ، فحاول
هو فى نفسه تصوير دينهم فعجز عنه ، فلما عجز ، قال : ما كلفنا بالتصوير ، بل كلفنا
السيد المسيح بالإعتقاد ، فلا نلتزم ما لا يلزمنا ، وما ليس من ديننا وجنح إلى
القول بالتقليد ، وعدم النظر فيما يصح ويفسد .
" فقلت له : ألاعتقاد لابد فيه من
أن تثبت شيئاً لشئ ، أو تنفيه ، فهو مركب من تصورين : تصور المحكوم عليه ، وتصور
المحكوم به ، وأنتم على ما قلتم مكلفون بالاعتقاد ومن كلف بمركب كلف بمفرداته ،
فمن كلف بالإعتقاد كلف بالتصور ، فأنتم حينئذ مكلفون بالتصور ، فصور لى دينك .
" فانقطع عن الكلام ، ورأى أنه
أصيب من مأمنه ، ولزمه السؤال من قوله ، فقال : أمهلنى ثلاثة أيام ، حتى أجتمع على
" ابن العسال " - وهو أحد أئمة اللاهوت - فاستحضر ما يلزم من البراهين القاطعة .
" فذهب ، ولم أره ، ولم يرجع ، ثم
بعد ما مضى أكثر من شهر ، أرسل إلىّ كتاباً مطولاً يدعونى فيه إلى النصرانية ،
التي عجز عن تصويرها ، فضلاً عن إقامة الدليل عليها ، فقرأته وتأملته ، فوجدت أن القوم ليس لهم حظ من النظر
القديم ولا العقل المستقيم ، بل وجدوا آباءهم على الضلال عاكفين ، فهم على آثارهم
يهرعون ، قد غمرهم الجهل ، وغمهم العماء ، فلذلك نويت عدم مخاطبة هؤلاء ومراجعتهم
فى الخرافات ، ولكن ألح علىّ بعض الإخوان على مراجعته والرد عليه ، فامتثلت لأمرهم
وكتبت هذا الجواب رداً على تلك الرسالة من نصوص كتبهم وسميته.
" الفاصل بين الحق والباطل"
ولما حان وقت سفرى أتممته ، وأرسلته إلى
" حنا مقار " ، ومضيت إلى حيث أتيت طالباً من الله أن يجعل هذا الكتاب
تنبيهاً للغافلين ، ودليلاً للحائرين ، فيستيقظوا من غفلتهم ، وينظروا إلى هذه
المساوئ القبيحة ، والفضائح الفظيعة".
ثم يسير النص مع المخطوطتين السابقتين .
ثانياً: زاد فى كتاب المسيحى ، بعد بيان
كيفية الصلاة عند المسيحيين ،أركان الدين المسيحى الخمسة ، وهى : التغطيس ، والإيمان
بالتثليث ، والإعتقاد بالالتحام بين أقنوم الإبن وعيسى فى بطن مريم ، والإيمان
بالقربان. ثم الإعتراف بالذنوب أمام القسيس ، وهى أمور لم تذكر فى المخطوطتين . ولذا
لم نوردها فى النص ، بل أشرنا إلى مضمونها
فى الهامش .
ثالثاً: أضاف زيادات طفيفة فى رسالة أبى
عَبِيدة وحذف منها بعض الفقرات وقد أشرنا إلى كل ذلك فى مواضعها .
ولم يذكر الناشر عن نفسه شيئاً ، سوى
أنه ليس من أهل هذا الفن ، ولهذا نرى أن من المحتمل أنه عثر على مخطوطة للرسالتين
فقط ([6])
، وليس عليهما ما يدل على كاتبيهما ، فزاد عليهما شيئاً من عنده ، ووضع لكل منهما
اسماً يناسبه ، وقدم لهما ، وقد استنتجان هذا الرأى مما يلى :
1- مقدمة المخطوطين أقرب إلى القبول
منطقياً وعقلياً من المقدمة التي وضعها ، فالقسيس فى " طليطلة " ينال من
الدين الإسلامى ، وهو دين أقلية ، ليس فى يدها سلطة ، فيهرع المسلمون إلى أبى عَبِيدة
للرد على هذا الهجوم ، فيمدهم بما يفحم القسيس ، ثم يعلم القسيس ذلك ،فيكتب إليه
خطاباً يعرض عليه فيه الدخول فى المسيحية ، وذلك هو هدف المسيحيين فى "
طليطلة " ، بعد أن سقطت فى يدهم ، ثم يكتب أبو عَبِيدة ردًّا عليه ويخشى أن
يرسله إليه خوفاً على نفسه من أن يبطش به المسيحيون والسلطة فى أيديهم ، فينتظر
حتى يحين موعد رحيله ، فيعطيه لمن أوصله إلى القسيس .
تسلسل منطقى ، وعقلى لا غبار عليه ، أما
مقدمة ناشر " الفاصل بين الحق
والباطل " فيرد عليها اعتراضات :
(أ) يبدو الانتحال على الإسمين اللذين
زعم أنهما كتبا الرسالتين " حنَّا مقار " و " عزالدين المحمدى " ، إذ
أن كلمة " المحمدى " يطلقها الأوربيون على المسلم ، نسبة إلى محمد ، فى مقابل نسبة المسيحى إلى المسيح ،
والمسلمون يرفضون هذه النسبة ، كذلك لم أجد أثراً لهذا الإسم بين علماء الإسلام
أضف إلى ذلك أن العلماء والمؤلفين فى تلك العصور ، اعتادوا أن يكتبوا أسماءهم
مطولة على مؤلفاتهم ، تصل أحياناً إلى الجد السادس .
(ب) ذكر فى مقدمته أن عز الدين أفحم
"حنَّا " فى مناظرة عامة ، ثم بعد مدة أرسل حنَّا يدعوه إلى اعتناق
المسيحية ، ولا يعقل أن يصدر هذا من " حنَّا " لأنه هزم أمامه ، إنما
المعقول ، أن يتوارى عنه ، ولا يفاتحه فى مسائل العقيدة إطلاقاً .
كيف يطلب المهزوم من المنتصر أن يعتنق
المبادئ التي لم يستطع إقامة الدليل على صحتها ؟ لو انتصر " حنَّا " فى مناظرته ، لقبلت هذه الرواية !!.
(جـ) لماذا انتظر عز الدين - على فرض
صحة هذه الرواية - حتى يحين موعد سفره ثم أرسل رسالته إلى " حنَّا" ؟
أكان يخشى على نفسه من المسيحيين ؟
هذا غير صحيح ، لأن السلطة مصر فى يد
المسلمين منذ أن فتحها عمرو ابن العاص حتى الآن ، ولم يخش العلماء فى أى عصر الجهر
بآرائهم الدينية ، ما دامت لا تناهض السلطة الحاكمة ، والرد على المسيحى فى هذا
الكتاب دينى بحت ، ولا يهاجم السلطة المدنية ، ولا يتعرض لها بنقد إطلاقاً .
ولهذا اعتمدنا - أساساً - على
المخطوطتين ، وما زاد عنهما فى نسخة عز الدين ، وضعنا له قوسين معقوفين بينهما فقط
، هكذا [ ... ] ثم ذكرنا الزيادة فى الهامش ، إما نصًّا أو تلخيصاً ، إن كان النص
طويلاً ، ولا فائدة من ذكره كله .
والنسخ
الثلاث خالية من التبويب ، ومن هنا وضعنا لكل مسألة عنواناً بين قوسين معقوفين [.....] ، كذلك كل كلمة من عندنا إقتضاها النص .
اعترض القسيس على تعاليم الإسلام فى تسع
مسائل ، ذكرناها تحت عنوان الشبه ، فقلنا : الشبهة الأولى ، الشبهة الثانية .. الخ
، وذكرنا رد أبى عَبِيدة ، عليها تحت عنوان : الرد على الشبهة الأولى ، والرد على
الشبهة الثانية .. الخ ، وتناولنا فى تعليقنا عليها الجوانب التي لم ترد فى رد أبى
عَبِيدة ، ولهذا ينبغى على القارئ أن يقرأ الشبهة ، والتعليق ، ورد أبى عَبِيدة
معاً ، ويفعل ذلك أيضاً فى المسائل التي تناولت عقيدة المسيحيين من تثليث ، وصلب
.. الخ ، لأن المحافظة على ترتيب النص ، كما هو حالت دون جمع رد أبى عَبِيدة عقب
كل شبهة .
وقد رد أبو عَبِيدة على جميع ما أورده
القسيس من شبهات كلٍّ على حدة ، إلا الشبهتين الثالثة ، والسادسة : اختلاف حكم رد
المطلقة إلى زوجها فى التوراة عنها فى القرآن ، ومسألة طرد إبليس من الجنة التي
وردت فى رؤيا " يوحنَّا " ، فقد جاء الرد عليهما ضمناً فى بيان ما فى
التوراة والإنجيل من تحريف ، وقد بينا المنبع الذى استقى منه "يوحنَّا "
، ما نسخه من خيال حول مسألة طرد إبليس من الجنة .
* *
*
([1])
هو أبو جعفر أحمد بن عبد الصمد بن أبى عَبِيدة ( بفتح العين المهملة ، وكسر الباء
الموحدة بعدها ياء مثناة ) ابن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحق الأنصارى
الخزرجى الساعدى ( نسبة إلى سعد بن عبادة الصحابى ) ، فقيه أندلسى .
ولد فى قرطبة عام 519هـ ( 1125م) كان
مشهوراً فى شبابه بالذكاء والنبل ، حافظاً للحديث ، ملماً بالتواريخ والقصص متيناً
فى الأدب .
تذكر المصادر أنه شارك بوجه ما فى الفتن
التي انتابت قرطبة فى عامى 39/540هـ ( 45 / 1146م ) وأسر سنة 540هـ ( 1146م )،
وبقى أسيراً فى طليطلة إلى سنة 542 هـ ( 1147م ) ، وفى هذه الفترة ألف هذا الكتاب
، وهو ابن اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين سنة .
ولا نعلم شيئاً عنه بعد هذا التاريخ ،
سوى أنه عاش حياة متقلبة ، فسكن غرناطة مدة ، وبجاية أخرى ، ثم استوطن مدينة فاس ،
وأنه كف بصره فى آخر عمره ، وتوفى بفاس عام 582هـ ( 1187م) وله غير هذا الكتاب:
-
" آفاق الشموس وأعلاق النفوس ".
-
" نفس الصباح " فى غريب القرآن وناسخه ومنسوخه.
-
" حسن المرتفق فى بيان ما عليه المتفق فيما بين الفجر وقبل الشفق".
-
" قصد السبيل فى معرفة آيات الرسول ".
-
" مقام المدرك فى إفحام المشرك ".
لكن لم يصلنا منها سوى هذا الكتاب الذى
نقدم له .
وينسبه البعض إلى قرطبة ، مسقط رأسه ،
فيقولون : القرطبى وقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب بهذا الإسم ، فظن
الدارسون أنه القرطبى المفسر المتوفى ( 671 هـ - 1273م) ، ولم يعرفوا أن هناك أكثر
من عالم ، اشتهر باسم القرطبى :منهم :
القرطبى : البيانى ،المتوفى فى عام
276هـ - 890م ، وهو من أعلام الفقهاء والمحدثين.
والقرطبى : محمد بن أحمد ،المتوفى عام
380هـ - 990م ، وهو قاض محدث.
والقرطبى : عبد الرحمن بن حسن ، المتوفى
عام 446هـ - 1054م ،وكان عالماً بالقراءات.
والقرطبى : عبد الوهاب بن محمد ،
المتوفى عام 461هـ - 1069م وكان عجباً فى تحرير القراءات.
والقرطبى : ابن عبد البر ، المتوفى عام
463 هـ - 1071م ، وكان من كبار حفاظ الحديث ، مؤرخاً وأدبياً ، له مؤلفات كثيرة فى مختلف الفنون من
تاريخ ، وفقه ، وحديث وغيرها .
والقرطبى : أحمد بن عمر ، المتوفى عام
656هـ - 1258م ، فقيه مالكى ، من رجال الحديث. وغيرهم : لذا حذفت النسب إلى قرطبة
من أبى عَبِيدة ، حتى لا يختلط الأمر على القارئ.
([2])
وهذه
هى الأناجيل الأربعة التي أعترفت بها الكنيسة ، بعد أن إختارتها من عدد كبير من
الأناجيل ، وأصدرت قراراً بإعدام ما عداها ، واتخذت إجراءات صارمة فى تنفيذ هذا
القرار ، حتى لم يبق منها سوى إنجيل برنابا.
([3])
شك المسيحيون فى صحة بعض الكتب
العهدين ، ثم اعترفت مجالسهم بها ، ثم عادت بعض الفرق ونقضت هذا الإعتراف ، فقد
انعقد مجلس علماء المسيحية فى عهد " قسطنطين " فى بلدة " نائس
" عام 325م لبحث مسألة الكتب المشكوك فيها فقروا بعد المشاورة : أن كتاب
" يهوديت " واجب التسليم ، وأبقوا سائر الكتب المختلفة مشكوكاً فيها كما
كانت . ثم بعد ذلك انعقد مجلس آخر يسمى مجلس " لوديسيا " فى عام 364م ،
فأبقى حكم المجلس الأول فى كتاب " يهوديت " على حاله ، وزاد عليه سبعة
كتب أخرى ، وجعلها واجبة ، وهى هذه :
1- كتاب
أستير .
2- رسالة يعقوب .
3- الرسالة الثانية
لبطرس .
4- الرسالة الثانية ليوحنَّا.
5- الرسالة الثالثة ليوحنَّا
.
6- رسالة يهوذا .
7- رسالة بولس إلى
العبرانيين .
بقى كتاب مشاهدات
" يوحنَّا " فى هذين المجلسين خارجاً مشكوكاً فيه كما كان ، ثم انعقد
بعد ذلك مجلس آخر فى عام 397م وكان عدد المجتمعين 127 من العلماء المشهورين ،
فأبقوا حكم المجلسين الأولين بحاله ، وزادوا على حكمهما هذه الكتب :
1- كتاب وزدم .
2- كتاب طوبيا .
3- كتاب باورخ .
4- كتاب إيكليزيا
ستيكس .
5 ، 6 - كتابا المقابيين.
7- رؤيا يوحنَّا.
لكن أهل المجلس جعلوا كتاب " باروخ
" بمنزلة جزء من كتاب " أرميا " لأن " باروخ " كان
بمنزلة النائب والخليفة " لأرميا " ، ثم انعقدت بعد ذلك ثلاثة مجالس :
مجلس " ترلو " ، ومجلس " فلورنس " ، ومجلس " ترنت "
وزعلماء هذا المجلس الأول أبقوا حكم المجلس المنعقد فى عام 397م على حالة ، لكن
أهل المجلسين الأخيرين كتبوا اسم كتاب " باروخ " فى فهرست أسماء الكتب
على حدة فبعد أنعقاد هذه المجالس ، صارت هذه الكتب المشكوك فيها ، مسلمة بين جمهور
المسيحين ، وبقيت هكذا حتى ظهرت فرقة " البروتستانت " فى القرن السادس
عشر الميلادى ، فرد علماؤها حكم هؤلاء الأسلاف فى :
كتاب " باروخ " ، وكتاب
" طوبيا " ، وكتاب " يهوديت " ، وكتاب " وزدم " ،
وكتاب " إيكليزيا استكس " ،
وكتابى المقابيين ، وقالوا : إن هذه الكتب واجبة الرد وغير مسلمة.
(راجع : رحمة الله الهندى جـ1 ص 51 - 55
).
([4])
هو عالم من أهل تونس ، قدم إلى مصر ، وجعل ناظراً لمسجد أبى الذهب ، وأوقافه ،
واتصل بإبراهيم باشا ، فكان يعلم أولاده العربية ، وكان عالماً ذكياً درس فى
الأزهر ، وحسنت حاله ، ولما مات إبراهيم باشا نفاه الخديوى عباس ،فذهب إلى الحجاز
، ثم رحل القسطنطينية ،فمات فيها عام 1286 هـ (1869م) .
من كتبه :" تعديل
المرقاة وجلاء المرآة - خ " و "حاشية على مرآة الأصول لملا خسرو "
.
(الزر
كلى - الإعلام )
([5])
ليس من المحتمل أن يكون قصده " رسائل الكندى الفلسفية " التي احتوت على
:
- رسالة فى أنه لا تنال الفلسفة إلا
بعلم الرياضيات .
- رسالة فى مدخل المنطق .
- رسالة فى المقولات العشر .
- رسالة فى المناظر الفلكية .
- رسالة فى الغذاء والدواء المهلك .
- رسالة فى أن النفس جوهر بسيط .
- رسالة فى ما للنفس ذكره ، وهى فى عالم
العقل قبل كونها فى عالم الحس .
- رسالة فى الأخلاق .
لأنه لا يوجد بينها ما أشار ناشر كتاب
" الفاصل بين الحق والباطل " من تبادل رسالتين بين مسيحى ومسلم.
أما ما عرف بإسم :" رسالة الهاشى
ورد الكندى عليها " ، وهى رسالة عبد الله إسماعيل الهاشمى إلى عبد المسيح بن
إسحق الكندى ، يدعوه فيها إلى الإسلام ، ورسالة عبد المسيح إلى الهاشمى ، يرد بها
عليه ويدعوه إلى النصرانية ،فقد أثبت البكرى - فى مقال نشر فى العدد الأول من مجلة
كلية الآداب سنة 1947م - أنهما رسالتان موضوعتان ، وضعهما السريان فى عصر متأخر ،
وزعموا وقوع هذه المساجلة فى عصر المأمون . ( الرد الجميل ص
64).