P
تكريم
الإسلام للمرأة[1]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد،
وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وسلك طريقه إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم شكراً جزيلاً على دعوتكم لي لأتحدث إليكم في هذا
اللقاء، كممثل للأزهر الشريف. ولقد أجبت دعوتكم من منطلق أنكم إخوة مسلمون، لكم حق
في جامعة الأزهر، لأنها جامعة لكل المسلمين في جميع أرجاء المعمورة؛ فهي، وإن كانت
تقع في مصر جغرافيًّا، إلا أنها مؤسسة إسلامية، تضم بين جنباتها طلاباً مسلمين من
جميع بلاد العالم، فأنتم كمسلمين تحظون برعاية هذه الجامعة، فهي تمدكم بالثقافة
الإسلامية، وتجيب على أسئلتكم في جميع مناحي الحياة، سواء كانت دينية أو دنيوية،
ولذا فأنا بين أيديكم الآن أجيب على كل أسئلتكم واستفساراتكم، وألبي جميع طلباتكم
الدينية كلما أمكن ذلك.
ومن بين المسائل الدينية التي سوف أبينها لكم في هذا
اللقاء: موقف الإسلام من المرأة أو
بتعبير آخر:
وضع المرأة في الإسلام
أيها الإخوة والأخوات!
حظي موضوع المرأة باهتمام كبير من المشتغلين بالقضايا
الفكرية والاجتماعية، بل إنه يكاد يحتل المقام الأول لدى المهتمين بوصايا الأديان
ومبادئها، ويأخذ مساحة كبيرة من صفحات الهجوم على الإسلام، فلا يبدأ كاتب غير مسلم
بتناول القضايا الإسلامية إلا ويتخذ وضع المرأة في الإسلام نقطة انطلاق للهجوم
عليه، بل إن كثيراً من العامة في البلاد غير الإسلامية لا يعرفون عن الإسلام سوى
أنه يبيح للرجل عدداً من الحريم، ويحرم الخمر ولحم الخنزير. وما ذاك إلا من كثرة
إبراز مفكريهم لهذه القضايا، فهم يتخذون وضع المرأة في المجتمع الإسلامي المعاصر
مادة للهجوم على الإسلام، فذكرون أنه أباح للرجل أن يتخذها سلعة، يبيعها الأب
للزوج بثمن يتمتع به هو، دون أن ينالها منه شيء. ويعاملها الزوج كما يتعامل مع ما
يملكه من أثاث ومتاع؛ فلا رأي لها، ولا اعتبار لوجودها عند اتخاذ فرار زواجها،
ويُضْرَب بمشاعرها وأحاسيسها عرض الحائط، فلا يهتم الزوج بما تميل إليه، أو ترغب
فيه في مسائل الحياة وشئونها.
ويقدم المجتمع الإسلامي لهؤلاء مادة يستدلون بها في
هجومهم على الإسلام؛ أن السائد بين المسلمين-وخاصة في أوساط من يتظاهرون بالتمسك
بالدين-أن لا رأي للمرأة في زواجها، فأبوها يختار لها زوجها، أو يوافق على من
يتقدم إليها دون أن يستشيرها، فإن عارضت أجبرها بالقوة على الرضوخ لأمره، فتساق
إلى زوجها كما تساق الأنعام إلى مذبحها. كما أن بعض الآباء يستولي على ما يدفعه
الراغب في الزواج من مهر؛ لأنه يعتقد أن من حقه أن يأخذه لقاء تربيتها. وليست
حياتها عند زوجها بأفضل منها عند والدها، فلا تستشار في أمر من أمور حياتها، بل
عليها السمع والطاعة حتى في أخص شئونها.
ولا يتفق هذا الوضع مع ما
أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق، فهو لم يفرق بين الذكر والأنثى فيما فرضه على
الآباء، وأوصاهم بالقيام به لأبنائهم.
فالتعليم حق
للبنت، كما هو حق للولد، فإذا حرم أب ابنته من هذا الحق، فلا ينبغي أن يتعلل بما
يفرضه الإسلام على سلوك المرأة، لأن ذلك يسيء إلى صورة الإسلام بين الراغبين في
دراسته، والبحث فيه عن حقيقة فقدوها في مجتمعاتهم، فينصرفون عنه إلى وجهة أخرى، أو
يهاجمونه إن كانت لديهم وسائل الهجوم، فيشوهون صورته أمام العامة من قومهم.
كما نص لإسلام على أخذ رأي المرأة في زواجها، فإن رفضت
فلا يحق لأحد أن يجبرها، بل إنه لا يصح العقد إلا بموافقتها؛ إذ من شروط صحة العقد
أن توافق المرأة عليه، ولهذا يحب على الولي عند عقد الزواج أن يبدأ بأخذ رأيها،
ويتأكد من رضاها قبل العقد؛ لأن الزواج معاشرة دائمة، وشركة قائمة بين الرجل
والمرأة، ولا يدوم الوئام، ويبقى الود والانسجام، ما لم يكن كل طرف راضياً بهذه
الشركة، ومن ثَمَّ منع الإسلام إكراه المرأة –بكراً أم ثيباً-على الزواج، وإجبارها
على الارتباط بمن لا رغبة لها فيه، وجعل العقد عليه قبل استئذانها غير صحيح،
وأعطاها الحق في المطالبة بفسخه، وإبطال تصرفات الولي، إذا عقد عليها بدون
استئذانها.
فعن ابن عباس t أن رسول الله e قال: لا
تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا لبكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: "أن
تسكت". وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت فتاة إلى رسول الله e ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل رسول الله e الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم
النساء، أن ليس للآباء من الأمر شيء...
كانت المرأة في
الجاهلية مهضومة الحق، مهيضة الجناح، لدرجة أن وليها كان يتصرف في مالها، فلا يدع
لها فرصة التملك،
ولا يمكنها من التصرف، فجاء الإسلام برفع هذا الظلم عنها، إذ أعطاها الحق في
التصرفات المالية، كما فرض لها مهراً عند
الزواج، وجعله حقًّا خالصاً لها، فليس لأبيها، ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ منه
شيئاً إلا برضاها واختيارها، يقول تعالى: ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﱠ [النساء: ٤]، أي وآتوا النساء مهورهن عطاءً
مفروضاً لا يقابله عوض، فإن أعطين شيئاً من مالهن خوفاً أو خديعة فلا يحل أخذه،
يقول تعالى: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ النساء: ٢٠ - ٢١
فلو ظهر في المجتمع الإسلامي ما يخالف هذه الوصايا؛ كأن
يأخذ والد الفتاة مهرها ولا يعطيها شيئاً منه، أو يسترد الزوج منها ما دفعه لها
مهراً بأسلوب التأثير النفسي، أو بطرق التلميح بالتهديد والوعيد، فإن ذلك يتنافى
مع مبادئ الإسلام، ومن يمارسه فإنه يرتكب إثماً مبيناً. وعليه فلا يمثل هذا التصرف
جانباً إسلاميًّا، بل هو انعكاس لتقاليد بعيدة عن الإسلام، واتباع لعادات أعلن
الإسلام الحرب عليها منذ أن نزل الوحي على محمد e . وما تفرضه التقاليد والعادات
التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، لا يُعَدّ حجة على الإسلام وتعاليمه. ويجب على الباحثين
أن يفرقوا بين النصوص الإسلامية، وبين ما يجري على أيدي المسلمين في المجتمعات
الإسلامية؛ لأنهم –مثل غيرهم من أتباع الأديان الأخرى- قد ينحرفون عن مبادئ دينهم،
وسلوك المنحرف لا يمثل عقيدة المنتمي إليها رسميًّا، لأنه –طبقاً لمبادئها
وتعاليمها- قد بعد عن إطارها، وخرج عن ساحتها.
وعندما تنتقل المرأة إلى بيت زوجها، تجد الإسلام قد كفل لها
من الحقوق ما يحفظ كرامتها، ويحمي شعورها، ويؤمن سعادتها؛ ذلك أنه أمر الزوج بأن
يرعى حقها في العيش حتى يسود الوئام بينهما، وتظلهما مظلة السلام، يقول تعالى: ﱡﭐ ﲱ ﲲﲳ ﲿ ﱠ [النساء: ١٩]،
أي يجب ان يكون الزوج رقيقاً مع زوجته، فلا يعاملها بغلظة وخشونة، ولا يجرح
كرامتها، أو يسيء لسمعتها يقول رسول الله e : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وخياركم خياركم
لنسائهم". فإكرام المرأة دليل على الشخصية المتكاملة، وإهانتها علامة على
الخسة واللؤم، يول رسول الله e: "ما أكرمهن إلا كريم، وما أعنهن إلا لئيم".
إن السلوك القائم على احترام كلٌّ
للآخر، وحفظ حقوق المرأة في جميع أطوار حياتها مطلب إسلامي، رفع به الإسلام
مكانتها، بحيث أصبح لها من الحقوق ما ليس لمثيلاتها في الأديان والمذاهب الأخرى؛
فقد أعطى لها الحق في أن تحتفظ بمالها لنفسها، وتستثمره كما تشاء دون أن يتدخل
الرجل، فيفرض رأيه عليها، أو يرغمها على اتجاه معين، فهي مستقلة في المعاملات
المالية استقلالاً تامًّا. كذلك مكنها الإسلام من التعبير عن رأيها دون خوف أو
خجل. وفي التاريخ الإسلامي أمثلة تثبت هذا الحق وتؤكده، فقد اعترضت امرأة على عمر
بن الخطاب أمام الناس جميعاً، ولما تبين له صواب رأيه رجع عن رأيه. ولم يحدث في
التاريخ مثل هذا الموقف في المجتمعات الإنسانية إلا في القرن العشرين، بعد أن قطعت
البشرية شوطاً كبيراً في طريق التقدم، ومع ذلك فلا يقع إلا في حدود ضيقة. فإذا
افتخر المتحدثون باسم الحضارة الحديثة بأن المرأة في ظل حضارتهم تمكنت من إبداء
رأيها، بعد طول كبت وتحكم فيها، وتسلط على إرادتها، فلا ينبغي ان ينسوا أن الإسلام
مكنها من ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
فالمرأة حرة في اختيار شريك
حياتها، ولها الحق في تصريف شئونها، وتدبير أموالها بنفسها، فلا يتدخل أحد في هذا
الأمر إلا بإذنها، ولا يحق لأحد أن يجبرها على شيء لا ترضى عنه، كما أن لها الحق
في إبداء رأيها في الشئون العامة والقضايا الاجتماعية، ومن ثَمَّ فلا ينبغي أن يعتمد الباحثون على واقع المجتمعات
الإسلامية المعاصرة؛ لأن معظم ما فيها من عادات وتقاليد ليست إسلامية محضة، فهي
تحمل في كثير من جوانبها نعالم غير إسلامية، دخلت هذه المجتمعات في هصور التخلف والانحلال.
وطبقاً لهذا التكريم للمرأة جرم
الله الاعتداء على جسدها؛ إذ من المبادئ الأساسية التي قررتها شريعة الإسلام: أنه
متى ثبت أن فعلاً ما به ضرر الإنسان، وجب الامتناع عن هذا الفعل، دفعاً لهذا الضرر
الذي يتنافى مع التكريم الذي منحه الله U للإنسان، سواء كان ذكراً أم أنثى.
وختان الإناث من الأفعال التي قال
عنها كثير من العلماء: إنه لم يرد بشأنه نص شرعي يعتمد عليه. ومن هؤلاء العلماء
الإمام أبو الطيب محمد شمس الحق، فقد قال في كتابه: "عيون المعبود في شرح سنن
أبي داود " المجلد 14 صــ 122 ما نصه:
"وحديث ختان المرأة روي من
أوجه كثيرة، ولكنها ضعيفة معلولة مخدوشة، لا يصح الاحتجاج بها".
وقال الإمام ابن منذر: "ليس
في الختان خبر يُرْجَع إليه، ولا سُنَّة تُتَّبع"
وقال الإمام ابن عبد البر في
كتابه: "التمهيد": "والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال
فقط"
هذا هو
رأي كثير من العلماء الشرعيين، أما أهل الخبرة والاختصاص من السادة الأطباء
الثقات، فإن عدداً كبيراً منهم، قد حكم بأن ختان الإناث فيه ضرر بهن، وفيه مخاطر
بدنية ونفسية عليهن...
وسوف تجدون في الكتاب الذهبي –الذي
سيكون بين أيديكم-كثيراً من آراء الفقهاء والأطباء المسلمين في بحوثهم التي ألقوها
في مؤتمر العلماء العالمي الذي عقد في الأزهر في عام 2006م عن مدى خطورة هذه
العادة، وكان عنوانه: "المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين: نحو حظر انتهاك جسد
المرأة" وكان هذا المؤتمر بتوجيه من مؤسسة "تارجيت" الألمانية،
وتحت رعاية أ.د/ علي جمعة مفتي الديار المصرية آنذاك. وسأركز على نقطتين من فتوى
هؤلاء العلماء، وهما من أبرز ما اختتموا به هذا المؤتمر ونصهما ما يلي:
1.
ختان الإناث عادة قديمة ظهرت في بعض المجتمعات الإنسانية،
ومارسها بعض المسلمين في عدة أقطار تقليداً لهذه العادة دون استناد إلى نص قرآني
أو حديث صحيح يحتج به.
2.
الختان الذي يمارس الآت يلحق الضرر بالمرأة جسديًّا
ونفسيًّا، ولهذا يجب الامتناع عنه امتثالاً لقيمة عليا من قيم الإسلام، وهي عدم
إلحاق الضرر بالإنسان كما قال رسول الله e : "لا
ضرر ولا ضرار في الإسلام"، بل يعد عدواناً يوجب القاب.
أيها الإخوة والأخوات!
على المسلمين أن يدركوا أن واقع حياتهم
يؤثر على الدعوة الإسلامية سلباً وإيجاباً؛ لأنه ليس في إمكان العامة التفريق بين
المبادئ، وبين سلوك معتنقيها؛ فصورة الدين تنطبع في ذهنهم طبقاً لما عليه سلوك
المؤمنين به، فإن كان سلوكاً طيباً حبب الإيمان إلى قلوبهم، وإلا نفروا منه،
وكفروا به.
وفي الختام أحب أن
أشكر جمعية "تارجيت" الألمانية التي تهتم بحقوق الإنسان في جميع أرجاء
المعمورة، لا تفرق بين جنس وآخر، ولا بين دين ودين، ولهذا فقد اهتمت بمسألة ختان
الإناث، حينما رأت أنه لا يستند إلى نص شرعي في الدين الإسلامي، وإنما هو عادة
انتشرت في بعض المجتمعات الإسلامية على الرغم من خطورتها على البنات، كما ذكرنا
سابقاً.
ختان الإناث ليس من
شعائر الإسلام، وقد قامت مؤسسة "تارجيت" بجمع كل ما ألقي في هذا المؤتمر
من فقهاء الشريعة وآراء الأطباء المسلمين في كتاب تحت عنوان: "الكتاب
الذهبي" بأربع لغات: العربية والألمانية والإنجليزية، والفرنسية، وهو بين
أيديكم، فأرجوكم الاضطلاع عليه وعرضه على إخوانكم المسلمين كي يعرفوا الحكم الشرعي
في هذه المسألة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله
لي ولكم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ.د/ محمد شامة
[1] )
ألقيت هذه الكلمة في جمع من المسلمين والأئمة والخطباء في بوركينافاسو وذلك في عام
2014م
على هامش مؤتمر "ختان الإناث" الذي عقد تحت رعاية جمعية "تارجيت Target “
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق