مسئولية مَنْ تجديد
الخطاب الدين
تأليف
الدكتور محمـد شامـة
الطبعة الأولى
1438 هـ - 2017 م
رقم الإيداع 5485/1991
الترقيم الدولى I.S.B.N.00-1762-0
حقوق الطبع محفوظة
جميع الحقوق محفوظة للنؤلف ، وغير مسموح بإعادة نشر أو إنتاج هذا الكتاب أو أى جزء منه ، أوتخزينه على أجهزة استرجاع ، أو استرداد إلكترونية ، أو ميكانيكية ، أو نقله بأى وسيلة أخرى ، أو تصويره ، أو تسجيله على أى نحو ، بدون أخذ موافقة كتابية مسبقة من المؤلف .All right reserved. No Part of this Publication may be reproduced, stored in a retrieval system, or trans-mitted, in any form or by any means, electronic, mechanical, photocopying, recording or otherweise, without the prior written permission of the author.
إلى روحى أبى وأمى :
عبدالغنى مرسى شامة
ولبينة حامد ندا
ﱡ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﱠ
P
ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﱠ
w
O
مقدمة
يمر العالم الإسلامى اليوم بمرحلة تعتبر من أحلك المراحل فى تاريخه ، إن لم تكن أشد إظلاماً ؛ فساحته مباحة فى جميع المجالات : الثقافية ، والاجتماعية ، والعسكرية ، إذ دخل إلى ميدان التحدث باسم الإسلام كل ناعق وناهق ، فصدَّر من الفتاوى ما لا يتفق وتعاليم الإسلام السمحة ، فهو يحلل ويحرم حسب ثقافته الإسلامية الضحلة ، وطبقاً لتوجهات جماعته المنحرفة عن منطوق النصوص الإسلامية الموحى بها من السماء ، فصرنا نصبح ونمسى على أصوات زاعقة ، وحناجر متحشرجة بضلالات لا يقرها العارفون بتعاليم الإسلام ، وبفتاوى ينكرها كل من له قدم راسخة فى الثقافة الإسلامية ، حتى أصبح العامة حيارى بين التيارات الفكرية الضالة، والراسخون فى العلم منكرين هذه الأصوات ، لكن إنكارهم لا يصل إلى جماهير الناس ، لأن وسائل الإعلام دفعت بهؤلاء النكراات إلى الساحة ، فطغت أصواتهم على فكر المعتدلين ، فأزاحته إلى زاوية لا يراها من يبحث عن الحقيقة ، ولا يسمع بها الراغبون فى معرفة الأحكام الإسلامية الصحيحة ، فهو طوفان المادة التى سيطر على أصحاب القنوات الإعلامية ، فدفعتهم إلى إظهار من يجلب لهم مزيداً من الإعلانات ، وفيضاً من الدخل المادى ، فأعماهم ذلك عن سلوك الأسلوب الذى يسهم فى تثقيف الأمة . وقد بلغ هذا الاتجاه سقفاً عالياً لدرجة استضافة بعض من هو بعيد كل البعد عن المجال الروحى للدين الإسلامى ليقدم نرنامجاً دينيًّا .
لقد طفح الكيل ، وبلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين ، حتى لم يعد فى الإمكان وجود فضاء أبعد من ذلك فى الانحراف عن مسار الدين ، والبعد عن تعاليم الإسلام السمحة ، والتخلص من مبادئ الدين وقيمه التى تُصْلِح الفرد، وتُقَوِّم الجماعة ، وتبعث فى الأمة روح النهضة حتى تتصالح مع معطيات العصر ، فتلحق بالركب الحضارى ، وتسير فى مواكب التقدم والازدهار.
ونتج عن هذا عدة ظواهر عمت العالم الإسلامى من شرقه إلى غربه ، ومن شماله إلى جنوبه :
الأولى : الاستغراق فى الروحانيات ؛ إذ لم يعد بين هذه الفئة - التى اختارت هذا المجال - من يهتم بالماديات التى هى أساس الحياة ، فعاشوا عالة على من أنتج وصنَّع ما بلزم الإنسان من أمور تساعده على الحياة ، وسواء كان ذلك من صنع إخوانهم فى المجتمع أو من صنع الأجانب ، مما جعل المنتَج أو المُصنَّع من إخوانهم لا يكفى إعالة جميع أفراد المجتمع ، فمدوا يدهم إلى الأجانب ليتسولوا منهم ما يسدون به رمقهم ، فعاشوا تحت رحمة من يعطيهم طعامهم ولوازم حياتهم فاستُذِلُّوا واستُعْبِدوا حتى صار أمرهم بينهم شديداً نتيجة للشروط القاسية التى يشترطها عليهم من يمنحهم قوتهم وما يحتاجونه لاستمرار وجودهم على قيد الحياة . وقد يصل الأمر إلى ركوعهم – بل وسجودهم – أمام رغبات أعدائهم كى لا يموتون جوعاً ، أو يسقطون قتلى أمام من تفوق عليهم فى سلم الحضارة المادية ، فأخضعهم بقوة سلاحه الذى غفلوا عن تصنيع مثيله بانشغالهم بروحانيتهم .
الظاهرة الثانية : فريق فَهِمَ – بتأثير ما تبثه القنوات من فتاوى بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام الصحيحة – أن الدين الإسلامى طقوس فقط ، فانخرط فى الصلوات والدعوات والاعتكاف فى المسجد ، فإذا انخرطوا فى الحياة ، وباشروا السلوك الإنسانى ، انحرفو فى طريق بعيد كل البعد عن روح الإسلام وتعاليمه ، فهم يصلون الفرائض والنوافل ، وأحياناً يعتكفون فى المسجد مصلين ومسبحين ، ولكنهم فى تعاملهم مع الناس وسلوكهم فى المجتمع لا ترى لتدينهم أثراً ، فهم يكذبون ، ويهملون فى واجباتهم الدنيوية على كل المستويات ، ويرتكبون من الآثام ما يعف اللسان عن ذكرها ، فتدينهم صورى لا أثر له فى سلوكهم ، فهو إيمان فى الظاهر وفسق فى الباطن ، فلا فائدة من هذا التدين ولا أثر فى السلوك لهذه الصلوات والتسبيحات ، وصدق رسول الله إذ يقول : " من لم تنهه صلاته فلا صلاة له "
ومن الانحراف فى الحكم على الأشياء أن الناس ينخدعون فى هذا الفريق ، فيحكمون على أفراده بالصلاح والتقوى ، وهم أبعد ما يكونون عن هذا الوصف ؛ فقد روى أن عمر بن الخطاب طلب من شاهد فى قضية أن يأتيه بمن يشهد له بأنه عدل حتى يقبل شهادته ، فجاء رجل وقال لعمر : إقبل شهادة هذا الرجل فإنه عدل . فوجه إليه عمر هذه الأسئلة : أتسكن بجواره ؟ قال : لا ! قال له : أرافقته فى سفر ؟ قال : لا ! قال له : هل كانت بينك وبينه معاملات مادية ؟ قال : لا ! قال له عمر : لعلك رأيته يتمتم بالصلاة فى المسجد ! قال : نعم ! فالتفت عمر إلى الشاهد وقال له : إذهب يارجل فائتنى بمن يعرفك فإن هذا لا يعرفك ! ألست ترى أن عمر تصرف بما يعلمنا أن التدين الظاهرى ليس دليلاً على التقوى ، بل المدار فى الحكم على المرء بالصلاح والتقوى راجع إلى سلوكه الطيب وتعامله مع الآخرين بالحسنى والبعد عن الرزائل والانحرافات ! يقول الله تعالى : ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﳁ ﱠ[العنكبوت: ٤٥]
الظاهرة الثالثةﭐ : الغلو والتشدد ، ويمارسه فريق من المسلمين يرون أنه كلما شدد الإنسان على نفسه بالاستمتاع بطيبات الحياة كلما كان أقرب إلى الله ، لأن ذلك الغلو – فى نظرهم – يؤدى إلى رضاء الله فيكون ثوابه الجنة ، فطفقوا يحرمون كل ما من شأنه تسهيل الحياة على الناس : حرموا الغناء والموسيقى ، حتى وإن كانت ترهف الوجدان وتغذى الروح ، وكانوا من قبل قد حرموا المذياع والتليفزيون وغير ذلك من أدوات اللهو البريء ونسَوْا قول الله تعالى:
ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ[ الأعراف: ٣٢] ، فإطلاق الزينة هنا تشمل كل ما فى الحياة من طيبات لم يرد فى القرآن الكريم نص قطعى الدلالة يحرمها ، ولا يترتب عليها ضرر للفرد أو الجماعة ، كما لا يترب على الاستمتاع بها الانشغال عن تأدية فرائض العبادات ، أو تعطيل العمل وقلة الإنتاج ؛ فالإسلام لا يعرف هذا الغلو فى العبادة ، ولا يقر التشدد فيما فرضه الله ، فهو يعلن فى القرآن الكريم أنه لايبغى من وراء ما فرضه على الناس أن يوقعهم فى حرج ، فقال تعالى : ﱡ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﲁ ﱠ[المائدة: ٦ ] ، وقال رسول الله e : " إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا."[ رواه البخارى ومسلم ] ، كما روى عن حميد الطويل أنه سمع مالك بن أنس y يقول : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبى e يسألون عن عبادة النبى فلما أُخْبِروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : أين نحن من النبىe، قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فقال أحدهم : أما أنا فإنى أصلى الليل أبداً ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج . فجاء رسول الله e إليهم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له ، ولكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى." [رواه البخارى].
فهذه النصوص تدل على أن الغلو فى الدين والتشدد فى البعد عن طيبات الحياة ليس من الإسلام ؛ لأنه دين الحياة ، جاء ملائماً لطبيعة الإنسان ، فلم يفرض عليه ما يعكر عليه صفو حياته ، أو يحرمه من الملذات الطيبة ، بل إنه عندما فرض عليه فروضاً راعى قدرته على القيام بها ، فقال تعالى : ﭐﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﳝ ﱠ [ البقرة: ٢٨٦]، فظهور هذا التيار فى المجتمعات الإسلامية انعكاس للأمية الدينية ، وتلبية لما ينشره من يتصدرون الدعوة فى وسائل الإعلام المختلفة الذين لا تؤهلهم ثقافتهم للحديث عن تعاليم الإسلام الصحيحة ، ولا تمكنهم من معرفة ما ينبغى أن يكون عليه المسلم فى المجتمع المعاصر .
الظاهرة الرابعة : التطرف والعنف ، وليست هذه الظاهرة جديدة على المجتمع الإسلامى ، بل ظهرت جماعات متطرفة عبر التاريخ الإسلامى ، ولكنها لم تكن بهذا الانتشار وهذا الشيوع ، بل كانت محصورة فى جماعات قليلة العدد ، فحوصرت آنذاك بعامة المسلمين الذين أنكروا عليهم اتجاه العنف والقتل .
قد يكون السبب فى الانتشار الواسع اليوم عوامل أخرى خارجة عن المجتمعات الإسلامية، وذلك بتدبير مخابرات أجنبية تريد إضعاف العالم الإسلامى وزيادة تركيعه أمام متطلبات " الاستعمار الجديد " ، وإلا فمن أين يأتى تمويل هذه الجماعات ، وهو بالملايين ، بل بالمليارات ! ومن يمدهم بهذا السلاح المتطور الذى لا تملك مثيله بعض دول المنطقة ! إنه الهجوم الأجنبى غير المباشر على العالم الإسلامى مستغلا فريقاً من أبنائه الذين ليست لهم من الثقافة الإسلامية ما يمكنهم من معرفة تعاليم الإسلام التى تحرم إزهاق الأنفس البريئة بغير ذنب وتدمير ممتلكات الشعوب الإسلامية التى أقامتها بعرق أبنائها ، فهؤلاء الشباب المُغَرَّر بهم لا يعرفون من تعاليم الإسلام إلا قشور ، وليس عندهم من قيم الإسلام شروى نقير ، وإلا لعرفوا أن الإسلام حرم قتل المؤمن ، وأنذر من يقدم على ذلك بخمس عقوبات، فقال تعالى: ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﱠ [ النساء: ٩٣ ] ، كما حرم قتل النفس بصرف النظر عن عقيدته ، أو جنسه ، أو هويته ، فقال تعالى :
ﱡﭐ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱪ ﱠ[ المائدة: ٣٢] ، أى أن قتل النفس والفساد هو اعتداء على المجتمع كله ، فهو تدمير للمجتمع الإنسانى ، ويجب على الجميع التصدى لهم ، فهم بغاة إن لم يسمعوا لنداء الله وينخرطوا فى الجماعة الإسلامية المسالمة فعلى الجميع محاربتهم حتى يرتدعوا ويتركوا العنف والفساد فى الأرض ، فقال تعالى : ﱡﭐ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ[الحجرات: ٩ ]
فقد رسم القرآن الكريم أسلوب التعامل مع هؤلاء الذين رفعوا السلاح فى وجوه الناس وقتلوا الأبرياء وأفسدوا فى الأرض ، وذلك بدعوتهم إلى الجلوس على مائدة المفاوضات للصلح بينهم وبين الآخرين المختلفين معهم ، فإن أبوا وبغوا فعلى المسلمين قتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله فيتصالحوا ويعيشوا مع الآخرين فى سلم واطمئنان .
انتشرت هذه الظواهر الأربعة فى المجتمعات الإسلامية ، ولحقتها توابع أخرى لا تقل بشاعة عنها ، مثل : فساد أخلاقى بصوره المتعددة : كذب وافتراء ، وإهمال فى العمل ، وغش فى المعاملات ، وكسب حرام بمستويات شتى كالرشوة ، واستحلال المال العام ، وجشع فى المعاملات التجارية ، واستغلال الضعفاء ، واللامبالاة إزاء ما يرتكب من آثام ، واعنداء على الغير، ومثاله الفاضح انتشار ظاهرة التحرش بصورة صارخة لم تحدث فى أى مجتمع ؛ إذلم نسمع عن تحرش جماعى فى أقل البلاد تخلفاً كما ظهر فى الآونة الأخيرة فى إحدى مدن الدلتا ، فضلاً عن القبح النوعى الذى عم الشارع الإسلامى ، فيصدم المشاهد ، وخاصة الأجنبى الذى يزور مجتمعاتنا مقنعاً إياه بدرجة تخلفنا عن ركب الحضارة .
إن هذه الصور بعيدة كل البعد عن قيم الإسلام وتعاليمه، فهى تنفر غير المسلم من التفكير فى اعتناق الإسلام ، فهى صور طاردة لمن يفكر فى الاقتراب من الدين الإسلامى ، ورحم الله الإمام محمد عبده ، فقد صور هذه الصورة أبلغ تصوير حين قال : هناك إسلام بلا مسلمين وهنا مسلمون بلا إسلام . أى أن سلوك غير المسلمين الذين عاش بينهم فترة من الوقت مطابق لتعاليم الإسلام ، أما المسلمون فليس بين سلوكهم ما ينبئ عن تعاليم إسلامية ، ويعبر عن هذا المعنى ماقاله لى أحد الألمان بعد ما قرأ كتابى عن الطهارة : من يقرأ هذا الكتاب ولم ير المجتمع الإسلامى يعتقد أنه من أنظف المجتمعات الإنسانية ، لكن الواقع خلاف ذلك ، ويؤكد هذا ما رواه لى أحد الأصدقاء : كان له صديق أمريكى اعتنق الإسلام عن طريق قراءته للقرآن الكريم وبعض الكتب ، ثم جاء لزيارة بعض البلاد الإسلامية التى بدأ فيها الإسلام – حسب تعبيره – فلما عاد سأله أصدقاؤه عما وجده فى موطن دينه الجديد ، فقال لهم : لو رأيت هؤلاء القوم قبل أن أسلم ما أسلمت .
وسط هذا الركام من تدنى الأخلاق فى المجتمعات الإسلامية ، وظهور التيارات الفكرية التى شوهت صورة الإسلام السمحة ، فلطختها بما ينفر المجتمعات غير الإسلامية بكل مايمت إلى الإسلام بصلة ، تارة برفض عناصر الحضارة ، حتى وإن كانت فى صالح حياة الفرد وتقدم الأمم ، وتارة بالانعزال عن الأنشطة اللازمة لحياة الإنسان ، وأخرى بإشاعة الرعب فى جنبات المجتمعات الإنسانية بصوره المتعددة من قتل وتشريد وتدمير الممتلكات ، وتحطيم الآثار حتى أصيب الناس بالرعب، فرددوا القول المأثور : إنج عمرو فقد هلك عمير ....
مسئولية مَنْ ؟
وسط هذا كله انطلقت دعوة تجديد الخطاب الدينى ، فرددها كثير من الناس على اختلاف مستوياتهم : من إعلاميين ، وكُتَّاب ، ومفكرين ، وغيرهم من شرائح المجتمع من أعلى قمته حتى قاع طبقاته الاجتماعية .
تجاوبت بعض المؤسسات مع هذه الدعوة فعقدت مؤتمرات ، وانعقدت ندوات وورش عمل باختلاف مستوياتها وتحصصاتها حتى أصبحنا نمسى ونصبح على سماع خطب ، ونقرأ مقالات ، ونشاهد تجمعات يدور الكلام فيها عن تجديد الخطاب الدينى ، حتى ظن كثير من الناس - ومن بينهم مثقفون وأصحاب قرارات فى الدولة – أن التجديد المنشود ينحصر فى الخطب المنبرية والكتب الدينية والمناهج الدراسية فى الأزهر فقط ، فطفقوا يركزون فى تناولهم للموضوع على هذه العناصر الثلاثة فقط ، ناسين ، أو متجاهلين عناصر أخرى لها تأثير كبير فى تجديد هذا الخطاب ، فإذا كنا جادين فى دعوة تجديد هذا الخطاب فينبغى أن نركز على العناصر التالية :
1. المناهج الدراسية ليس فى الأزهر فقط ، بل فى جميع المدارس ، ولنبدأ بالمرحلتين:الابتدائية والإعدادية ، إذ ينبغى أن تهدف المناهج الدينية فى هاتين المرحلتين إلى غرس القيم والمبادئ فى وجدان النشء ، بحيث تتكون شخصيتهم على أساس تربوى سليم ، فيتعود الدارس على الصدق فى كل سلوكه مع نفسه ومع الآخرين ، وعلى الجد والاجتهاد فيما يطلب منه ، وعلى الإتقان فيما يقوم به ، وعلى الالتزام فيما يسند إليه ، وعلى احترام الآخرين والدفاع عن حريتهم ... وغير ذلك من القيم التى تُكَوِّن إنساناً صالحاً لنفسه ومعطاءً لمن حوله ، وقادراً على الابداع والابتكار للإسهام فى بناء حضارة تواكب العصر ، فلا يتخلف عن ركب الحضارة الحديثة ، ولا يقف عاجزاً أمام ما يعتريه من مشكلات وأزمات ؛ لأن المنهج الدينى زوده بكل ما يحتاجه فى حياته ، وغرس فيه كل ما يؤدى إلى الإيمان بقيم العدالة ، والتكافل ، ومساعدة الآخرين أيًّا كان دينهم ومذهبهم ، والأخذ بيد الضعفاء ، فضلاً عن غرس بذور الحرية فى وجدانه، فلا يرضى بالضيم لنفسه ولا لغيره ، ولا يستكين لظلم حاكم ، ولا يخضع لجبروت متكبر ...وغيرذلك الكثير من المبادئ التى يحتاج إليها الإنسان فى هذا العصر – وفى كل عصر – كى يحيا حياة سعيدة، ويعيش عيشة كريمة .
إن من عناصر تصحيح الخطاب الدينى فى المجتمع أن تكون صورة الدين لدى الشباب بعيدة عن الأوهام والخرافات، ومتسقة مع متطلبات حياته ، ولا يكون ذلك إلا بتصوره لمبادئ الإسلام الصحيحة ، التى تجعله يتجاوب مع عصره ، مع عدم البعد عن الدين . ومما لاشك فيه أن تدريس مادة الثقافة الإسلامية لجميع طلاب كليات الجامعات فى العالم الإسلامى يسهم إلى حد كبير فى هذا الصدد – لأن عدداً كبيراً من المنتمين للجماعات المتطرفة من خريجى الكليات العملية - بشرط أن يراعى فى وضع منهجها ما يلى :
- تنمية الروح الدينية عند الطالب ، سواء أكان ذلك من جانب الاعتقاد بخالق الكون ، أو من ناحية أن الدين – وخاصة الدين الإسلامى – يحث على البحث فى الكون ، واستكشاف أسراره ، وتسخير ما فيه لمصلحة الحياة الإنسانية.
- تقويم السلوك ، وذلك بالنص فى المنهج على القيم والمبادئ التى تدعو إلى التحلى بالأخلاق الحميدة ، والالتزام بكل ما يحقق للإنسان سلاماً وأمناً واطمئناناً .
- من أهم ما يحتوى عليه منهج الدراسة للثقافة الإسلامية أن يقوم على أساس القرآن الكريم ، وعلى ما أجمعت الأمة على صحته من السنة النبوية الشريفة ، مبتعداً عن الخلافات المذهبية أو البيئية ، أو التى ارتبطت بأحداث وقعت فى العصور السابقة ، ولم يعد لها وجود الآن ، فالمنهج السليم لابد أن يقوم على المبادئ الأساسية فى الإسلام ، مع مراعاة مناقشة مشاكل العصر وطرح حلول دينية لها ، تناسب ظروف البيئة ، مع الالتزام بوضعها فى إطار الممكن بالنسبة لجمهور المسلمين .
- التركيز على أن اختلاف العلماء فى الأحكام الدينية أمر طبيعى ، ينبغى أن يتقبله المسلم بارتياح ؛ لأن فلسفة الحياة تقوم على هذه الظاهرة ، ولأن ذلك من طبيعة الإسلام من ناحية كونه عالميًّا لكل البشر فى كل أقطار الأرض . ومما لاشك فيه أن ظروف الحياة على هذه الكرة الأرضية متباينة ، بل ومتباعدة أحياناً، فكان لابد أن يكون هناك فى مسائل التشريع الحياتية – والعبادية أحياناً – تنوع ، حتى تتاح الفرصة ليطبق كل مجتمع ما يلائم ظروف حياته الزمانية والمكانية ، فإذا فهم الطالب ذلك خفت حدة التعصب ، وتوارى التطرف ، وبذلك تختفى الصراعات المذهبية ، ويتوارى العن
ف الطائفى ، فيطمئن الفرد ، وتنتظم نغمات الحياة ، ويعم الأمن والاطمئنان فى المجتمع .
- ومن العناصر المهمة – إن لم يكن أهم عنصر – فى مقرر الثقافة الإسلامية : الاعتراف بالآخر ، وأقصد به : احترام عقيدة الآخرين وشريعتهم، حتى لو كانوا كفاراً ووثنيين، لأن ذلك منصوص عليه فى القرآن الكريم ن وذلك فى قوله تعالى : ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [ الكافرون: ٦ ] . فمن باب أولى أصحاب الرسالات السماوية ، كاليهود والنصارى ، الذين سماهم القرآن الكريم : أهل الكتاب ؛ لأن من أركان الإسلام الأساسية : الاعتراف بمن أرسله الله قبل محمد ، كما جاء فى قوله تعالى: ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﱠ[ البقرة: ٢٨٥] . فالإيمان الصحيح ، والإسلام المقبول هو الذى يتضمن الاعتراف برسالة موسى وعيسى عليهما السلام ، فإذا استقر ذلك فى وعى الطالب نظر إلى أتباع هذين الرسولين - وإن اختلف فهمهم لما أُنْزِل عليهما مع ما أخبر به القرآن الكريم – بأنهم إخوان له فى العقيدة ؛ إذ يجمعهم قاسم مشترك ، ألا وهو : أن رسالتهم سماوية ، فهى من المنبع الذى نزل منه القرآن الكريم ، والجميع يتوجهون بالعبادة إلى إله واحد ، وإن اختلفت تصوراتهم له ، وتباينت طرق التوجه إليه . وبذلك تسود روح الأخوة بينهم ، ويساند بعضهم بعضاً فى نشر المبادئ المشتركة ، ومواجهة العدو المشترك ، ألا وهو : الماديون الملحدون ، الذين يناصبون الدين العداء ؛ فهم ينشرون الرذيلة فى المجتمع ، ويغرسون روح العداوة والبغضاء بين الشعوب ، ليدمروا العالم ، فأولى بنا أن نبنى مقرراتنا الدراسية على التسامح والود مع أبناء الأديان السماوية لإعداد شباب يضع يده مع أيدى شباب هذه الأديان ليواجهوا سويًّا هذه الفوضى العارمة التى يبثها أعداء الأديان فى المجتمع ، وبذلك نبنى بيئة حياتنا على أساس سليم ، ونُؤَمِّن مستقبلنا بِسياج يستعصى على الاختراق ، لنصد كيد من يريد للمجتمع سوءًا أو يضمر له حقداً .
- بيان أن الإسلام ليبس صلاة وصياماً فقط ، وإنما هو دين يحث على العمل الدنيوى لإعمار الأرض، جنباً إلى جنب مع أداء العبادات المفروضة ، بل إنه يعتبر إعمار الأرض عبادة لله ، ويفضل طلب العلم على الاعتكاف فى المساجد ، يقول رسول الله e : " .... وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ...." ، كذلك يفضل نشر العلم على تأدية النوافل من صلاة وصيام؛ فقد سئل رسول الله e عن رجلين فى بنى إسرائيل ، أحدهما كان عالماً يصلى المكتوبة ، ثم يجلس فيعلم الناس الخير، والآخر يصوم النهار ويقوم الليل ، أيهما أفضل ؟ فقال رسول الله e: " فضل هذا العالم الذى يصلى المكتوبة ثم يحلس فيعلم الناس الخير على العابد الذى يصوم النهار ويقوم الليل كفضلى على أدناكم رجلاً ."
وعليه فينبغى أن يحتوى مقرر الثقافة الإسلامية على هذا المعنى ، كى لا يستغرق الشباب فى العبادة ، مهملاً واجبه إزاء أمته ، ذلك الواجب الذى يحتم عليه دينيًّا أن يبذل قصارى جهده فى سبيل التنمية ، حتى تستطيع الأمة الإسلامية أن تحتل موقعاً ملائماً فى سلم الحضارة الإنسانية ، ففى القرآن الكريم آيات كثيرة تحث على النظر والبحث فى الكون والطبيعة والإنسان وغيره من الكائنات الحية . يجب أن يعرف الطالب هذه الآيات ويفهمها فى دراسته لمقرر الثقافة الإسلامية ، كى يدرك أن الإسلام دين ودنيا ، عبادة وعمل، روحانية ومادية .
- لا ينبغى أن يقوم منهج الثقافى الإسلامية على حفظ آيات من القرآن الكريم ، وتلقين أحاديث من السنة النبوية فقط ، بل ينبغى أن يكون له من المقومات ما يساعد الطالب على فهم روح الإسلام ، واستكشاف أسلوب معاملته فى تقويم الإنسان ، ذلك الأسلوب الذى من أهم معالمه : النيسير لا التشدد ، تنفيذاً لأمر رسول الله e فيماروى عنه أنه قال : " يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ."، كما من أهم معالمه أن الأصل فى الأحكام الإباحة ، ما لم يرد نص قطعى الدلالة بتحريمه ، أما ما يحتمل أكثر من وجه فروح التعاليم الإسلامية تقضى أن يأخذ المسلم من هذه الآراء ما يسهل له سبل الحياة ، ويتلاءم مع ظروفه ومعطيات عصره ، فقد روى عن عائشة أنها قالت : " ما خُيِّر رسول الله e بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ."
- بيان أن التراث الفكرى للمسلمين لا يقبل كله ؛ لأن ذلك يوقعنا فى تناقض ؛ لأن فيه من الآراء مايناقض بعضه بعضاً ، ولذا ينبغى أن ننقيه ، فنقبل منه ما وافق القرآن الكريم ، فإن لم يكن له مثيل فى القرآن، احتكمنا إلى العقل ، فنقبل ما يقره العقل ، ونرفض ما يرفضه ، وبذلك ننقى التراث من الخرافات والأساطير التى ليس لها أصل فى القرآن الكريم ، فننقذ الشباب من الأوهام التى عطلت قدراته العقلية ، ونحميه من التصورات الهلامية التى أعجزته عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة .
- غرس المبادئ والقيم الاجتماعية والإنسانية فى نفس الطالب ، مثل : الصدق ، والأمانة ، والالتزام، والشرف ، وحقوق الجار ، وبر الوالدين ، وغيرها من الأخلاق التى تميز الهوية العربية والإسلامية عن غيرها، وكذلك العدل ، والسلام، والأخوة الإنسانية ، وكيفية التعامل مع الشعوب ، والأعراق ، والجنسيات الأخرى.
- ينبغى أن يشتمل منهج الثقافة الإسلامية على تعويد الطالب على السلوك الحضارى ، مثل : النظافة، والنظام ، والمحافظة على البيئة ، واحترام المواعيد ، وتنمية التذوق الجمالى عنده والحرص عليه ، سواء فيما يتعلق به شخصيًّا ، أو يرتبط بما يحيط به مما يتخذه فى شئون الحياة العامة . كذلك الالتزام بما تعارف عليه المجتمع من تقاليد وعادات ، وتجنب ما يستقبحه المجتمع وينبذه من سلبيات ، وبذلك ينسجم سلوكه مع الذوق العام ، ويلتحم أسلوب حياته مع عادات أمته وتقاليدها .
ومما لاشك فيه أنه إذا روعى فى وضع منهج الثقافة الدينية لطالب الجامعة ما بيناه سابقاً ، فلسوف نُخَرِّج طالباً سويًّا فى تفكيره ؛ ينظر إلى ما يحيط به من تيارات فكرية نظرة فاحصة، ينتقى منها ما يعود عليه بالنفع والاطمئنان ، ويرفض ما فيه ضرر له ولأمته ، الأمر الذى لا يحتاج معه إلى وصاية فكرية ، أيًّا كان نوع هذه الوصاية ؛ فهو قد حُصِّن بالمبادئ الدينية التى تغذى الجانب الروحى عنده ، تلك المبادئ التى لا تفصله عن متطلبات عصره ، فهى تدعوه إلى استعمال العقل ، والنظر إلى اختلاف الآراء وتعددها بارتياح ، فلا ينزعج من كثرتها ، ولا يعتريه القلق من غلو بعضها ، وإهمال البعض الآخر للمبادئ والقيم ؛ لأنه تعلم فى مدرج الدراسة أن هذا هو طبيعة الفكر الإنسانى ، وتلك هى فلسفة الحياة فى المجتمعات الإنسانية ، فعليه – بتكوينه الفكرى على منهج من هذا النوع – أن يناقش كل ما هو مطروح على الساحة بنفسه ، وأن يرد بالأدلة الواضحة والحجج والبراهين الساطعة ما يراه منحرفاً ، وأن يؤيد ما يراه تدعيماً لهويته ، وتمكيناً لثقافته ، وترسيخاً لتقاليد وعادات أمته .
ومن الجدير بالذكر أن الأنشطة الثقافية والفنية المختلفة تؤثر تأثيراً كبيراً على سلوك الفرد ، ولذا ينبغى تعميمها فى جميع مراحل التعليم حتى يستقيم السلوك ، فينشأ الطلاب مسالمين متحابين ، بعيدين كل البعد عن العنف ، ومتحصنين ضد كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار فى المجتمع .
2. وسائل الإعلام ، وخاصة المرئي متها ؛ إذ يؤثر المعروض على الشاشة على سلوك الناس بصورة كبيرة، لأن الصورة تستولى على الوعى ، وتتجذر فى وجدان المشاهد ومشاعره ، لذا ينبغى أن يراعى فى عرض البرامج – أيًّا كان نوعها – هذا الجانب السحرى الذى يدخل فى سلوك الناس ، ويحدد اتجاه وعيهم ، ويصيغ تعاملهم مع أنفسهم ومع الآخرين . فلو ظهر على الشاشة من يتحدث باسم الإسلام ويخوض فى المسائل الفقهية دون أن يكون عنده خلفية ثقافية تؤهله للخوض فى هذه المسائل ، فسوف يكون لكلامه تأثيرات عدة : إما أن يغيب عقول الجماهير، فيغرقهم فى خرافات وأساطير لاتمت إلى قيم الإسلام وتعاليمه بأى صلة ، وإما أن يدفعهم إلى الغلو فى تأدية العبادات دون نظر إلى الإنتاج والعمل فى المجالات التى تسهل عليه حياته ، وتمكنه من الإسهام فى تقدم الأمة وازدهار حضارتها ، أو يقوده إلى الانخراط فى سلك الجماعات المتطرفة ، فيعلن الحرب على المجتمع فيعتدى على الأنفس والممتلكات ، فيكون مصدر زعزعة الاستقرار وهلك المجتمع فى الداخل الإسلامى ، وفزاعة تروع الآخرين ، فيحولهم إلى عداوة الإسلام بدلاً من الاقتراب من تعاليمه ، فيرفضون كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ، ويدفعون أقوامهم إلى محاربة الإسلام ورفض سماع كل صوت إسلامى ، حتى ولو كان معتدلاً .
ولا يقتصر التأثير العكسى لبرامج التليفزيون على الحديث فى المسائل الدينية بغير علم ، بل يتعداه إلى البرامج الأخرى من مسلسلات وحوارات وغيرهما مما يعرض على الشاشة ، فإن لهذا تأثيراً كبيراً فى تكوين وعى الأمة وتوجيه سلوك أفرادها ، إن خيراً فخير وإن شرًّا فشر ، ولذا ينبغى مراعاة هذا التأثير فتوجه البرامج الوجهة التى تؤدى إلى الإصلاح لا إلى الإفساد ، فكثير من الأخلاق السيئة التى انتشرت فى المجتمع يعود فى معظمه إلى التأثير مما تبثه هذه القنوات ، فإذا أردنا تجديد الخطاب الدينى ، فينبغى ألا نهمل إصلاح هذا الجانب، حتى لا يُدَمَّر ما يبثه الآخرون فى الصرح الأخلاقى . وهنا أيضاَ لايقتصر الأمر على الشاشة بل يشمل كل وسائل الإعلام ، مقروءاً ومسموعاً بأى شكل من أشكال الاتصال بالجماهير .
3. وزارة الشباب والرياضة : تشرف هذه الوزارة على قطاع كبير من الشباب الممارسين لأنواع متعددة من الألعاب الرياضية ، وتهتم بتأهيلهم طبقاً لنوع الألعاب ، ولا يخفى على أحد أن هذه الوزارة ليست مكلفة فقط بتأهيلهم رياضيًّا، بل واجب عليها أيضاً تربيتهم أخلاقيًّا ، لأن الأخلاق صنو الرياضة ، بل من الأهداف المرجوَّة من ممارسة أى نوع من أنواع الرياضة هو تهذيب الأخلاق ، ولذا يردد المرء عندما يشتد التلاسن بين اثنين : لتكن أخلاقكما رياضية . أى أن الرياضة تغرس فيمن يمارسها حسن الخلق ، فلا يتعصب ، ولا ينفعل عند الهزيمة ، بل يقابلها برضا واستسلام ، واعتراف للفائز بفوزه وتهنئته . ولا يتحقق ذلك إلا إذا اهتمت الوزارة بالتربية الأخلاقية بجانب التربية الرياضية ، بل إلا إذا امتد نشاطها الأخلاقى إلى كل المجموعات المتصلة بالفرق كالمشجعين والمساندين ، فلو قام المسئولون عن الشباب فى هذه الوزارة بهذا الجانب الأخلاقى ما ظهرت البذاءات فى الملاعب ، وما رأينا الاعتداءات المشينة على المنافسين التى وصلت إلى القتل والتدمير، وما أحداث بور سعيد ببعيدة عن أذهاننا ؛ فهى سبة فى جبين كل القائمين على الرياضة والمهتمين بهذا النشاط بين الشباب . ولذا ينبغى على المؤسسات الرياضية أن تضع فى مناهجها ما يقوم أخلاق الشباب ويهذب سلوكهم ، فيبعدهم عن العنف وممارسة الاعتداء على الآخرين . ومما لاشك فيه أن هذا عنصر من عناصر تقويم الشباب ، حتى يكونوا أعضاء صالحين فى المجتمع ، وذلك ليس ببعيد عن منهج تجديد الخطاب الدينى ، بل هو من الأسس التى يقوم عليها الخطاب لبناء أفراد لهم من القدرة والإمكانية ما يمكنهم من الالتزام بكل مايؤدى إلى سلامة المجتمع ، والدفاغع عنه ضد كل من يريد هدمه أو إلحاق الأذى به .
4. وزارة الثقافة : الثقافة فى اللغة العربية : الحذق والتمكن ، وثقف الرمح ، أى قوَّمَه وسوَّاه ، وعليه فيقال : شخص مثقف ، إذا كان مهذباً ومتعلماً ، ومتمكناً من العلوم والفنون والآداب ، فالثقافة هى إدراك الفرد والمجتمع للعلوم والمعرفة فى شتى مجالات الحياة ، فكلما زاد نشاط الفرد ومطالعته واكتسابه الخبرة فى الحياة ، زاد معدل الوعى الثقافى لديه وأصبح عنصراً بنًّاءً فى المجتمع .
فالواجب على وزارة الثقافة تهذيب السلوك ، وترقية المشاعر والوجدان لدى الأفراد ، وذلك باتخاذ كل ما من شأنه الوصول بالفرد إلى مرحلة يحس فيها بأنه جزء من كل ؛ تربطه روابط إنسانية بمن يعيش معه فى بيته وعمله وفى كل مناحى نشاطه ، فيحافظ على العلاقة الطيبة بينه وبين من يحتك به فى كل تحركاته ، ويرتقى ذوقه إلى الشعور بأنه جزء أيضاً فى المجتمع الإنسانى ، فلا يرفض أحداً لأنه يختلف معه فى الثقافة، ولا ينبذ من يخالفه فى عاداته وتقاليده ، ولا يعتدى على أحد لمجرد أن له عقيدة ومذهباً يتنافى مع عقيدته ومذهبه ، فالكل بالنسبة له مرتبط به : عقيدة ، أو مذهباً ، أو جغرافيًّا ، وتناغم معه إنسانيًّا ، فيجب أن يعامل الجميع ويتعامل معه بمثل ما يحب أن يصدر منه إزاءه ؛ فقد قال رسول الله : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ، فالأخوة هنا تشمل الأخوة : فى النسب ، أو العقيدة ، أو الجوار الجغرافى ، أو الارتباط العام الذى يربط الناس جميعاً ، وهو الإنسانية .
ولاتصل وزارة الثقافة إلى هذه الدرجة من التثقيف والتهذيب إلا إذا كان لديها خطة مدروسة ، وعزم أكيد على تنفيذها ، وإرادة قوية عند من يشرف على تنفيذها ، وإيمان عميق عند كل من يعمل فى هذه الوزارة بهذا الهدف ، فلا يهمل فى اتخاذ ما يلزم للوصول إليه ، ولا يتواكل فى وضع البرامج اللازمة لذلك ، ولا يتكاسل فى تأدية القيام به .
وإذا سأل سائل : ماهى الآليات التى تمكن الوزارة من تحقيق ذلك ؟
فالإجابة واضحة لكل ذى عين وبصيرة ؛ فلدى الوزارة قصور ثقافية ، ومن اسمها : " ثقافية" يفهم المرء أن وظيفتها التثقيف والتهذيب ، فإذا فهم القائمون عليها هذا ، وكان لديهم الإمكانية والقدرة على العمل فى هذا المجال ، استطاعوا أن يضعوا من البرامج ما يوصلهم إلى الهدف المرجوّ ، ألا وهو بناء الفرد الصالح ليكون لبنة صالحة فى صرح الأمة ، تزيدها قوة ومناعة ضد عوامل الهدم والتخريب .
ماذا فى يد وزارة الثقافة للوصول إلى هذا الهدف ؟
لديها عناصر كثيرة وفعالة فى وجدان الأمة ؛ فعندها قصور الثقافة المنتشرة فى كثير من أحياء المدن وفى قرى ومراكز عدة لو استغلت فى إلقاء محاضرات لمفكرين وعلماء دين لأثرت تأثيراً كبيراً فى هذا المجال . وهى تشرف أيضاً على مايطلق عليه: أدوات الثقافة الناعمة، فنون بجميع أنواعها : مسرح ، فرق موسيقية ، صور عديدة من الغناء الذى يرقق المشاعر،ويهذب السلوك ، مسلسلات ، أفلام وغيرها الكثير من الأنشطة التى تؤثر بطرق غير مباشرة على سلوك الناس وتوجههم تلقائيًّا إلى ما يبتغيه المصلحون ، وتنشده القادة للأمة من : سلوك حضارى ، وترسيخ لقيم وعادات تقوى تماسك الأمة ، وتدفع أفرادها إلى التلاحم فى مجالات عديدة : إنتاجيَّة ، وأخلاقية ، وإبداعية وغيرها مما تنشده الأمم المتحضرة لأبنائها . وقد وصلت أمم كثيرة إلى ذروة المجد والتحضر بواسطة استغلالها لهذه الأدوات ، فإذا أردنا الإسهام فى تجديد الخطاب الدينى فيجب ألانهمل هذا الجانب فى مسيرة التجديد وإلا أصيب البناء الإصلاحى فى عنصر من أهم العناصر الفاعلة فى رقى الأمم .
5. وزارة الأوقاف : تشرف هذه الوزارة على عشرات المساجد بل قد يبلغ عددها مائة ألف ، يعمل بها مائة ألف خطيب ما بين معين ومنتدب لخطبة الجمعة ، فتأثير هؤلاء الأئمة على المسلمين كبير ، وخاصة على عامتهم ، فهم يصدقون كلامهم دون تردد ، لأنهم يعتقدون أنه يعبر عن صحيح الإسلام ، فهو مقدس لايجوز معارضته . فإذا نظرنا بعين فاحصة وعقل واعٍ إلى هؤلاء لتبين لنا أن كثيراً منهم – إن لم يكن معظمهم – يحتاج إلى إعادة تأهيل ؛ لأن أفكارهم لاتخرج عما دُوِّن وسُطِّر فى الكتب القديمة ، هذا إذا كانوا قد اضطلعوا عليها وألموا بما فيها من أفكار ؛ فعدد غير قليل منهم لم يضطلع إلا على النذر اليسري من هذه الكتب. وعلى فرض أنهم اضطلعوا على ما فيها من آراء وأفكار متعددة فى المسألة الواحدة ، وأدركوا كنهها بالنسبة للتشريع الإسلامى ، فكثير منهم لا يعى أن ما كتبه الأولون ليس إسلاماً ، وإنما هو فكر إسلامى يعبر عن بشرية من كتبوه وتوصلوا إليه بمستوى قدرتهم الثقافية ، ووعيهم لثقافة العصر الذى عاشوا فيه . فنحن نسمع ممن يعبرون عن هذه الآراء كلاماً - فى كثير منه - بعيداً عن عصرنا الحالى ، فهم فى جملتهم يعبرون عن ثقافة عصر غريب عن المجتمع المعاصر .
فيجب على وزارة الأوقاف اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تأهيل هؤلاء الأئمة تأهيلاً يمكنهم من إدراك معطيات العصر، حتى يستطيعوا مخاطبة الناس بلغة يفهمونها ، ويشرحوا لهم تعاليم الإسلام بما يتفق وأسلوب الحياة المعاصرة ، وبما لا يعارض نصًّا قطعى الدلالة – وهو قليل جدًّا فى نصوص القرآن الكريم – وماعداه يحتمل وجوهاً تلبى حاجات نظم الحياة المختلفة ، ويتفق مع تطور الحياة وأساليب المعيشة فى العصور المختلفة ، فالله أنزل هذه النصوص على هذا الوجه ليبين للناس أن الإسلام صالح لكل بيئة إنسانية ، ومتناغم مع تطور العصور والأزمان ، وذلك مايعبر عنه بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان .
كيف يكون التأهيل ، وماهو برنامجه .
يقتضى برنامج التأهيل إنشاء شبكة " فيديو كونفرنس Vidiokonference" ، وذلك بتركيب شاشة عرض كبيرة فى المسجد الجامع فى كل حى من أحياء المدن ، وفى المسجد الكبير فى كل قرية ، بحيث تتصل هذه الشاشات بالمركز الرئيس فى مسجد النور ، ويدعى علماء متخصصون فى شتى العلوم التى يحتاج إليها الإمام فى تأدية واجبه على الوجه الأكمل ليلقوا محاضرات فى المسائل الدينية المعاصرة ، فيعرضون رأى الدين فيها ، كما يتناولون المشاكل التى تستجد لحلها دينيًّا بأسلوب معاصر متحرر من اللغة القديمة ، ومخالف لما كان عليه آراء القدماء إن اقتضى العصر ذلك ، بحيث لايتنافى مع مفهوم النصى القرآنى ، لأن آراء القدماء اقتضها ثقافتهم وظروف معيشتهم ، فلو وُجِدوا الآن لغيروا كثيراً من آرائهم . ولا تقتصر هذه المحاضرات على علماء متخصصين فى الدراسات الإسلامية ، بل يمكن أن يدعى إليها متخصصون فى مناحى العلوم المختلفة اللازمة لتأهيل الأئمة ، لدرجة أنه يجب أن تشمل هذه المحاضرات على دروس فى كيفية الإلقاء ، كى نُحَسِّن طريقة الإلقاء ، لأن بعض الأئمة يصرخون على المنبر صراخاً ينفر السامعين ويصيبهم بالصمم فلا يعون ما يقوله هذا الإمام الصارخ . وتبث هذه المحاضرت والدروس عبر الشاشات المنتشرة فى الأماكن التى بيناها سابقاً ويكون حضور أئمة المنطقة إليها لسماع ما يلقى واجب يحاسب من يتخلف عنها ، كما يسمح للعامة بسماعها حتى تعم الفائدة .
أما توجيه الأئمة إلى كيفية اختيار الدروس التى يلقونها على مدار الأسبوع ، كلٌّ فى مسجده وتعيين الموضوعات العامة التى تؤثر فى تكوين الشباب ، وتوجيه سلوك المسلمين إلى ما يحبه الله ورسوله ويسهم فى إشاعة الحب بين المؤمنين وكيفية تعاملهم مع مواطنيهم حتى يعم الأمن والسلام ، وبيشعر المواطنون بالاطمئنان والراحة فى أوطانهم فقد بينت ذلك بالتفصيل فى كتابى : " تجديد الخطاب الدينى بين العشوائية والمنهجية ".
ومما لاشك فيه أن تأثير هذا البرنامج لن يصل إلى الهدف المرجوّ والنتيجة المبتغاة إلا إذا تكاتفت مناهج المؤسسات التى ذكرناها آنفاً ، فقامت كل مؤسسة بما يجب عليها فى هذا المجال ، وإلا ضاعت جهود وزارة الأوقاف فى وسط هذا الركام من فساد أخلاقى من جراء ما تبثه القنوات من هراء وضلالات ، وعجز المؤسسات الثقافية عن القيام بواجبها لصد هذا الطوفان المشبع بترهات وأباطيل .
6. الأزهر : له ثلاث مؤسسات تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً فى تجديد الخطاب الدينى ، بل إنه بهذه المؤسسات يقود المؤسسات الأخرى فى الدول التى تسهم فى هذا الاتجاه ، ويوجهها ويرشدها إلى مايجب عمله للتأثير على الشباب ، بل على المسلمين جميعاً على اختلاف أعمارهم ودرجة ثقافتهم فى جميع أنحاء العالم ، ومن هنا يجب عليه أن يقوم بهذه المهمة حتى ينقذ الأمة الإسلامية من التدهور الأخلاقى الذى وصلت إليه ، ويحميها من السهام التى توجه إليها من أعدائها بحجة محاصرة أبنائها الخارجين على القانون ، وهم فى الوقت نفسه يحاولون إضعافها حتى لا تقوى على مواجهة من يريدون تدميرها . فعمل الأزهر له الأهمية الكبرى فى تجديد الخطاب الدينى بواسطة هذه المؤسسات الثلاثة التى يشرف عليها :
الأولى : مجمع البحوث الإسلامية ، وهيئة كبار العلماء ، فأعضاؤهما هم الذين يصدرون الفتاوى – وتشاركهم فى هذا دار الإفتاء المصرية – التى تحدد مسار المسلمين فيما يتعلق بسلوكهم الدينى ، ويبينون الأسلوب والمنهج الذى تلتزم به الدول فى قيادة الشعوب الإسلامية ، ولهذا تُوَجَّه إليهم الأسئلة من جميع فئات الشعوب الإسلامية ، وكذلك تلتزم الحكومات بما يرونه موافقاً للتعاليم الإسلامية فى سن القوانين ، ورسم السياسات العامة ، وانطلاقاً من هذا الدور ينبغى أن يمارس الأعضاء الموكلون بهذه المهمة ومعهما دار الإفتاء المصرية فى ردهم على الاستفسارات المتعددة التى توجه إليهم أسلوباً يتفق مع معطيات العصر وينسجم مع درجة الحضارة المعاصرة ، ولا يتصادم مع ما استقرت عليه الأمم والشعوب من مفاهيم وأحكام تتفق مع متطلبات الحياة الإنسانية ، وتلبى متطلبات الناس وأهداف الدول فى الأمن والطمأنينة ، ولا يغمضون العين عما يحدث من انتهاكات أخلاقية ، بل يجب الإدلاء بالرأى فيها دون خوف من بطش متجبر ، أو هجوم ظالم ،أو تطاول من سفيه .
يجب أن تصدر آراؤهم وفتاواهم معبرة عن سماحة الإسلام مع القريب والبعيد ، وموضحة تعامله الإنسانى مع كل الناس، دون تمييز لطائفة دون أخرى ، بل تتفق مع المبدأ العام الذى نص عليه القرآن الكريم فى قوله تعالى : ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱠ [الحجرات: ١٣]
ويجب ألاتقتصر الفتاوى على ماأفتى به العلماء فى القرون الإسلامية الأولى ، وسُطِّرَ فى الكتب التى تعرف بالتراث ، لأن ما أفتى به هؤلاء العلماء حددته ثقافة المفتى واقتضته ظروف العصر الذى عاش فيه ، فإن لم يوافق ما قاله ظروف عصرنا اجتهدنا للوصول إلى رأى يتفق مع معطيات عصرنا ، بحيث لا يخالف نصًّا مقدساً قطعى الدلالة . وليس هذا تَجَنِّياً على آراء القدماء ، ولا تنكراً لها ، فقد صرح كبارهم بما يتيح لنا ذلك ؛ إذ قال الشافعى t : " رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب ." وقال أبوحنيفة : " هذا أفضل ما توصلنا إليه فمن جاءنا بأفضل منه تبعناه " ، بل إن الإمام أحمد بن حنبل كان لايرى تدوين آراء العلماء لأنها – فى رأيه – ليست جديرة بالتدوين ونقلها للأخلاف وقَصَرَ التدوين على الكتاب والسنة ، وذلك ليجعل كلام الرجال خاصًّا بأزمانهم وعلاجاً لمشاكل عصورهم ولا ينقل إلى من بعدهم ، لكي لا ينتقل إلى الناس إلا ماهو جدير ومهم ، ألا وهو علوم القرآن الكريم وعلم النبى وأصحابه .
وبذلك نحافظ على مبادئ وقيم الإسلام ، ونثبت للقاصى والدانى أن التشريع الإسلامى صالح لكل زمان ومكان ؛ فهو لا يتعارض مع ضرورات العصر ، ولا يصطدم مع العادات والتقاليد المختلفة والمتعددة لدى شعوب العالم مادامت تصب فى مصلحة الفرد وتحافظ على تماسك المجتمع ، وتسمح للمبدعين فى الابتكار فى مجالات الحياة المختلفة ، فهو بذلك ينسجم مع حركة التطور ويواكب وقع الحياة ونَظْمَها .
الثانية : المعاهد الدينية ، تبلغ المعاهد الأزهرية فى مصر – حسب آخر إحصائية – أكثر من مائتى معهد ، ما بين حضانة ، وابتدائى وإعدادى وثانوى ، منتشرة فى مدن ومراكز وقرى جمهورية مصر العربية ، من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها ، ويدرس فيها أكثر من مليون تلميذ وتلميذة ، ومعظم مناهج الدراسة فيها مرتكز على التراث ، أى مأخوذ من الكتب التى سطرها علماؤنا فى القرون الإسلامية الماضية ، الأمر الذى دفع كثير من الأصوات المنتمية لتيارات فكرية متعددة تطالب بتجديد المناهج الدراسية وتعديلها لتواكب العصر ، فبعضها يصرح بضرورة تنقية التراث ، وهذه الدعوة غير منطقية ، وتتصادم مع ما اصطلحت عليه الحقائق التاريخية فى عالم المجتمعات الإنسانية، وأقرته الأعراف العلمية ، وحافظت عليه الأجيال فى جميع المجتمعات ؛ لأن التراث ذاكرة الأمة وتاريخها الفكرى وتطورها الثقافى ، فلا يجوز حذف جزء منه بحجة الإصلاح أو التطور، لأن فى ذلك ضياع صفحة من تاريخ إبداع الأجيال السابقة ، ولا تسمح الشعوب الواعدة بطمس أو محو أى جزء من صفحات تاريخها وإلا شُوِّه ماضيها ، وفقدت ركائز وجودها الفكرى . وعليه فمن أراد مواكبة العصر وسعى إلى تحديث المناهج الدراسية ليلحق بركب التطور والازدهار ، فعليه أن يبدع نظاماً يحافظ على تراثه وفى الوقت نفسه لا يتخلف عن الأخذ بوسائل التقد والرقى .
فما الذى ينبغى اتخاذه فى مناهج المعاهد الأزهرية بحيث يحافظ على تراثنا ، وفى الوقت نفسه نواكب مسيرة التحضر والازدهار فى جميع مجالات الحياة ؟
يجب أن نأخذ من التراث ما يناسب العصر ونعرضه بأسلوب عصرى حتى لا نفقد هويتنا ، وفى الوقت نفسه نضمن عدم انصراف الدارسين عما يتلقونه لاصطدامه فى العرض مع ما يرونه ويشاهدونه من أساليب عصرية فى مجالات الفكر المختلفة .... أما ما يرتبط بزمن مضى وبأحداث لم تعد موجودة الآن ، فنهمله – مع الحفاظ على شكله فى التراث حتى لايُطْمَس تاريخنا الفكرى – إن لم تحتم الحياة العصرية وجوده ، وإن كان ولابد من وجوده لمعالجة قضايا معينة ، فلنغير الحكم بما يتناسب مع روح العصر بشرط ألا يتناقض مع مبدأ إسلامى مجمع عليه ، او يخالف نصًّا مقدساً قطعى الدلالة ، لأن روح التشريع الإسلامى ونصوصه تسمح لنا بالجديد فى التشريع ، وعلماؤنا الذين تركوا لنا تراثاً فى كثير من المسائل الحياتية صرحوا لنا بأنه يمكن تغيير آرائهم إن اقتضت الضرورة ذلك ، وقد بينت ذلك فى صفحات سابقة .
وعليه فتجديد الخطاب الدينى فى هذا المجال – مجال المناهج فى المعاهد الأزهرية – يسير فى اتجاهين : عرض الصالح من التراث للعصر بأسلوب يفهمه الطلاب فى عصرنا الحالى ، وتغيير ما يمكن تغييره للحاق بمسيرة الحياة المعاصرة . وأظن – بل أعتقد – أن هذا الأسلوب سوف يُخَرِّج طلابا معتدلين فى أفكارهم ، ومتناغمين فى سلوكهم مع وقع الحياة المعاصرة ، محصنين ضد الأفكار المتطرفة ، ومتصالحين مع مجتمعهم ؛ فلا يحقدون على أحد ، ولا يعادون المخالفين لهم فى الرأى أو الدين أو المذهب ، بل سيقفون ضد من يحاول الاعتداء على أحد من أفراد المجتمع ، أيًّا كان دينه ومذهبه ، وذلك هو الهدف الأسمى من تجديد الخطاب الدينى .
الثالثة : الجامعة : تعتبر جامعة الأزهر من أقدم الجامعات فى العالم ، إن لم تكن أقدمها التى لازالت تؤدى وظيفتها العلمية إلى الآن ، فقد مر على إنشائها ألف وسبعة وأربعون عاماً ، كما تحظى بهالة مقدسة عند المسلمين فى جميع أنحاء العالم ، فكل المسلمين – بلا استثناء – يعتبرونها المرجع الرئيس والمصدر الآمن لمعرفة أحكام الإسلام وتعاليمه . وهى تضم 75 كلية منتشرة فى ربوع جمهورية مصر العربية ، من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها ، ويدرس فيها حوالى نصف مليون طالب وطالبة ، وتنقسم كلياتها إلى قسمين : كليات شرعية ، يدرس فيها العلوم الشرعية من : فقه وتفسير وتوحيد ودعوة وغيرها من العلوم الشرعية . والقسم الآخر يدرس فى كلياتها علوم مدنية – بجانب بعض المواد الشرعية الأساسية كمواد إضافية – كالهندسة والطب والتجارة والزراعة وغيرها من العلوم التى تتعلق بحياة الناس المدنية .
ولما كانت الجامعة – سواء كانت إسلامية أم مدنية – هى المصدر الرئيس لتوجيه شباب الأمة وتأهيله سلوكاً وتعاملاً مع نفسه ومع الآخرين ، فهى مسئولة بطريق مباشر اوغير مباشر عما يعترى المجتمع من فساد وانحرافات ؛ ذلك أن معظم أفراد المجتمع يقعون تحت تأثير ما تبثه الجامعة من قيم وآداب ، إما عن طريق من يدرس فيها ، أو عن طريق ما يبثه خريجوها من تعاليم وسلوكيات تلقونها فى دراستهم على من يتصلون بهم ، فتأثير التعليم فى الجامعة يصل إلى معظم أفراد الشعب ؛ إذ من لم يلتحق بها اتصل بصورة أو بأخرى بمن تخرج منها : ولذا ينبغى بذل قصارى الجهد فيما يغرس بمن يلتحقون بها من قيم وآداب ، وذلك عن طريق ما تحتويه مناهج الدراسة من قيم وأخلاق تسهم فى تكوين الفرد الصالح المحصن ضد التطرف والغلو ، وبعيد عن الانخراط فى موجات التشدد والإرهاب التى انتشرت فى ربوع العالم الإسلامى ,
وينقسم هذا المنهج فى جامعة الأزهر إلى فرعين : الأول يفرض فى الكليات المدنية ، ومضمونه الثقافة الإسلامية ؛ إذ يدرس الطالب فى هذه المادة ما ينمى الروح الدينية عنده بما يقوم سلوكه مع مراعاة مناقشة مشاكل العصر وطرح حلول دينية لها تناسب ظروف البيئة ، وتغرس فى وجدانه قيم التسامح والاعتراف بالآخر ، وبيان أن الإسلام ليس عبادة فقط ، ولكنه يدعو أيضاً إلى العمل والإبداع فى مجالات الحياة المختلفة ، وغير ذلك من القيم التى تُكَوِّن فرداً صالحاً فى المجتمع ، يسهم فى الحضارة ، ويحافظ على التراث الإنسانى ، ويحترم حياة الآخرين وممتلكاتهم.
أما ما يجب أن يدرسه طالب الكليات الشرعية ، إضافة إلى المواد المتخصصة الأخرى ، فهو وضع مادة تبين :
- القيم والمبادئ الإسلامية فى مجال حث الإسلام على استخدام العقل ، لأنه من خواص الجنس البشرى ، بل هو أهم ما يميزه عن غيره من الكائنات الحية .
- حرية الفكر ، فهى شرط أساسى لتقدم المجتمع، لأنها البوتقة التى تصهر فيها الآراء المختلفة ، فتعزل الآراء الهزيلة والمبادئ الهدامة ، فتخرج الآراء الصحيحة صافية نقية .
- بيان أن الإسلام بتركيزه على الجانب الروحى لم يغفل الجانب المادى ، ليستطيع المسلم الإسهام فى تشييد حضارة مادية تساعد على الحياة التى تهيئ للإنسان الاستمتاع بما فى الدنيا من نعم أحلها الله له .
- كما تغرس فى وجدانه الخلق الطيب ، والسلوك الحسن ، والاعتراف بالآخر والدفاع عما يتصل به من آراء ومذاهب مختلفة ، كى يعيش المجتمع فى أمن وأمان.
وغيرذلك من القيم والمبادئ التى تسهم فى تكوين الفرد الصالح الذى يحافظ على كيانه الإنسانى ، ويدافع عن وطنه ، ويحمى كل من يشاركه فى بلده ويقيم معه فى منطقته ، كما يحترم القيم الإنسانية فى التعايش مع الآخر ، حتى ولو كان غريباً عن وطنه ، أو مخالفاً له فى عقيدته ، وبعيداً عن آرائه فى مفهوم مذهبه ومدرسته الفكرية .
ولا يقتصر الأمر على هذه الخطوط العريضة فى المنهج الذى يُكِوِّن الفرد الصالح فى المجتمع ، بل يتعدى ذلك إلى أسلوب وطريقة الأساتذة فى التعامل مع الطلبة فى مدرجات الدراسة ؛ إذ يجب عليهم ألا يقتصر على توصيلهم للمعلومات التى يحتوى عليها منهج المادة التى يُدَرِّسونها ، بل ينبغى عليهم أن يطبقوا من الأساليب التربوية ما ينمى ملكات الطالب فى البحث والمناقشة والإبداع فى المجال الفكرى حتى يستوعب ما يستجد من مشاكل فى المجتمع ، وما يطفو على الساحة الدولية من تصورات فكرية ، ومذاهب فلسفية ، ويحاور الطلاب ويناقشهم حول ما يحيط بهم من أفكار واتجاهات على المستوى المحلى والعالمى ، حتى يعوا ما يدور حولهم ، ويفكروا فى حلول لما يحيط بهم من مشكلات . وقد مارست هذا الأسلوب مع الطلبة منذ تعيينى بجامعة الأزهر 1970م حتى الآن ، حتى فى الجامعات التى أُعِرْتُ إليها فى البلاد العربية والإسلامية ، فتخرج على يدى طلاب وعَوْا ما حولهم من مشاكل وأدركوا ما عليهم من مهام يحتم عليهم الإسهام فى حلها ، وفى هذا الصدد ما قام به : محمد عبد السميع شحاته المدرس المساعد فى قسم الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية ، شعبة اللغة الألمانية ، بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر ؛ إذ أدرك أن مشكلة التحرش التى انتشرت فى ربوع مصر حتى وصلت إلى التحرش الجماعى فى إحدى مدن الدلتا تحتاج إلى دراسة ، فعكف على بحثها إلى أن توصل إلى أن بدايتها النظر إلى المرأة ، فجعل موضوع بحثه: "غض البصر فى القرآن / قضية التواصل مع المرأة فى المنظور الإسلامى والأوربى"
ولم يقتصر فى بحثه على معالجة هذه الظاهرة فى المجتمع الإسلامى ، بل تعداه إلى تناولها فى المجتمع الألمانى ، فدرس الآيات القرآنية التى تحدثت عنها من منظور الحكم الذى توصل إليه المفسرون القدامى والمعاصرين ، وقد ساعده على عرض الموضوع عرضاً علميًّا ما اكتسبه من مناقشات فى مدرجات الدراسة ، وتطبيقيّا من عمله السابق فى مجال السياحة ، فجاءت دراسته شاملة لما جاء فى القرآن الكريم من وجوب غض البصر ، مستعيناً بالتفسيرات القديمة والحديثة للآيتين اللتين ورد فيها ذكر غض البصر ، مبيناً للأجانب أن غض البصر خلق إسلامى ، ثم أعقب البحث بنصائح وإرشادات للمسلمين المقيمين فى ألمانيا لمساعدتهم على الاندماج فى المجتمع الألمانى بصورة تضمن لهم الحفاظ على هويتهم الإسلامية .
ويعبر هذا البحث عن فائدة التواصل الإيجابى مع الطلبة ، ومدى أهميته ، ولذا ينبغى على أساتذة الجامعات ألايقتصروا فى عملهم داخل المدرجات على شرح ما تحتويه المادة من معلومات ، بل يفتحوا المجال مع الطلبة لتناول كل ما يعن لهم ، وما يحاصرهم من مشاكل وقضايا ، حتى لا تتحول إلى دافع لهم للسلوك الخاطئ ، فينخرطون فى جماعات تضللهم وتقودهم إلى الهاوية .
7. وزارة الداخلية : قد يرد هذا السؤال إلى الأذهان : ماعلاقة وزارة الداخلية بتجديد الخطاب الدينى ؟
إذا كان الأمر يتعلق بالثقافة وما يرتبط بها فليس لوزارة الداخلية دور فى هذا ، ولا يوجه إليها أى لوم فى هذا الاتجاه ، أو يطلب منها أن تقوم بأى دور فى هذا المجال إلا فيم يتعلق بتثقيف من هم تحت ولايتها ، ولكن قيامها بالأمن والانضباط فى الشارع له صلة وثيقة بتجديد الخطاب الدينى ؛ ذلك أن عملها يتفرع إلى ثلاثة فروع :
الأول : محاربة الإرهاب واستئصال شأفة الخارجين على القانون ممن يحملون السلاح ضد المجتمع ، وينشرون الرعب والفزع بين أفراد الأمة ، وتقوم وزارة الداخلية بواجبها فى هذا المجال على أكمل وجه ، فتضحى بشبابها فى سبيل إخضاع هذا الفريق الذى أعلن الحرب على المجتمع للقانون ، وإن اقتضى الأمر تصفيته . وعلى المجتمع أن يشكرها على هذا المجهود ويساعد أفرادها بكل وسيلة لتأدية هذه المهمة الضرورية لسلامة المجتمع وأمنه .
الثانى : محاربة الجريمة لحفظ أمن المواطن فى الشارع والمسكن وتأمين ممتلكاته ، وجهود الوزارة لا بأس بها ، وإن كنا نطلب المزيد من الجهد فى هذا المجال حتى يشعر المواطن بأنه آمن على نفسه وعلى ممتلكاته .
الثالث : تقديم الخدمات للمواطنين ، ويشمل ذلك تسهيل تحرك الناس فى الشارع بحيث يجدوا سهولة فى تحركهم لاتعوقهم مركبات من أى نوع ، ولا تتعدى على حقهم وسائل المواصلات الميكانيكية ، فتسلبهم حقهم فى استخدام منطقة عبور المشاة . فإن لم يجد الشباب سهولة فى تحركه فى الشوارع والطرق أصيب بالإحباط ، واعتراه شك فى الحصول على حقه فى الحياة ، ويصيبه اليأس فى استمتاعه بما له من حقوق فى حياته ، فيثور ضد النظام ، وقد تدفعه ثورته إلى الانخراط فى سلك جماعات معارضة تؤهله لاستعمال العنف ضد نفسه وضد بنى وطنه ، فيغرق فى دوامة التطرف ، ويمارس ما يمليه عليه أباطرة الإرهاب ، ودعاة التخريب والتدمير .
كذلك من واجبات وزارة الداخلية إغاثة من يطلب العون إذا اعترته مشكلة ، أو ألم به خطر يستدعى حضور قوات الأمن ، ومن الطبيعى أنه إذا اتصل بالمسئول الأمنى مواطن تليفونيًّا واستغاث به لأى أمر مهما صغر ، يجب عليه أن يجيبه وبسرعة ، ولكن الواقع يتسم بالبطء الشديد – إذا كانت هناك إجابة أصلاً – إذ لا يتحرك المسئول إلا فى حالات الكوارث الكبرى ، وحتى تحركه فى هذه الحالات يكون بطيئاً بحيث تتضاعف الآثار السلبية لهذه الكوارث .
ولاشك أن أسلوب تجاوب المسئول – المشاهد فى مجتمعنا - للاستغاثة يبعث الأسى عند الشباب ، ويصيبهم باليأس من النظام ، وهى ظاهرة حاضنة لأسباب اندفاع الشباب إلى دعاة التخريب فى المجتمع والقيام بالعمليات الإرهابية .
ويندرج تحت هذا العوار فى تعامل أجهزة الدولة مع المواطنين أسلوب كل الإدارات التى تتعامل مع أفراد الشعب ؛ إذ يجد المواطن صعوبة فى قضاء حاجاته المتعلقة بهذه الإدارات التى تتعامل مع جمهور المواطنين ، مما يؤدى إلى خلق بيئة حاضنة لبذور التطرف الذى يؤدى إلى دفع الشباب إلى الغلو والتشدد فى مواجهة نظام الدولة ، فيلجأ إلى من يخيل إليه أنه سوف يقتص له ، ويأخذ له حقه المسلوب عن طريق ممارسة القوة ضد من سلب منه حقه فى الجياة .
ومما لاشك فيه أن هذه الظواهر السلبية لها صلة بتجديد الخطاب الدينى ، لأن آثارها تقضى على ما تبنيه المؤسسات سالفة الذكر فى تكوين المواطن الصالح، فتهدم كل التعاليم الإيجابية التى غرستها وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى فى مناهجها لتقويم التلاميذ والطلاب .
كما تطمس معالم جهود وزارة الشباب والرياضة فى مجال تقويم أخلاق الشباب المتصلين بها ، وتقضى على آثار وزارة الثقافة عن طريق القوى الناعمة من غرس قيم ومبادئ أخلاقية فى جمهور المشاهدين لما تنتجه بصور متعددة .
أما ما تقوم به وزارة الأوقاف والأزهر من نشاط فى مجال تجديد الخطاب الدينى فلن يكون له أثر يذكر ، لأن الآثار السلبية التى أحدثها جهاز الخدمات فى وزارة الداخلية ، وتسببت فى جزء كبير منها أجهزة الدولة فى تعاملها مع المواطنين توحى للشباب بأن ما يقوله علماء الدين ليس إلا شقشقات لفظية وجعجعة صوتية لا يجدون لها مردوداً إيجابيًّا فى حياتهم ، فيفقدون الثقة فى علماء الدين وينصرفون عنهم إلى دعاة الغلو والتطرف ، فيسمعون لما يقولون – وهو بعيد عن تعاليم الإسلام الصحيحة وروحه السمحة – وينفذون ما يأمرونهم به ، حتى ولو كان تفجير أنفسهم للقضاء على حياتهم وحياة أناس لاذنب لهم ولا جريرة .
هذا بيان أرسله إلى كل من يتحدث عن تجديد الخطاب الدينى ، من أعلى القمة إلى قاعدتها ، ليدركوا أن الأزهر ليس وحده المسئول عن التجديد ؛ فكلنا مسئولون ، وقد بينت واجبات المؤسسات الهامة التى ينبغى أن تعمل فى هذا المضمار ، ولا ينفى هذا أن هناك جهات أخرى يجب عليها الإسهام فى تجديد هذا الخطاب كــــــــ : جمعيات المجتمع المدنى بكل أطيافها ، والنقابات بكل أنواعها ، والهيئات الخيرية ، وكل تجمع له صلة بالتربية والتثقيف والتوجيه .
أردت بهذا البيان تصحيح البوصلة ، حتى لا يصبح الكلام شقشقات لفظية لا معنى لها ، وجعجعة لانرى لها طحناً ، ولا أثر من ترديدها ، مما يجعل المشاهد حيران لا يعرف مضمون مايسمع ، ولا يتبين وجهة هذا التيار الفكرى الذى يصم آذانه بكلام رنان ليل نهار ، ولا يرى له واقعاً فى المجتمع .
ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد .
محمد عبد الغنى شامة