P
المـواجـهــة 2
بعد أن انتهيت من إلقاء محاضرة
عن " منهج الدعوة في القرآن الكريم" في الأكاديمية الكاثوليكية بمدينة
ميونيخ بألمانيا، تلقيت سيلا من الأسئلة حول موضوعات شتى في الإسلام، وكان من
أهمها وضع المرأة في الإسلام؛ إذ يعتقد كثير من الأوربيين – إن لم يكن كلهم – أن
الإسلام لم يعط المرأة حقها مثل الرجل، بل عاملها كمتاع، يستمتع به الرجل، فهي
خادمة، تخدمه خدمة العبد للسيد، وتلبى حاجته في الفراش، وتطيعه طاعة عمياء، فليس
لها رأى حتى في الأمور التي تخصها.
لم يكن هذا التصور وليد اللحظة
، بل نما وكبر في الثقافة الغربية على امتداد تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب ،
فقد احتل موضوع المرأة في الإسلام مساحة واسعة لدى عدد كبير من المشتغلين بالقضايا
الفكرية والاجتماعية ، بل إنه يكاد
يحتل المقام الأول لدى المهتمين بوصايا الأديان ومبادئها ، ويأخذ مساحة كبيرة من
صفحات الهجوم على الإسلام ؛ فلا يبدأ كاتب غير مسلم بتناول القضايا الإسلامية إلا
ويتخذ وضع المرأة في الإسلام نقطة انطلاق للهجوم عليه ، بل إن كثيرا من العامة في
البلاد غير الإسلامية لا يعرفون عن الإسلام سوى أنه يبيح للرجل عدداً من الحريم ،
ويحرم الخمر ولحم الخنزير ، وما ذاك إلا من كثرة إبراز مفكريهم لهذه القضايا ؛ فهم
يتخذون وضع المرأة في المجتمع الإسلامي مادة للهجوم على الإسلام ، فيذكرون أنه
أباح للرجل أن يتخذها سلعة ، يبيعها الأب للزوج بثمن يتمتع به هو ، دون أن ينالها
منه شيء، ويعاملها الزوج كما يتعامل مع ما يملكه من أثاث ومتاع ، فلا رأى لها ،
ولا اعتبار لوجودها عند اتخاذ قرار زواجها ، ويضرب بمشاعرها وأحاسيسها عرض الحائط،
فلا يهتم الزوج بما تميل إليه ، أو ترغب فيه في مسائل الحياة وشئونها .
ويقدم المجتمع الإسلامي لهؤلاء مادة يستدلون بها في
هجومهم على الإسلام؛ ذلك أن السائد بين كثير من المسلمين – وخاصة في أوساط من
يتظاهرون بالتمسك بالدين – أن لا رأى للمرأة في زواجها، فأبوها يختار لها زوجها،
أو يوافق على من يتقدم إليها، دون أن يستشيرها، فإن عارضت أجبرها بالقوة على
الرضوخ لأمره، فتساق إلى زوجها كما تساق الأنعام إلى مذبحها. كما أن بعض الآباء
يستولى على ما يدفعه الراغب في الزواج منها من مهر، لأنه يعتقد أن من حقه أن يأخذه
لقاء تربيتها. وليست حياتها عند زوجها بأفضل منها عند والدها؛ فلا تستشار في أمر
من أمور الحياة، بل عليها السمع والطاعة حتى في أخص شئونها.
ولا يتفق هذا الوضع مع ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق،
فهو لم يفرق بين الذكر والأنثى فيما فرضه على الآباء وأوصاهم بالقيام به لأبنائهم.
فالتعليم حق للبنت كما هو حق للولد، فإذا حرم أب ابنته
من هذا الحق فلا ينبغي أن يتعلل بما يفرضه الإسلام على سلوك المرأة، لأن ذلك يسيء إلى
صورة الإسلام بين الراغبين في دراسته والبحث فيه عن حقيقة فقدوها في مجتمعاتهم،
فينصرفون إلى وجهة أخرى، أو يهاجمونه إن كانت لديهم وسائل للهجوم، فيشوهون صورته
أمام العامة من قومهم.
فقد حث القرآن الكريم المسلمين في آيات كثيرة على التعليم،
ووصاهم بالحرص على طلب العلم، ومجالسة العلماء؛ فيقول الله تعالى:
ﱡﭐ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ [ الزمر : 9 ]
ويقول جل ذكره:
ﱡﭐ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲸ ﱠ [ فاطر : 28 ]
ويقول سبحانه وتعالى:
ﭐﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ طه: ١١٤ [ طه : 114 ]
كما جاء في الحديث عن النبي e أنه قال:
" من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له" [سنن أبى داوود ج
3 صـ 317 رقم 3641 ] ، وقوله : " طلب العلم فريضة على كل مسلم (ومسلمة) ." [سنن ابن ماجة جـ 1 صـ 81 رقم 224 ]
فهذه الآيات والأحاديث تبين لنا أن الإسلام دعا إلى
العلم والتعليم ، وحث المسلمين جميعاً ذكورا و إناثاً على طلب العلم ، وقد
امتثل المجتمع الإسلامي الأول لهذا التوجيه الإلهي والوصية النبوية ، فبذل
المسلمون جهداً كبيراً في تحصيل العلم والمعرفة مما جعلهم يتبوءون مركزاً يفوق
أمثالهم ممن اشتهروا بحمل ألوية الحركات العلمية على امتداد التاريخ البشرى كله ؛
إذ نشطت الحركة العلمية في القرن الأول الهجري، فكان التعليم - وخاصة ما يتعلق بالمواد
الدينية – مفروضاً على كل الناس ، ذكورهم و إناثهم، لا فرق بين صبى و صبية
، ولا بين فتى و فتاة ، ولا بين رجل و امرأة ، فقد نشط الجميع كتفاً إلى كتف
في تحصيل العلم والمعرفة .
ومن هنا وُجِدَ بين العلماء نساء تقلدن مناصب الأستاذية
في التدريس، فكان يستمع إليهن في مجالس التدريس فتيان وفتيات. فإن دلت هذه
الظاهرة على شيء فإنما تدل على أن مجالس العلم في المجتمعات الإسلامية في عصر صدر
الإسلام لم تعرف التفريق بين الذكر و الأنثى ، وكان للنساء دور كبير في
مجالس العلم لا يقل عن دور الرجال ؛ فقد ذكر ابن خلكان في كتابه : "وفيات
الأعيان" كثيراً من هؤلاء النسوة وبَيَّنَ دورهن في مجال التعليم ، نذكر منهن
على سبيل المثال : زينب بنت أبى القاسم ، فقد ذكر ابن خلكان العلماء الذين حضرت
عليهم وأجازوها ، فكان من بين من أجازها : الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل
، والعلامة أبو القاسم الزمخشري صاحب الكشاف في تفسير القرآن الكريم وغيرهما من
السادة العلماء .
وتولت التدريس، فدَرَسَ عليها ابن خلكان نفسه وأجازته؛
إذ يقول: ولنا منها إجازة كتبتها في بعض شهور عام 610هـ = 1213م
ومنهن: فاطمة بنت محمد بن أحمد التنوخية: كانت عالمة
بالحديث، ومن تلاميذها الحافظ بن حجر، العالم المشهور.
ومنهن: مريم بنت عبد الرحمن: كانت من علماء الفقه الحنبلي،
فكانت تجلس للتدريس في نابلس ودمشق.
فإذا جئنا إلى القرن التاسع الهجري = الخامس عشر الميلادي،
وجدنا أيضاً بعض النساء اللاتي تبوأن مراكز علمية، فمنهن على سبيل المثال: فاطمة
بنت خليل بن أحمد الكنانية. كانت حجة في الحديث. واشتغلت بالتدريس في مصر، بعد أن
أجازها بعض علماء عصرها، وتفردت بالرواية عن كثير منهم، وخَرَّج لها القباني
"مشيخة".
هذا أمر يدعو إلى الدهشة عند من لم يطلع على تاريخ
الحركة العلمية في العصور الماضية!؛ لأن الصورة عند الغربيين – وكذلك عند كثير من
المسلمين – أن المرأة المسلمة بعيدة عن هذا المجال، وخاصة أن الفكرة السائدة الآن –
يدعمها الواقع – أن المرأة المسلمة جاهلة، فأنت لا تكاد تجد واحدة – وعلى الأخص قبل النهضة الحديثة – تستطيع
أن تقرأ وتكتب، فضلاً عن أن تكون عالمة، كما ذكرت سابقاً! فما السبب في ذلك؟
يرجع السبب في ذلك إلى أن الانحطاط قد أصاب الرجل
والمرأة في عصور الانحسار الإسلامي، فقد قضى التسلط العسكري على مظاهر النشاط
الفكري الذى كان مزدهراً في العصور الإسلامية الأولى، فإذا قيل: إن المرأة المسلمة
كانت تعيش قبل النهضة الحديثة في ظلام، فلنتذكر أن الرجل المسلم كان كذلك في
الغالب. ومن هنا فلا ينبغي أن ينسب تأخر المرأة المسلمة علمياً إلى الإسلام، بل
ينسب ذلك لطبيعة النظم السياسية التي كان لها أثر في تأخرها علمياً.
* *
*
كما نص الإسلام على أخذ رأى المرأة في زواجها ، فإن رفضت
فلا يحق لأحد أن يجبرها ، بل إنه لا يصح العقد إلا بموافقتها ، إذ أن من شروط صحة
العقد أن توافق المرأة عليه ، ولهذا يجب على الولي عند عقد الزواج أن يبدأ بأخذ
رأيها ويتأكد من رضاها قبل العقد ، لأن الزواج معاشرة دائمة ، وشركة قائمة بين
الرجل والمرأة ، ولا يدوم الوئام ، ويبقى الود والانسجام ، ما لم يكن كل طرف
راضياً بهذه الشركة ، ومن ثم منع الإسلام إكراه المرأة – بكراً كانت أم ثيباً –
على الزواج ، وإجبارها على الارتباط بمن لا رغبة لها فيه ، وجعل عقد الزواج قبل
استئذانها غير صحيح ، وأعطاها الحق في المطالبة بفسخه وإبطال تصرفات الولي إذا عقد
عليها بدون استئذانها .
فعن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله r قال: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا
البكر حتى تستأذن " قالوا: يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: " أن
تسكت ". وعن أبى هريرة t أن رسول الله r قال: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن "
قالوا: يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: " أن تسكت ". وعن عبد الله
بن بريدة عن أبيه قال: جاءت فتاة إلى رسول الله
r فقالت: إن أبى زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال فجعل رسول الله r الأمر إليها. فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكنى أردت أن أعلم النساء أن ليس
إلى الآباء من الأمر شيء. بل إن أبا حنيفة وأبا يوسف – وهما من كبار العلماء في
استنباط أحكام الشريعة الإسلامية من النصوص الإسلامية – ذهبا إلى أن المرأة
البالغة العاقلة لها الحق في مباشرة عقد زواجها بنفسها دون ولى، بكراً كانت أم
ثيباً. واستدلا على ذلك بقوله تعالى:
ﱡﭐ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳪ ﱠ [ البقرة : 230 ]
وقوله تعالى:
ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﲘ ﱠ [البقرة:
232]
موجهين
هذا الاستدلال بأن إسناد الزواج في هاتين الآيتين إلى المرأة، يشير إلى الفاعل
الحقيقي لعقد الزواج، وهو المرأة.
كانت
المرأة في الجاهلية مهضومة الحق، مهيضة الجناح لدرجة أن وليها كان يتصرف في مالها،
فلا يدع لها فرصة التملك، ولا يمكنها من التصرف فيما تملك، فجاء الإسلام برفع هذا
الظلم عنها؛ إذ أعطاها الحق في التصرفات المالية، كما فرض لها مهراً عند الزواج،
وجعله حقاً خالصاً لها، فليس لأبيها، ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ منه شيئاً إلا
برضاها واختيارها، قال الله تعالى:
ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﱠ [ النساء : 4 ]
أي
وآتوا النساء مهورهن عطاء مفروضاً لا يقابله عوض، فإن أعطين شيئاً من مالهن خوفاً
أو خديعة فلا يحل أخذه، يقول تعالى:
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ[ النساء : 20-21 ]
فلو
ظهر في المجتمع الإسلامي ما يخالف هذه الوصايا، كأن يأخذ والد الفتاة مهرها ولا يعطيها
شيئاً منه، أو أن يسترد الزوج منها ما أعطاه لها بأسلوب التأثير النفسي، أو بطريق
التلميح بالتهديد والوعيد، فإن ذلك يتنافى مع مبادئ الإسلام، ومن يمارسه فإنه
يرتكب إثماً مبيناً. وعليه فلا يمثل هذا التصرف جانباً إسلامياً، بل هو انعكاس
لتقاليد بعيدة عن الإسلام، و اتباع لعادات أعلن الإسلام الحرب عليها منذ أن نزل
الوحى على محمد r
. وما تفرضه التقاليد والعادات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، لا يعد حجة على
الإسلام وتعاليمه، ويجب على الباحثين أن يفرقوا بين النصوص الإسلامية، وبين ما يجرى
على أيدى المسلمين في المجتمعات الإسلامية، لأنهم – مثل غيرهم من أتباع الأديان
الأخرى – قد ينحرفون عن مبادئ دينهم، وسلوك المنحرف لا يمثل عقيدته المنتمى إليها
رسمياً، لأنه – طبقا لمبادئها
وتعاليمها – قد بعد عن إطارها، وخرج عن ساحتها.
وعندما
تنتقل المرأة إلى بيت زوجها، تجد الإسلام قد كفل لها من الحقوق ما يحفظ كرامتها،
ويحمى شعورها، ويؤمن سعادتها؛ ذلك أنه أمر الزوج بأن يرعى حقها في العيش حتى يسود
الوئام بينهما، وتظلهما مظلة السلام، يقول الله تعالى:
ﱡﭐ ﲱ ﲲﲳ ﲿ ﱠ [ النساء : 19 ]
أي
يجب أن يكون الزوج رقيقاً مع زوجته، فلا يعاملها بغلظة وخشونة، ولا يجرح كرامتها،
أو يسيء إلى سمعتها، يقول رسول الله r : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم
خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم " [ راجع : سنن ابن ماجه جـ 1 صـ 636 رقم
1978 ]،
فإكرام المرأة دليل على الشخصية المتكاملة ، وإهانتها علامة على الخسة والدناءة
واللؤم ، يقول رسول الله r
: " ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم . "
إن
السلوك القائم على احترام كلٌّ للآخر، وحفظ حقوق المرأة في جميع أطوار حياتها مطلب
إسلامي، رفع به الإسلام مكانتها، بحيث أصبح لها من الحقوق ما ليس لمثيلاتها في
الأديان والمذاهب الأخرى، فقد أعطى لها الحق في أن تحتفظ بمالها لنفسها، وتستثمره
كما تشاء دون أن يتدخل الرجل فيفرض رأيه عليها، أو يرغمها على اتجاه معين، فهي
مستقلة في المعاملات المادية استقلالا تاماً. كذلك مكنها الإسلام من التعبير عن
رأيها دون خوف أو خجل، وفى التاريخ الإسلامي أمثلة تبين هذا الحق وتؤكده، فقد
اعترضت امرأة على عمر بن الخطاب أمام الناس جميعا، ولما تبين له صواب رأيها رجع عن
رأيه، ولم يحدث مثل هذا الموقف في المجتمعات الإنسانية إلا في القرن العشرين، بعد
أن قطعت البشرية شوطاً كبيراً في طريق التقدم، ومع ذلك فلا يقع اليوم إلا في حدود
ضيقة. فإذا افتخر المتحدثون باسم الحضارة الحديثة بأن المرأة في ظل حضارتهم تمكنت
من إبداء رأيها، بعد طول كبت وتحكم فيها، وتسلط على إرادتها، فلا ينبغي أن ينسوا
أن الإسلام مكنها من ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.
فالمرأة
حرة في اختيار شريك حياتها ، ولها الحق في تصريف شئونها وتدبير أموالها بنفسها ،
فلا يتدخل أحد في هذا الأمر إلا بإذنها ، ولا يحق لأحد أن يجبرها على شيء لا ترضى
عنه ، كما أن لها الحق في إبداء رأيها في الشئون العامة والقضايا الاجتماعية ، بما
فيها وضع الدستور وسن القوانين ، وتولى تنفيذها ، ومن ثم فلا ينبغي أن يعتمد
الباحثون على واقع المجتمعات الإسلامية المعاصرة في معرفة تعاليم الإسلام ومبادئه
، لأن معظم ما فيها من عادات وتقاليد ليست إسلامية محضة ؛ فهي تحمل في كثير من
جوانبها معالم غير إسلامية ، دخلت هذه المجتمعات في عصور الضعف والتخلف .
فإذا
غابت المرأة عن الحياة العامة في الأقطار الإسلامية المعاصرة، على اختلاف بينها في
التعامل معها، ودرجات متفاوتة في وضعها الاجتماعي، فذلك راجع إلى الانحطاط العام
الذي أصاب الأمة عامة في القرون الماضية. ولن تنهض الأمة بشقيها – الرجال والنساء –
إلا إذا فهمت تعاليم الإسلام فهماً صحيحاً ، بعيداً عن الآراء التي لعب الجهل –
والأهواء – دوراً كبيراً في تطرفها وتشددها ، وطبقت تعاليم الإسلام بروح التسامح
والانفتاح على معطيات العصر التي تسهم في التقدم والرقى ، مبتعدة بذلك عن الدعاوى
التي تستهدف القضاء على الهوية ، وقتل روح الانتماء عند الفتيان والفتيات بإغرائهم
بتقاليد تمسخ شخصياتهم ، وتمحو معالم كياناتهم ، ليكونوا أتباعاً أذلاء يُحَرَّكون
عن بعد ، كما تُحَرَّك الأجهزة الألكترونية بـ " الريموت كنترول"، وتلك
هي العبودية العصرية للقوى الكبرى .
هذا
هو العلاج الناجع، وليس المبادرات المشبوهة، والمغلفة بكلمات رنانة تبهر العامة
والمتطلعين إلى المنافع المادية، أو المتشوفين إلى السلطة والجاه تحت عباءة أعداء
الدين.
بدأت
الأقطار الإسلامية طريقها للنهوض بالأمة، وبإعطاء المرأة حق التعليم والمشاركة
السياسية، فظهرت آثارها في كثير من الميادين؛ إذ أصبح لدينا نساء بارزات في كل
ميادين الحياة ... حتى القضاء .. ورئاسة الحكومة ، وتسهم المرأة في كثير من
أقطارنا الإسلامية في مناقشة القضايا العامة ، والدليل على ذلك ما نراه في
المجتمعات الإسلامية من نساء أثبتن وجودهن في جميع مجالات الحياة الفكرية
والسياسية والاجتماعية وقد تحدث أولئك النساء
- وكتبن أيضاً - ببلاغة معبرات عن
قلقهن بالنسبة للمستقبل ، وأحلامهن بعالم حيث يمكن لأطفالهن أن يعيشوا في سلام
...! ، حتى تبنى الشعوب الإسلامية مستقبلها
بحرية ، وفى أمان .
أ. د/ محمد شامة
أ. د/ محـمـد شـامــة