O
حَذَار
من تكرار سيناريو سقوط الأندلس في المنطقة العربية!!!!
[هذا هو
الجزء الثالث من مقدمة الطبعة الثانية لكتابنا المنشورة في عام 1972م]
تنتشر اليوم في المجتمعات الإسلامية نغمة تدعو إلى عدم التعصب ضد أتباع
الأديان الأخرى، مع أن المسلمين لم يكونوا في يوم من الأيام، متعصبين بالمعنى
المفهوم من هذه الكلمة لدى أصحاب هذه الدعوة. ولا يقصد من هذا سوى توهين العلاقة
بين المسلمين ودينهم، وفصل المسلم عن عاداته، وتقاليده الدينية، تحت ستار مسايرة
العصر، وإلا كان رجعيًّا ومتخلفاً، ويعيش بعقلية القرون الوسطى. وقد انزلق كثير من
أرباب الفكر في العالم الإسلامي في هذا المجال، فطفقوا يدعون إلى التنازل عن
الأفكار الدينية في الحياة الاجتماعية والسياسية، ويستند المعتدلون منهم إلى أن
الظروف الدولية تستدعي منا أن ننهج هذا السبيل، وإلا كنا شواذ في المجتمع الدولي،
لا نستطيع أن نتحرك بحرية، فنفشل، وتضيع حقوقنا بين التيارات السياسية المعاصرة، ويدللون على ذلك بأن الساسة الغربيين وهم مسيحيون طرحوا
مسألة الدين جانباً، وتصرفوا –ولا زالوا-على أساس علماني بحت.
ونسي هؤلاء أن تصريحات السياسيين العلنية في تلك البلاد،
تختلف إلى حدٍّما عما يرسمونه من خطط تهدف إلى السيطرة-بل القضاء-على العقائد
والمذاهب التي تقف عقبة في سبيل ما يتخذونه عقيدة ومذهباً، وإلا، فهل يستطيع هؤلاء
أن يفسروا لنا مغزى زيارة رؤساء الدول الكبرى للبابا، ويبينون لنا مضمون الأحاديث
التي تدور بينه وبينهم في الاجتماعات التي تستمر أحياناً وقتاً طويلاً!!!!
وما هو السبب في أن الأحزاب المسيحية، لازال لها السيطرة
في معظم بلاد الغرب، ولم تستطع الأحزاب الليبرالية أن تحرز نصراً في مواجهتها، إلا
بعد أن أظهرت عطفها على الكنيسة، وتأييدها لها؟؟؟؟
ومن الافتراء
على الحقائق، ما تردده الصحافة في الدول الإسلامية، من أن قيام دولة في هذا العصر
على أساس ديني، كما هو الحال في دولة إسرائيل – وكذلك الصراع الديني بين الكاثوليك
والبروتستانت في إيرلاندا-من الأمور الاستثنائية، لأن الصراع في كثير من بقاع
العالم يحمل –في صور متعددة، وأشكال مختلفة-طابعاً أيديولوجيًّا-دينيًّا أو
مذهبيًّا-ويظهر ذلك واضحاً في الأمثلة الآتية:
-
اتفاق روسيا مع الهند على ضرب الجيش الباكستاني، للقضاء
على واحدة من أكبر الدول الإسلامية في آسيا.
-
تجري دماء المسلمين في الفليبين علي يد المسيحيين، دون
أن تغطي وسائل الإعلام العالمية هذه الأحداث، ولو كان الأمر بالعكس، لملئت الدنيا
صياحاً وعويلاً.
-
محت روسيا معالم الإسلام من المناطق التي احتلتها، مثل
طشقند، وبخارى، والقرم، وغيرها، فقد حولت مساجدها إلى مسارح، ويجري الآن –بطريقة
منظمة-استئصال العقيدة من الأجيال الناشئة. وسوف ينقرض ما تبقى من الإسلام في هذه
المناطق بانقراض الجيل القديم. ونفس الأسلوب يجري في ألبانيا -ومعظم سكانها
مسلمون-ومع جميع الطوائف الإسلامية في البلاد الشيوعية.
-
قضت العلمانية على الطابع الإسلامي في تركيا التي كانت
مركزاً للخلافة الإسلامية في القرون الماضية، وصار الطابع الديني في البلاد التي
نشأت فيها العلمانية أكثر ظهوراً منه في تركيا، ولا يوجد تفسير لهذه الظاهرة، سوى
تصميم المعسكر الغربي على محو المظاهر الإسلامية في تركيا.
-
تتسم الحرب الدائرة بين "إيريتريا" والسلطات
الأثيوبية بطابع ديني.
-
ذُبِحَ كثير من المسلمين في إحدى دول شرق إفريقيا في
ستينات هذا القرن "العشرين"، وكان الدافع الرئيسي لهذه المذابح نزعة
عنصرية دينية.
-
عندما قامت حركة انفصالية في إحدى دول غرب إفريقيا، تلقت
مساعدات من "الفاتيكان"، ومن معظم الدول الأوروبية المسيحية، لأن معظم سكان
المنطقة التي أعلنت الانفصال مسيحيون، ولم تخف وسائل الإعلام الغربية وجهها، عندما
كانت تدعو مواطنيها إلى التبرع "للدولة المسيحية" الناشئة، رغم أنها لم
تكن سوي مجموعة تمردت على السلطة الشرعية، كذلك اعترفت بعض الدول المسيحية في
إفريقيا بدولة الانفصاليين.
وهناك الكثير من الأحداث العالمية التي تأخذ الطابع
الديني، وتحركها وتوجهها عواطف العقيدة-ديناً أو مذهباً-وتتلقى التأييد من ساسة
الدول الأخرى التي يقوم نظامها السياسي على أساس علماني بحت، ولو رمت حصر ما يقع
منها في العالم، لطالت هذه المقدمة عن المألوف.
وينبغي ألا يفهم من هذا أن على زعماء الدول الإسلامية أن
يكونوا جامدين في تحركاتهم السياسية، ويقطعوا كل صلة بتلك الأمم التي تنهج هذا
السبيل، بل عليهم-طبقاً لما نفهمه من روح التشريع الإسلامي-أن يسايروا العصر في
مجال السياسة، ولا يألوا جهدا في بناء دولهم على أسس حديثة عصرية لتتقدم علميًّا
وفنيًّا وعسكريًّا، وفي الوقت نفسه لا يكونوا سذجاً، يتبرؤون من الدين، ويتنكرون
لمن ينادي بالتمسك به، بحجة أنهم تقدميون، وإلا دارت عليهم الدائرة، كما حدث
لأمراء المسلمين في الأندلس، ولن يشفع لهم يومئذ كفرهم بكل ما يمت إلى الإسلام
بصلة.
* * *
يواجه المسلمون المعركة في مجالين: سياسي، وفكري، وقد
خسروا جولات في كليهما؛ ففي المجال السياسي ضاعت الأندلس، ودول البلقان، والقرم،
وطشقند، وغيرها.
وفي المجال الفكري سيطر الفكر العلماني على القادة فتنكر
بعضهم للإسلام وتجاهله آخرون، وتعرض كثير من الشباب-وخاصة بعض الذين درسوا في الخارج-لحملات
التشكيك في صلاحية الإسلام للمجتمع المعاصر؛ إذ يحاول المبشرون-ومن يسلكون
دروبهم-تشويه المبادئ الإسلامية لهم، زاعمين تارة أنها متخلفة عن العصر، وبالتالي
كانت سبباً في تخلف الشعوب الإسلامية، وأخرى بالهجوم مباشرة على عقائد الإسلام وتعاليمه،
فاهتزت عقيدة الشباب نتيجة لهذه الحملات، وضعفت العلاقة بينهم وبين الإسلام، فصاروا
لقمة سائغة للتيارات الإلحادية والموجات الصليبية.
كان هذا هو الدافع الرئيسي لأن أقدم هذا الكتاب للقارئ-عارضاً
في مقدمته جزءاً من تاريخ الصراع بين المسلمين والنصارى في الأندلس، ليكون سهماً
في ميدان الدفاع عن الإسلام فكريًّا، وصوتاً يذكر المسلمين –حكاماً ومحكومين-بما أصاب إخوانهم بالأمس
البعيد في الأندلس، ليأخذوا حذرهم ويعتصموا بحبل الله، إخواناً متحابين، غير
متحاربين، يساعد بعضهم بعضاً في النواحي الثقافية، والفنية، والعسكرية، ويمدوا يد
العون لمن يتعرض منهم للخطر، حتى لا يؤكلوا كما أكل المسلمون في الأندلس، ولن
يقيهم من عدوهم ساعتئذ إدراكهم لخطئهم وندمهم على ما فاتهم، ولن يملكوا إلا أن
يرددوا المثل القائل: "أُكِلْتُ يوم أن أكل الثور الأبيض".
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.