O
خاتمة
(كتابنا: "الخطر الشيوعي في بلاد الإسلام"
الذي نُشِرَ في عام 1979م)
يقف المجتمع الإسلامي اليوم-في جميع أقاليمه-على مفترق الطرق، يلتقط أنفاسه
من هول الطريق، الذي قطعه على مدى المائة سنة الماضية، حيث تجاذبته تيارات أقضت
مضاجعه، فلم تترك له فرصة البناء والتعمير، وأهلكت أعصابه، فلم يعد يقوي على
التفكير بموضوعية فيما يعرض عليه من "أيديولوجيات"، ولم يستطع الاحتفاظ
بما عنده من عقائد وعبادات، فتهاون فيها وأهملها، أو أوَّلَها فألغاها، أو أداها
عادة وتقليداً، فصارت:
1.
صورة لا حياة فيها.
2.
ومصدراً للرزق والتكسب، لا عقيدة يدافع عنها بالروح
والمال.
3.
ووسيلة يخدع الحكام شعوبهم بالتظاهر بها، لا منارة يسير
على هديها رجال السلطة.
4.
وأسلوباً يختفي وراءه الدجالون والمنافقون.
5.
ولباساً يرتديه "الماركسيون" [1] ليدنسوه،
كي يمزق الحكام ما بقي من خيوطه، فتقتلع الجذور الباقية، فلا يجرؤ أحد على الجهر
بالدعوة إلى الله.
يقف المجتمع الإسلامي اليوم مذهولا من كثرة الأصوات التي تناديه، فيحاول:
·
تحديد المعالم فيعجز فكره.
·
وتمييز الأصوات فيكل سمعه.
·
ورؤية ملامح حاملي أعلام "الأيديولوجيات"،
فينقلب إليه بصره خاسئاً وهو حسير. وفي لحظة يأس يبحث عن الداعين إلى المبادئ التي
جربها في الماضي، فأسعدته وأعزته فيراهم، ولكن نفسه تنفر من كثير منهم؛ لأنهم:
·
يتحدثون بلغة لا يفهمها، وأسلوب لا يتفق وطبيعة العصر.
· ويرفضون استعمال
أساليب الإعلام الحديثة-كالمسرحيات والأفلام وغيرهما من أنواع الفن الأخرى[2]-في
الدعوة إلى الله، فتركوا هذا المجال-وهو مجال خصب، بل إنه إحدى وسائل العصر الحديث
الأساسية لتعميق العقائد في المجتمع-لأصحاب التيارات والمذاهب المناهضة للدين.
· لم يدرسوا المذاهب
الإلحادية المعاصرة للرد عليها، فجاء حديثهم عنها-إن استطاعوا الحديث-منفراً
للشباب المثقف، بل سلاحاً في يد الداعين إلى الإلحاد.
· وأهملوا
دراسات التيارات السياسية العالمية، ومعطيات العصر على الصعيد الدولي، فأُبْعِدوا
عن ساحة اتخاذ القرارات، التي تحدد مصير الأمة، فاهتز مركزهم كمصدر للتوجيه في
المجتمع.
· يعيشون عيشة
لا تليق بكرامة الداعية؛ فإهمالهم في ملابسهم ومسكنهم كان-ولازال-سبباً في اتخاذهم
أضحوكة في المجالس والمنتديات، وشخصية فكاهية لإضحاك المشاهدين في الأفلام
والتمثيليات.
وإزاء هذه الظروف التي يمر بها المجتمع الإسلامي، يجب
على المعاهد التي تُخَرِّج الدعاة، أن تعيد النظر
في اختيار دعاة المستقبل، فتأخذ في الاعتبار-بجانب الناحية الروحية-حسن
المظهر، ورتابة الملبس، ودبلوماسية السلوك، وأن تعدل مناهجها ، فتدخل فيها من
المواد:
· ما يهيئ
الداعية لمواجهة "الأيديولوجيات" الحديثة، ولن يكون ذلك إلا بدراسة
جوانبها الفلسفية والتطبيقية.
· وما يجعله
قادراً على شرح الإسلام بلغة العصر في جميع المحافل، سواء كانت طولية أم محلية.
· وأخيراً أن
تكفل له مستوى مدي يساعده على الظهور في المجتمع بمظهر لائق.
والله الهادي إلى سواء السبيل...
ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.
ﱡ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﱠ
أ.
د/ محمد شامة
[1] . دفع الماركسيون-ومازالوا-ببعض
أعوانهم المجهولة هويتهم الماركسية إلى التظاهر بالإصلاح الديني، فالتف حولهم بعض
الشباب المخلص الساذج. وسرعان ما استغلوا سذاجتهم وحميتهم الإسلامية، فدفعوهم إلى
ارتكاب حماقات لا يقرها الإسلام.... فانتكست الدعوة المرة تلو الأخرى، وذلك أسلوب
يتبعه الماركسيون للقضاء على خصومهم.
[2] . بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتمخضها عن انقسام العالم إلى معسكرين
متقابلين: أحدهما شيوعي والآخر رأسمالي، رأى المسئولون في المجتمع الغربي أن من أنجح
الوسائل في صد التيار الشيوعي عن الشباب توجيه أهل الفن إلى إخراج سلسلة من
الأفلام الدينية، التي توجه الشباب إلى ناحية الدين-بطريق غير مباشر-فأخرج أهل
الفن أفلاماً دينية يضرب بها المثل في عالم الفن، سواء من ناحية الفكرة، أو من
ناحية الإخراج، أو من حيث التكلفة. وكانت الكنيسة تدعم هذا الاتجاه؛ لأنها رأت فيه
وسيلة عصرية ناجحة لتعميق الروح الدينية في المجتمع.