إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 23 فبراير 2023

 

   O

الشذوذ الجنسي يدمر للمجتمع

                           أ.د/ محمد شامة

تزعزعت الثوابت الفكرية في المجتمع، فاهتز "رتم" حياة الإنسان، وتهاوى أسلوب حياته إلى الحضيض بتأثير ما انتشر بين الأفراد والجماعات من تطرف حاد وانحراف في الفكر في كلا الاتجاهين: الديني والمدني فلجأ الأول إلى الغلو في التكفير، والثاني إلى الغلو في البعد عن المبادئ الأخلاقية التي ظلت قروناً عدة مرتكزة على أوامر وعقائد دينية، ومحمية بالعادات والتقاليد الراسخة في ثنايا العقل الجمعي عبر عشرات، بل مئات السنين.

ومن أخطر الظواهر –إن لم يكن أشدها خطورة- ظاهرة الشذوذ الجنسي، لأنها –إن لم نكن على استعداد لمحاربتها- سوف تدمر الكيان الاجتماعي للشعوب قاطبة، وقد خاض كثير من المتخصصين وأصحاب الرأي في سرد أسباب هذه الظاهرة ، فطفقوا يسردون الأحداث التي عمت المجتمع فملئوا بها صفحات الصحف الورقية ، وتصدروا بأخبارها ساحات برامج الشاشات الفضائية بكل أنواعها: أخباراً وتحقيقات ، وحوارات، ولم يقتصر المتحدثون في هذا الموضوع على ذوي الخبرة والمتخصصين، بل دخل فيه أيضاً المُدَّعون، وأصحاب الصوت العالي ممن يطلق عليهم: خبراء استراجيون في المشاكل الإنسانية، أو ناشطون سياسيون - وما أكثر الذين يُعَرِّفون أنفسهم بهذا اللقب-، أو مهتمون بدراسة الظواهر الاجتماعية ، وغير ذلك من الألقاب التي ينتحلها أولئك الذين  يلهثون وراء كل ما من شأنه أن يسبغ عليهم نوعاً من الشهرة ، فتراهم زاعقين في كل نادٍ، لإثبات حضورهم حتى ولوكان الموضوع بعيداً عن فكرهم، فلا يعرفون ألفه من يائه.

طُرِح العديد من أسباب ظهور هذ الانحراف السلوكي الحاد في المجتمع؛ فمنهم من أرجعه إلى التدهور الحاد الذي أصاب التعليم في كل مراحله، فالتلميذ لم يعد يعتبر المدرس نموذجه في الأخلاق: سلوكاً وعملاً؛ لأنه لا يقوم بتأدية واجبه كما يجب في توصيل ما يحتاجه التلميذ من معلومات مفيدة، كما أنه في سلوكه ليس طيباً بحيث يصلح أن يبني شخصية سليمة إذا ما قلده التلميذ باعتباره نموذجاً له.  

ومنهم من بَيَّنَ أن سبب هذا الانحراف في المجتمع ينحصر في تربية الأطفال وتنشئتهم في بيئة أسرية ليس لديها ما تعطيه للطفل من صور حضارية، بل تغرس فيه كل ما من شأنه أن يدمر الأخلاق بسلوك الوالدين السيئ وعدم قدرتهما على تلقين أولادهما ما يفيدهم في جوانب الحياة المختلفة، فهما يعيشان في شجار دائم أو مشغولان بأمور أخرى، فليس لديهما من الوقت ما يعطيانه لتربية أطفالهما تربية سليمة.

ومنهم من يلقي باللائمة على وسائل الإعلام المختلفة، فهي تقدم من البرامج ما يغرى الشباب، ويدفع إلى تقليد النماذج السيئة والصور التي لا تفيد في تكوين الشخصية السليمة، فمضمون ما تقدمه ينحصر في التشويق بصرف النظر عن أي شيء آخر، حتى ولو كانت نتيجته مدمرة لكل ما هو طيب في المجتمع، فهدف أصحابها الربح بأوسع معانيه، فلا يوجد في برامجها ما يغرس صفة طيبة في وجدان المشاهد، فإن وجد – وهذا قليل أو يكاد يكون نادراً-فمآله طغيان المواد السلبية عليه.

وهناك فريق يصرح بأن السبب الرئيسي في انتشار هذا المرض في المجتمع هو قصور الخطاب الديني في تأدية ما يحصن المسلم ضد كل الآفات الاجتماعية التي تصيب المجتمعات الإنسانية، فيجب على الدعاة بيان أن الإسلام دين الإنسانية والحضارة في تعاليمه وتشريعاته، سواء كان ذلك في مجال العبادات، أو المعاملات، أو كان متعلقاً بالعقيدة والأخلاق، ذلك أن هدفه هو إصلاح الفرد والجماعة. ولما كان المجتمع عبارة عن مجموعة من الأفراد، فإن صلاحه يتوقف على مدى إصلاح أفراده، فالفرد كلبنة في البناء الاجتماعي، إذا صلحت استوى البناء واستقام، وإذا فسدت تشقق وانهار، ولهذا ركزت تعاليم الإسلام على تكوين الفرد تكويناً سليماً من الناحيتين: الظاهرية والباطنية، أو بتعبير آخر: إصلاحه مظهراً ومخبراً.

  وبصرف النظر عن معرفة أسباب ظهور هذه الظاهرة، فإني أتوجه إلى أولئك الذين يؤيدون هذه الظاهرة بحجة الحرية الشخصية، سائلاً هؤلاء المؤيدين: على أي منطق تعتمدون؟

يدين الكتاب المقدس المثلية الجنسية ويشير اليها بشكل سلبي ويعتبر الممارسة الجنسية المثلية أو ما يسمى باللواط خطيئة وفاحشة حسب رأي أغلبيَّة الطوائف الدينية، تظهر الإدانة في عدة مواقع في الكتاب المقدس، في العهد القديم هناك إدانة لممارسي المثلية الجنسية، فقد اعتبر العهد القديم اللواط شناعة يجب أن يعاقب عليها بالموت طبقاً لما ورد في التوراة: ونصه: " لا تضاجع ذكراً مضاجعة امرأة إنه رجس" (اللاويين 18:22) وكذلك ورد أيضاً في السفر نفسه: "إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلاهما رجساً. إنهما يقتلان. دمهما عليهما." (20:13)

 كذلك تدين النصرانية الشذوذ الجنسي، وتحذر من مغبة القيام بهذا الفعل، جاء في الإنجيل: "لا تضلوا، لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعوا ذكور ... يرثون ملكوت الله" (كورنثوس الأولى 10،  6).

والجدير بالذكر أن الكنيسة المسيحية تتعرض لضغوطات من قبل الشاذين جنسيًّا من أجل تغيير موقفها من الشواذ، ومن هذه الضغوطات ما تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من أجل مباركة زواج اللواطيين والسماح بتغيير الجنس وغيره. ولكن الكنيسة الكاثوليكية لم تغير موقفها. وأصدر الفاتيكان وثيقة تمنع الشاذين جنسيًّا من كل السيامات وحتى من الزواج.

واعتبرت الكنيسة الأرثوذوكسية ممارسة الشذوذ خطيئة وفعلاً لا أخلاقيًّا. وهي تعتقد بأن واجب الكنيسة هو السعي إلى إصلاح الشواذ عن طريق شفائه روحيًّا وجسديًّا.3

أما القرآن الكريم فقد ذكر حكم قوم لوط عليه السلام الذين أصروا على ارتكاب هذه الفاحشة، فقال تعالى: ﱡﭐ       [الأعراف: ٨٠ -  ٨١ ]

  إن ممارسة النشاط الجنسي من نفس الجنس محرم بإجماع المسلمين على اختلاف مذاهبهم فقد اتفق فقهاء السنة وفقهاء الشيعة على أن اللواط يعتبر من أشنع المعاصي والذنوب وأشدها حرمة وقبحاً وأن ما يمارسه الشواذ عمل منكر، وفساد وإفساد في المجتمع، كما جاء في قوله تعالى: ﱡﭐ       ﲿ   [العنكبوت: ٢٩ – ٣٠] ، كذلك وصفهم القرآن الكريم بأنهم كانوا ظالمين يقول تعالى: ﱡﭐ   ﱐ      [العنكبوت: ٣١]

ووردت أحاديث عديدة في ذم الشذوذ الجنسي، منه قوله e : "ملعون من يعمل عمل قوم لوط." [رواه الترمذي]، وقوله: "لعن الله من عَمِل عَمَلَ قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط." [رواه أحمد]

 كذلك أدان القرآن الكريم السحاق، فقال تعالى: ﱡﭐ       [النساء: ١٥]

ووردت أحاديث تنهى عنه وتحذر من عواقبه، فقال e : "السحاق بين النساء زنا بينهن." رواه الطبراني في الأوسط وقال رابطاً هذا الفعل وبين اقتراب الساعة: "إذا استحلت أمتي ستًّا فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى النساء بالنساء والرجال بالرجال" [رواه الطبراني في الأوسط].  

لم يقتصر الأمر على الأديان السماوية، بل جرمت الأديان الأرضية هذا الشذوذ، وهو ما شجع المستعمر الإنجليزي للهند على استصدار قانون يعاقب من يمارس هذا العمل؛ إذ تشير الأبحاث إلى أنه أثناء استعمار بريطانيا للهند –حيث موطن الهندوسية والبوذية-صدرت المادة 377 من قانون العقوبات، يعاقب بمقتضاها الأشخاص الذين يرتكبون اللواط بالسجن مدى الحياة. 

كيف عاقبت المجتمعات من يمارس الشذوذ الجنسي؟

طلبت التوراة قتلهما، وذلك في سفر اللاويين، أما اليهود المعاصرين فتنقسم آراءهم، فالمتشددون لا يظهرون تسامحاً أبداً تجاه المثليين، فيمنعونهم من ممارسة المهن القيادية، ويصرون على معاملتهم على أساس أنهم مرضى. أما المتساهلون فيستنكرون العنف الموجه ضدهم. ويرفضون الرأي الديني المعارض لهم.

وقد حافظت الكنيسة الأرثوذكسية على موقفها بإدانة ممارسة الشذوذ الجنسي، فاعتبرته خطيئة وفعلا لا أخلاقيًّا، ورأت أن واجب الكنيسة السعي إلى إصلاح الشاذ عن طريق شفائه روحيًّا وجسديًّا وليس مباركة ممارساته، ومحاولة إيجاد القوانين للاعتراف به. غير أنه طبقاً لشريعة عيسى عليه السلام الذي لم يأت لنقض الناموس، فهم ملزمون بعقابه كما ورد في التوراة.

أما في الإسلام فقد ورد عقاب اللوط في قوله تعالى: ﱡﭐ     [النساء: ١٦]، وجاء الحديث عن عقوبة السحاق في قوله تعالى: ﱡﭐ       [النساء: ١٥]

فليس صحيحاً ما ذهب إليه بعض العلماء من أن السحاق لم يذكر في القرآن الكريم بل في الحديث فقط، فهذه الآية هي في حكم السحاق. كما أن الآية رقم 16 من سورة النساء هي في اللواط وليس حكماً للزنى منسوخاً كما ذكر بعض العلماء.

لم يعد الشذوذ الجنسي أمراً مخفيًّا في كثير من المجتمعات، بل إن هذا الفعل أصبح أمراً مجاهراً به، حتى أن أي مراقب يستطيع أن يكتشف الشاب المثلي من غيره بمجرد مراقبة تصرفاته ولباسه، إن هذا الخروج للعلن الذي يتبعه ممثلو العالم اليوم يعود إلى سعيهم الدؤوب على الصعيد الفردي والجماعي من أجل دفع الناس إلى تقبلهم مستفيدين بذلك من الدعم الذي تقدمه المؤسسات الدولية وجمعيات الدفاع عن حقوق الشواذ في العالم. إن هذا الدعم الكبير الذي يناله هؤلاء الشواذ أسهم في تزايد عدد المثليين مما سيؤدي إلى تدمير المجتمع.

إذا تنكر -من يشجع المعلنين عن هويتهم الجنسية الشاذة- للأديان، فإننا نبين لهم أنه ليس لهم الحق في هذا الإعلان من ادعائهم بأنهم داعون للأفكار الحديثة التي تضمن لكل إنسان الحق في إبداء آرائه، حتى ولو كانت شاذة عن المسلمات الاجتماعية؛ ذلك أنهم يؤمنون بالديمقراطية، التي هي أحد أركان دعوتهم –بل هي أساس هذه الدعوة- فبمقتضى هذه الظاهرة -أي الديمقراطية-: أن ما يقره المجتمع الديمقراطي، ولو بنسبة 50% +1 فعلى الجميع الالتزام به، وقد أدان المجتمع المعاصر الشذوذ الجنسي بنسبة 90% إن لم يكن أكثر، فقد وجب على الجميع –بمن فيهم الشواذ- الالتزام بهذه النتيجة، ألا وهي عدم الإعلان عن هذا الشذوذ في المجتمع الذي يرفض هذا الإعلان.

إن خطورة الشذوذ الجنسي لا تكمن في وجوده، بل في محاولة نشره في المنتديات العالمية –كما حصل في مونديال قطر-، وإذاعة أخباره على منصات القنوات العالمية، ومحاولة الشذوذ الظهور بأي وسيلة وتأثير ذلك على المشاهدين، وخاصة الأطفال ومن ليس لديهم صورة واضحة عن أثر هذه الظاهرة المدمرة في المجتمع.

إن محاولة السماح لهذه الظاهرة من الناحية القانونية هو إسهام واضح وجلي في تدمير المجتمع أخلاقيًّا وسلوكيًّا، الأمر الذي يحتم على المسلمين وغيرهم التصدي لهذه المحاولة حتى لا تصاب مجتمعاتنا بآثاره السلبية الخطيرة بمثل ما حدث للمجتمعات التي سمحت لهؤلاء الشواذ بالإعلان عن سلوكياتهم الفاحشة، وذلك بالدعوة إلي تغليظ العقوبة على مرتكبي هذا الفعل والمروجين له بأي وسيلة، سواء كان ذلك بعمل فردي أو جماعي، وتدريس ذلك في المدارس والجامعات، وفرض الرقابة على المنصات الإعلامية حتى لا تتسرب الدعاية لهذا الشذوذ إلى برامجها.

وأخيراً أرجو من مراكز البحث المتخصصة إلى بذل الجهد للوصول إلى علاج لهذا المرض، فهو –كما أرى-خلل جيني يحتاج إلى التعامل معه بأسلوب علمي يقضي عليه، فقد أشار القرآن الكريم إلى أنه يمكن أن يكون مرضاً في قوله تعالى: ﱡﭐ         إذ تشير هذه الآية إلى أنه مرض، يؤيد ذلك قوله تعالى:  ﱡﭐ   فتدل على إمكانية علاجهن وشفائهن من هذا المرض.

كذلك قوله تعالى في شأن الذكور المصابين بهذا المرض: ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ      ، فهذا تعبير مطلق، يمكن أن يفسر بإجبارهن على ترك هذا الفعل، أو التعامل معهم بأسلوب يؤدي إلى شفائهم من هذا المرض.

 أخيرا، لا يجب أن نغفل أن هؤلاء الشواذ هم إخوتنا في الإنسانية، ومما لاشك فيه أنهم مضللون وبسبب جهلهم بخطورة هذا المرض فهم غافلون، لذلك من حقهم على علينا دعوتهم إلى التوبة والعودة إلى الله عز وجل، وبيان ضرر هذا الشذوذ عليهم وعلى مجتمعهم، وتعريفهم بالنصوص الشرعية التي تحرم هذا الفعل وتعتبره من الكبائر، وتوثيق الصلة بينهم وبين الله سبحانه، وعدم تيئيسهم من رحمة الله عز وجل الذي يغفر الذنوب جميعا، وصدق الله عز وجل الذي يقول : ﱡﭐ   ﲩ  [الزمر: ٥٣ ]

 وفي الوقت نفسه ندعم الباحثين بكل الوسائل لمساعدتهم للوصول إلى دواء ناجع لهذا المرض.



أ‌.       د/ محمد شامة








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة المدونة

                  مقدمة المدونة تعددت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؛ إذ أدلى بدلوه في هذا المجال المتخصصون وغير المتخصصين ...