O
الرسالات السماوية
إسلامية وليست إبراهيمية
أ.د/ محمد
شامة
يجرى على ألسنة المسلمين أن الأديان الثلاث: "
اليهودية والنصرانية والإسلام " أديان سماوية، ويتدارس طلاب العلم في
مدرجاتهم الدراسية القضايا الدينية على أساس صحة هذه القضية، بل ويتناول الباحثون
والمتخصصون في المجال الديني المسائل المشتركة بين الأديان الثلاثة بحثاً ودراسةً
واستنتاجاً من منطلق الاعتقاد بأن الله أنزل اليهودية على موسى، وأنزل النصرانية
على عيسى عليهما السلام.
شاع
هذا الرأي بين المسلمين، واعتنقه جمهرة العلماء، على الرغم من أن كثيراً من آيات
القرآن الكريم تؤكد أن الإسلام فقط هو الدين السماوي، يقول الله تعالى: ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﲄ ﱠ[آل
عمران : 19]، أي أن الدين المنزل من السماء هو الإسلام لا غيره.
ويقول: ﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ [آل عمران : 67
]، أي أنه لم يكن معتنقاً دين اليهودية ، ولا
مؤمناً بدين النصرانية ، ولكنه كان على دين الإسلام .
ويحكى
القرآن الكريم دعاء يوسف ربه فيقول: ﭐﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﱠ [يوسف : 101]
وقد وردت آيات كثيرة على لسان رسل وصالحين عاشوا قبل
محمد r يدعون فيها
ربهم أن ينعم عليم بالإسلام، وأن يوفقهم إلى أن يموتوا مسلمين ، ولم ترد آية واحدة
تذكر أن أحداً من السابقين على الإسلام سأل ربه أن ينعم عليه باعتناق اليهودية أو
النصرانية ، ذلك أن الله لم ينزل ديناً بهذا الاسم ، فلم يذكر في كتابه الكريم أنه
أنزل اليهودية على موسى أو أنزل النصرانية على عيسى عليهما السلام ، لأن اليهودية
نسبة إلى يهوذا ، والنصرانية نسبة إلى الناصرة التي انتسب إليها أتباع عيسى u .
إذاً، فلا علاقة للتسمية بما أنزل الله على هذين
النبيين، فما أنزل على موسى هو الإسلام، وما أنزل على عيسى هو الإسلام، أما ما
أطلق عليه اسم: " اليهودية " فهو عبارة عن تسمية لما عند اليهود من
المبادئ والتشريعات الدينية التي جمعوها من تراثهم، أي أنه وحى اختلط بما أخذوه من
روافد ثقافية أخرى، ولا شك أن هذا الجديد يحمل من المعالم ما جعله يختلف كلية عما
نزل على موسى u ، وهو الذى
سمى بـ "اليهودية".
فاليهودية
هي من صنع اليهود، وكذلك النصرانية، أما ما نزل على موسى فهو الإسلام، وهو نفسه
الذى نزل على عيسى، لأن الله يقول: ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﲄ ﱠ[آل عمران : 19]، أي إن الدين الذى نزل من عند الله هو الإسلام، سواء نزل على موسى أو على
عيسى عليهما السلام، أو على غيرهما من الأنبياء السابقين، ولكن عندما اختلط
بالثقافات البشرية، وضاعت معالم الإسلام، أخذ اسماً آخر، مقتبساً من الملابسات التي
مرت بالأتباع، سواء تعلقت بشخص أم بمكان.
والدليل
على أن دين الله الذى نزل على الأنبياء جميعاً واحد، وهو الإسلام، أن كلمة الدين
لم تـأت في القرآن الكريم بصيغة الجمع " أديان " على الإطلاق ، لأن دين
الله واحـد ، وإن تعـددت رسالاته ورسـله ، يقـول تعالى: ﱡﭐ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﱠ [ فصلت : 41 -
43]،
ولم يأت تعدد الرسالات إلا لتصحيح ما حرف ، لأن المجتمعات البشرية دأبت على تغيير
الرسالات بعد رسلها ، فكلما طال الزمن بعد الرسل تمادوا في غيهم وضلالهم ، فحرفوا
وبدلوا ، فإذا ضاعت معالم الرسالة ، أرسل الله رسولاً آخر ليبلغهم الرسالة من جديد
، حتى جاء خاتم الأنبياء محمد r ، فحفظت رسالته من التحريف والتبديل ، يقول تعالى: ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ [لحجر: 9
]، لأن الله قد كتب
في الأزل أنه سيكون خاتم الرسل ، فحفظ
القرآن الكريم مما أصاب ما نزل على الرسل السابقين ، ولذا لم يعد الأمر في حاجة
إلى إرسال رسول آخر .
وجملة القول: إن دين الله واحد، هو الإسلام، وهو ما
أنزله على جميع الأنبياء. والدليل على ذلك قوله تعالى: } إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ {
، أما ما يعرف باليهودية والنصرانية فهي
تسمية لما في أيدى اليهـود – وكذلك الحال لما في أيدى النصارى – من مبادئ وتشريعات
دينية لا صلة لها بالإسلام ، إلا باعتبارها منسوبة – في أصلها – إلى من أنزل عليه
الإسلام من قبل ، وهما موسى وعيسى عليهما السلام ، أو باعتبار أن فيهما بعضاً مما
أنزله الله عليهما ، وإن كان هذا البعض قد اختلط بما أضافه أتباعهما إلى وحـى الله
.
ولهذا أطلق القرآن عليهما " أهل الكتاب " نسبة
إلى الكتاب الذي في أيديهم باعتبار أن فيه شيئاً منسوباً إلى نبي من أنبياء الله،
ولم يطلق عليهم اسماً يدل على أنهما أتباع دين نزل من الله على هذا النبي، لأن ما
يتسمون به، وهو: " اليهودية " أو " النصرانية " ليس ديناً من
عند الله، وإنما هو عَلَم على مجموع الثقافات الدينية التي اتخذوها ديناً لهم.
وبالتالي ليس للدين الإبراهيمي وجود في
ساحة الفكر الإنساني؛ لأن إبراهيم كان مسلماً، يقول الله تعالى: ﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ [آل عمران: ٦٧] ؛ فالدعوة إلى الدين الإبراهيمي
التي انتشرت في الآونة الأخيرة على ساحة الفكر العربي محض هراء، وكذب وافتراء، فلا
يخرج مروجها عن كونه:
-
إمَّا جاهل، لا يعرف الألف من الياء في الفكر الديني، وليس
له أدنى معرفة بما جاء في القرآن الكريم، ولا يدرك أن من مبادئ العلم ألا يخوض
المرء فيما لا علم له به، وإلا انطبق عليه أنه يجري وراء المظنون وما ليس له وجود
في الفكر الإنساني؛ فهو يهوى هذا النوع من الفكر جرياً وراء الشهرة، وطمعاً في كسب
المال، أو ارتقاء منصب لا حق له فيه إلا بهذا الهراء الذي يستولي على العامة،
ويصدقه كل من لا مكان له في عالم الفكر.
-
وإمَّا عميل للتيار الصهيوني الذي يحاول السيطرة على
المسلمين، ليس فقط في مجال المادة، أو في ساحة الامتداد الجغرافي، بل يتطلع إلى
بسط نفوذه في عالم الثقافة، ووجد أن أوسع باب يصل من خلاله إلى التحكم في توجيه
العقول إلى ما يريد هو الدين، فاخترع شيئاً أطلق عليه "الدين
الإبراهيمي" ووجد في ضعاف العقول عندنا مَنْ هو على استعداد للقيام
بالترويج لهذا "الدين" الذي لا وجود له، حتى يسيطر على عالم الثقافة
باعتباره –حسب زعمه- من أولاد إبراهيم، والقَيِّم على هذا الدين، وهذا في حقيقته
لا يخرج عن كونه أفكاراً مسمومة، تحمل في طياتها معاول يمسك بطرفها أولئك الصهاينة،
وبذلك تخضع الجماهير العربية لإرادتهم، فيسلمون بما يُمْلَى عليهم باعتبار ذلك من
تعاليم إبراهيم ومبادئه التي يجب أن يعتنقها المسلمون، لأنها من أصول العقيدة
الإسلامية.
ألا فليعلم هؤلاء الذين يروجون لهذه الدعوة أنهم يقومون
نيابة عن الصهاينة بهدم البناء الفكري للأمة الإسلامية حتى تخضع كلية لتوجيهات
أعدائها!!!!!
إنها دعوة
هدامة، والمروجون لها يحملون معاول الهدم وهم لا يدرون أنهم بذلك أنهم يقومون
نيابة عن هؤلاء بهدم "المعبد" على رؤوسنا، وسوف يُدْفنون معنا إن حصل
ذلك –لا قدَّر الله-تحت هذه الأنقاض التي أسهموا في إسقاطها فوق رؤوسنا.
أفيقوا أيها السادة!!!!
أ. د/ محمد شامة