الإسلام
في المواجهة[1]
أ. د/ محمد شامة
حين أُسند إليَّ تدريس مادة: الملل والنحل بكلية أصول الدين
بجامعة الأزهر، فكرت فيما يجب أن يعرفه طالب يُعَدّ اليوم ليباشر الدعوة إلى
الإسلام في عصرنا الحالي (أوائل سبعينات القرن العشرين)، عصر يتعرض فيه الإسلام
لموجات من الإلحاد، تتفاوت في طبيعتها، ومنهجها طبقاً للمصدر الذي انحدرت منه؛ فهي
ماركسية وثنية من الشرق، وصليبية إلحادية من الغرب. غير أنهما يتفقان في الهدف
الذي يبغيان الوصول إليه في المجتمعات الإسلامية، إما بالتشكيك في مصدره، أو
محاولة إيهام المسلمين أنه لم يعد صالحاً لمتطلبات العصر الحديث.
أراد الاستعمار أن يُبْعِد الإسلام عن الحياة العامة، فنادى بفصل الدين عن
الدولة، مطبقاً المراحل التي مرت بها أوروبا بعد عصر النهضة، وردد خلفاؤه من
الوطنيين –الذين تثقفوا بثقافته-هذه الدعوة، ونفذوا الكثير من مقتضياتها، فأنشأوا
التعليم المدني بجانب التعليم الديني، وفرضوا علينا تشريعاً مدنيًّا، بدلاً من
الأحكام الفقهية المستنبطة من الشريعة الإسلامية، فتقلصت رقابة الإسلام على الدولة
تاركة لمن لا يعرف من الإسلام إلا الصورة السلبية التي عرضها المستشرقون على من
هيئوهم ليتولوا المناصب العامة في الدولة، ففصلوا بين الإسلام والحكم، وأبعدوه عن
الحياة العامة، وحصروه داخل المسجد ، وفي قلوب الناس؛ يمارسونه اعتقاداً، وقلما
ينزلون به إلى التطبيق.
ثم جاء الاستعمار الآخر في القرن العشرين، فأنكر الدين؛ إذ أرجع سبب تخلف
الشعوب المتدينة إليه، وأوهم تلك الشعوب أن تقدمها رهن بالتخلص من العقيدة،
واعتناق المبادئ الماركسية، حيث لوحت لهم بالسلطة المطلقة في بلادهم، إن هم
اعتنقوا مبادئها، وبالمساندة إن هم ارتموا في أحضان المعسكر الشيوعي.
لهذا وضعت في خطة الدراسة شرح وتحليل المراجع والكتب التي تتصدى لهذه
التيارات، وتنبين للمسلمين خداعها، وخطرها على الإسلام. ولم أجد عالماً من علماء
الإسلام في العصر الحاضر كرَّس حياته للدفاع عن الإسلام ضد التيارات الإلحادية
التي هبت على الشرق العربي إلا الأستاذ الدكتور محمد البهي؛ إذ تعتبر كتبه منارات
تهدي الشباب الحائر وسط هذه الأمواج المتدفقة عليه من الشرق والغرب.
وكتابه: "العلمانية والإسلام بين الفكر والتطبيق" إحدى هذه
المنارات؛ فهو يبين أن العلمانية ليس لها مكان في وجود الإنسان مع الإسلام، فإما
أن يوجد الاسلام ولا علمانية، أو توجد العلمانية ولا إسلام، فالمناداة بها في
المجتمعات الإسلامية تعود إلى قصور في تصور الإسلام، ثم إلى رغبة في محاكاة حلول
في تفكير الغرب لمشاكل كانت وليدة البيئة الغربية، ونتيجة الصراع فيها حول السلطة
والتفرد بالقوة في كل جوانبها في المجتمع الأوروبي، وليس ذلك موجوداً في المجتمعات
الإسلامية التي تطبق الإسلام؛ إذ ليس فيه:
1. حكومة إلهية معصومة من الخطأ؛ فالحكومة الإسلامية
إنسانية تخضع للخطأ والصواب "ولذا[2] -عند النزاع في الأمر مع القائمين على شأن
الحكومة الإسلامية-فالقرآن يطلب العودة بالنزاع بين الطرفين: طرف الحاكمين وطرف
المحكومين.... إلى كتاب الله وسنة رسوله
التي تعبر عنه توضيحاً أو تطبيقاً ... يقول الله تعالى: ﱡﭐ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﱠ [النساء:
٥٨ – ٥٩]
2.
وليس لأحد – طبقاً لتعاليم
الإسلام-الحق في ادعاء العصمة من الخطأ؛ فاجتهاد العلماء-وهو أمر أقره
الإسلام-للوصول إلى معرفة الأحكام التي لم يرد فيها نص صريح، قابل للخطأ والصواب،
فقد "وضع القرآن الطبيعة الإنسانية وضعها الصحيح، فلا ترتفع إلى مستوى
الألوهية أو العصمة، ولا يريد لها أن تنزل إلى مستوى المادة التي تدفع إلى الهوى،
والشهوة فقط."[3]
3.
ولا رهبانية فيه؛ "فدعوة القرآن: إلى أن الدنيا دار
اختبار وابتلاء، وأنها مرحلة أولى تسبق مرحلة الاخرة، لا تعني إطلاقاً
"شرية" هذه الدنيا، ولا "الانصراف" عن متعها وزينتها، ومن ثم
لا تعني أن: الاشتغال بها أمر قليل الشأن في ذاته، وأقل شأناً من الاشتغال بدين
الله ....... لأنه إذا كانت العبادة تحمل على استقامة السلوك وتحصيل متع الحياة،
فإن تحصيل هذه المتع بسعي الإنسان يعين بدوره على الاستمرار في العبادة."[4]
وبناءً عليه، فلا مكان للعلمانية في المجتمع الإسلامي؛ لأن من الأسباب
الرئيسية التي دعت إلى ظهورها في الغرب: وجود الحكومة الإلهية في الكنيسة،
والاعتراف بعصمة البابا، وحَمْلُ الكنيسة الناس على الرهبانية التي تقيد الطاقات
الإنسانية، وتمنعها من البحث في ملكوت الله، والاستفادة مما خلقه الله للإنسان. فإذا
لم توجد هذه الأسباب في المجتمعات الإسلامية فلا مكان للعلمانية فيها.
ويجب على كل مسلم أن يقرأ هذا الكتاب، ليعرف الدوافع والملابسات التي تكمن
وراء من ينادي بتطبيق العلمانية في المجتمع الإسلامي، فقد كشفها المؤلف، وبيَّن
أنها إن صدرت:
-
من حاكم، فلعدم أهليته للحكم، وللهروب من المسئولية التي
يلقيها الإسلام عليه...
-
ومن سياسي، فللتلاعب بالفكر غير الناضج.......
-
ومن فتى وفتاة، فللتحلل من التزام الإيمان: في التوجيه
والسلوك والانطلاق في شهوة البطن والفرج والملبس.....
إن قيام الطالبين: عبد لغني شمس الدين، وعصمت يونس بترجمة هذا الكتاب إلى
اللغة الماليزية، دليل على أنه لازال في الشباب المسلم عناصر، تستطيع أن تتصدى
لتيارات الملحدة لتكشف للمسلمين هويتها وتوضح للمغرمين بالفكر الغربي المناوئ
للإسلام فلسفة التشريع الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان، وذلك ما أركز عليه في
محاضراتي للطلبة وأبينه بشكل علمي في كتبي، حتى يعرف القاصي والداني أن الإسلام
دين ودنيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق