O
وامعتصماه!
ـأ. د/ محمد شامة
هذه استغاثة امرأة مسلمة بأمير المسلمين المعتصم بالله (المعتصم بالله هو الخليفة الثامن للدولة
العباسية، اسمه بالكامل هو أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن
المنصور، ولد عام 179 هجري في بغداد) وهي كما وردت أحداثها في التراث الإسلامي كما يلي:
استولى ملك الروم على مدينة "عمورية"، إحدى مدن
الخلافة العباسية، و كانت هناك مدينة صغيرة تنفرد بجمالها و موقعها الاستراتيجي
المتميز فهي تقع على الحدود الفاصلة بين الدولة العباسية، ودولة الروم و لأهمية موقعها حاول ملك الروم الاستيلاء عليها ، فاستعد لذلك و
جهز جيشاً قوياً و غزا المدينة و عامل جنود ملك الروم أهل مدينة عمورية أسوأ
معاملة و كعادة جيش الروم في كل معاركهم عدم احترام النساء فقد قاموا بأسرهن و كان
من بين النساء اللاتي أسرهن الروم فتاة جميلة جداً تم حملها كغيرها من النساء
إلى سوق العبيد و نادى المنادي ليبيعها فأعجب بها أحد رجال الروم و قرر أن يشتريها
من المنادي و دفع ثمنها و مسكها من يدها ليأخذها معه و لكن الدموع ملأت عينيها، و
أخذت تصرخ بشدة ، و بصوت عالي جداً لفت أنظار الجميع و كانت تقول: وامعتصماه ..
وامعتصماه ..
وكلما صرخت الفتاة وامعتصماه أخذ الرجل
يضربها بسطوة شديدة ولحسن حظ الفتاة رأى رجل عربي هذه المأساة وهو متنكر فركب فرسه
متجهاً بسرعة شديدة إلى بغداد. قضى ذلك الرجل عدة أيام ليصل إلى بغداد لكي يقابل
الخليفة العباسي المعتصم بالله و يحكي له ما رأته عيناه و كيف كان حال الفتاة .. وكيف
عاملها الرجل الرومي، فوصل الرجل إلى المعتصم بالله واستأذن الجنود ليدخل إليه، فأذن
له، فلما دخل الرجل إلى المعتصم سرد له ما حدث بكل دقة.
استمع
المعتصم بالله إلى الفتى وثار غضبه، فاستدعى رسولاً من بلاطه ليرسل معه رسالة إلى
أمير عمورية وقال له فيها كلمات قاسية للغاية، وهي كالتالي:
”
بسم الله الرحمن الرحيم
من أمير المؤمنين المعتصم بالله إلى كلب الروم،
لتخرجن من المدينة أو لأخرجنك منها صاغراً ذليلاً" و عندما وصلت الرسالة إلى أمير عمورية بعد
أيام قليلة، جاء رسول المعتصم بالله لينقل له رد ملك الروم و الذي قال لرسول
المعتصم: ” ليفعل أميركم ما يعتقد أنه قادر على فعله ” سمع المعتصم بالله ما قاله
رسوله فزاد غضبه فقرر محاربة ملك الروم
.
جهز
الخليفة المعتصم جيشه الجرار و استدعى أقوى قواده و كان قد وصل عدد رجال الجيش إلى
حوالي تسعين ألف رجل، و حرص الخليفة المعتصم بالله على أن يأخذ معه الرجل الذي
أبلغه بقصة الفتاة ليدله على مكانها، وصل
جيش المعتصم إلى مدينة عمورية و لما سمع الروم بخبر وصول جيش المعتصم تملكهم الخوف،
و الفزع فشددوا الحصار على المدينة و بالفعل عجز جيش المعتصم عن اقتحام أسوار
المدينة في البداية و لكن جيش المعتصم العظيم لم ييأس و حاصر المدينة من
جميع نواحيها و قاموا بهدم الأسوار التي بناها جيش الروم و استخدموا في ذلك الفيلة، و المجانيق و
لما رأى أهل الروم رماح جيش المعتصم هرب عدد كبير منهم و جرت دمائهم كالسواقي بعد أن دارت معركة بين جيش الروم و جيش
المسلمين انتصر خلالها جيش المسلمين و تمكن جيش المعتصم من السيطرة على
المدينة و أسروا عدداً كبيراً من القادة ، والزعماء و قام جنود جيش المعتصم بإشعال
النيران في خيام جنود الروم و تخلصوا من آثارهم وعادت المدينة إلى المسلمين.
بعد
أن انتهت المعركة مع الروم استدعى جنود المعتصم بالله الفتى الذي جاء إلى بغداد وحكى
لهم قصة الفتاة، فطلبوا منه أن يحدد لهم بالضبط مكان الفتاة، وصل المعتصم، وجنوده
إلى الفتاة، و إلى سيدها الرجل الرومي و تمكنوا هناك من تحرير هذه الفتاة و ليس
ذلك فقط، بل جعل سيدها الرومي عبداً لها ثم سألها المعتصم بالله سؤاله الشهير الذي
كتبه التاريخ و لم ينسه العرب المسلمون أبداً (إلا أولئك الحكام الضعفاء
المتخاذلون) والسؤال هو: هل لبى المعتصم نداءك …؟،
و عادت الحرية إلى جميع الأسرى و السبايا التي كانوا قد وقعوا تحت سطوة جيش الروم.
فعلى الرغم من
ارتكاب المعتصم-وغيره من الخلفاء وأمراء المسلمين الذين سبقوه، والذين جاءوا من
بعده حتى العصر الحالي-بعض الأمور التي لا يرضى عنها الله ورسوله، إلا أنه قد قرأ
ما فعله الرسول e
في مثل هذا الموقف (سبب قيام غزوة قينقاع)، وفهمه ُوطبقه؛ فقد روي أن يهوديًّا عقد
طرف ثوب امرأة مسلمة كانت في سوق بني قينقاع لحاجة
لها، فلما قامت انكشفت سوأتها فصرخت، فضحك اليهود فقام مسلم، فقتل هذا اليهودي،
فتكاثر اليهود على المسلم فقتلوه، فحاصرهم النبي e خمسة عشر يوما حتى نزلوا على حكم رسول الله.
أوردت ما حدث في هاتين الموقعتين بالتفصيل، كي يقرأه حكام المسلمين إن
قرأوا، إلا إنهم إن قرأوه لا يفهموه، وإن فهموه لا يعملوا بمقتضاه؛ لأنهم يخشون على
مناصبهم من سطوة الحكام الذين يسيطرون على العالم؛ فوجودهم على كراسيهم مرهون
برضاء هؤلاء عنهم، فإن أغضبوهم أطاحوا بهم من مراكزهم، فهم عباد لهم، والعبد لا
يغضب سيده وإلا طارت رأسه من على جسمه.
فإن كان هذا وضعهم، فماذا تطلب منهم غير التنديد
والاستنكار-الذي لا يؤلم أحداً-ومناشدة القوى والهيئات الدولية أن يرفعوا هذا
الظلم الذي وقع على بعض الشعوب الإسلامية، أو عقاب من تجرأ على المقدسات الإسلامية
فأهانها بكل الوسائل. وهم يعلمون أن المنظمات الدولية ليس لها رغبة في إجابة هذه
الاستغاثة، حتى وإن تحققت لديها هذه الرغبة فلن تستطيع القيام بأي إجراء ينصف
المسلمين فستحول قوى دولية بينها وبين الوقوف بجانب المسلمين.
وألف رحمة ونور على روح الشاعر «جرير بن عطية اليربوعي[1]» الذي قال منذ أربعة عشر
قرناً:
«زعم
الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعاً أبشر
بطول سلامة يا مِرْبَعُ»!
لا أطلب منهم أن يفعلوا
مثل ما فعل المعتصم؛ فالموقف الدولي لا يمكنهم من ذلك، ولكن هناك أمور أخرى يمكن
أن يفعلها المسلون، وخاصة الشعوب الإسلامية.
ماهي؟
إذا نظرنا إلى وضع
المسلمين الحالي نرى أن بعض الدول المجاورة للعدو الإسرائيلي قد عقدت معاهدات مع
هذه الدولة، فلا أطلب من هذه الدول نقض هذه المعاهدات، وإنما المطلوب منها إعطاء
الحرية لشعوبها أن تقاطع هذه الدولة، فإن فعلت الشعوب ذلك بحرية فسوف تختنق هذه
الدولة المعادية حتى وإن حاولت القوى العظمى مدها بما يهيئ لها الحياة لأن
المقاطعة الكاملة لن تمكن الآخرين من إمدادها بأي شيء. أما الدول التي ليس لها
حدود مع هذه الدولة التي تعتدي على المسلمين صباح مساء، فالمطلوب منا إسلاميًّا
عدم التعامل معها على الإطلاق، ولكن المشاهد أن هذه الدول تتسابق في طلب ود هذه
الدولة المعتدية، وتقدم لها من التنازلات ما يساعدها على مداومة الاعتداء على
المسلمين.
فماذا تستطيع الدول الإسلامية عمله ضد هؤلاء الذين يعتدون على المسلمين وعلى المقدسات الإسلامية في جميع أنحاء العالم؟
يملك المسلمون تجاه
هؤلاء إجراءات تمكنهم من الضغط على جميع الدول وتحملهم على احترام المسلمين
ومقدساتهم دون اللجوء إلى استعمال القوة، فقد ذكر "باول شمتز" الألماني
في كتابه "الإسلام قوة الغد العالمية؟" أربع مراكز للقوة تمكن العالم الإسلامي من
السيطرة على مجريات الأحداث في العالم، أذكر منها أولاها، فيقول عنها هذه المؤلف: "لم
يحتل العالم الإسلامي مكاناً أسمى ولا
أوضح أهمية ولا أحسن وضعاً مما ناله عندما أقيمت شبكة مواصلات جوية من أوروبا إلى
الشرق الأقصى، ومنها إلى وسط وجنوب إفريقيا؛ فقد احتلت مصر المكان الأول في عالم
المواصلات الجوية والنقل بالطائرات؛ لأنها نقطة ربط في هذا المجال، ولم ينل بعد أي
مكان في العالم مثل هذه الدرجة، فشركات الطيران الإنجليزية والفرنسية والألمانية
والهولندية والإيطالية مهدت طريقاً جويًّا في سني ما بعد الحرب عبر الشرق الأدنى،
وربطت أوروبا بالشرق والجنوب، مارة بهذه المنطقة، ونافسوا يذلك الخطوط البحرية عبر
قناة السويس، وأصبحت البلاد الإسلامية ركائز الطريق الجوي إلى الهند وأستراليا
والشرق الأقصى وجنوب إفريقيا." [2]
وبعد أن بَيَّن مسار
الخطوط الجوية للشركات المختلفة، وموضحاً أنها تمر في أجواء العالم الإسلامي قال:
"إن دخول العالم الإسلامي مرة أخرى في حركة المرور الدولية له أهمية كبرى،
وأكثر منه أهمية التماسك الداخلي للدول التي قامت حديثاً في الشرق الأدنى وتطور
التقارب بين هذه الدول.....لو استعرضنا وسائل المواصلات في أواخر القرن التاسع عشر
وأوائل القرن العشرين في هذه المنطقة الإسلامية، ووضعنا بجانبه ما وصلت إليه اليوم
(منتصف القرن العشرين) لظهر من النظرة الأولى مدى التغيير الذي طرأ على المنطقة،
وخاصة منذ أن خطت السيارة ذات المحركات (أوتوموبيل) خطوات واسعة في هذا
المجال."[3]
، ويختم هذه الفقرة قائلاً: "هذا هو العالم الإسلامي الذي ترامت أطرافه
وتباعدت، أصبح اليوم (منتصف القرن العشرين)-بفضل تطور المواصلات-صغيراً ومتقارباً؛
فكلٌّ يشعر بصلة جوار تربطه بالآخر، وإن تباعدت جغرافيًّا، فمَنْ في بغداد جار لمن
في مكة، ومن في طهران جار لمن في كابول. لقد أرسى ربط الأقاليم ببعضها، والتغلب
على الحواجز-التي عاقت المواصلات فيما مضى-أُسَسَ الشعور الجماعي بمصير هذه
المنطقة، وكان مقدمة لمشروعات جماعية في المجالات الاقتصادية، والسياسية،
والثقافية.... وهكذا أصبح واضحاً وجود إرهاصات لقيام وحدة تقف على قدم المساواة مع
أوروبا.
"بدأت حقبة جديدة في تاريخ العالم الإسلامي
بعودة الحياة إلى طرق المواصلات القديمة، وسوف تشهد صراعاً مُرًّا بين الشرق
والغرب مثل الصراع الذي قرر مصير هذه المنطقة في القرون الماضية، والتاريخ يعيد
نفسه فقد أدرك الإسلام -مرة أخرى-أنه يحتل مركز قوة في العالم."[4]
أضاف "باول
شمتز" إلى ذلك عدة قوى يملكها العالم الإسلامي، حيث يقول: لدى المسلمين خصوبة
بشرية، تمكنهم من التفوق على غيرهم إن هم أحسنوا إعدادها وتوجيهها،
كما أنهم يملكون من الثروات والمواد الخام ما يستطيعون به بناء قوة اقتصادية
صناعية تضارع أرقى الصناعات العالمية -إن لم تفوقها-وسوف تزداد هذه الثروات في وقت
تقل فيه في البلاد الأخرى، مما يمكنهم من التحكم في توجيه الصناعة في العالم،
وبالإضافة إلى ذلك فلديهم الإسلام، ذلك الدين الذي له قوة سحرية على تجميع
الأجناس البشرية المختلفة تحت راية واحدة. ثم يختم كتابه بتوجيه تحذير إلى
العالم الغربي، قائلاً: "إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوروبا،
وهتاف يجوب آفاقها، يدعو إلى التجمع والتساند الأوروبي لمواجهة هذا العملاق الذي
بدأ يصحو وينفض النوم عن عينيه!!!
هل يسمعه أحد؟؟؟؟؟
ألا من مجيب؟؟؟؟؟
لم يستخدم المسلمون أي
عنصر من عناصر القوى التي يملكونها للدفاع عن حرماتهم، وحماية مقدساتهم، بل فرطوا
فيها واحدة تلو الأخرى: أضاعوا الموقع الاستراتيجي الذي يملكونه فسمحوا للأجانب
بالسيطرة على كل المواقع الهامة بحيث أصبحوا خاضعين لهذه القوى، وأهملوا القوة
البشرية بحيث صارت عبئاً عليهم، وفرطوا في ثرواتهم فأصبحت في أيدي أعدائهم لا
يتمتعون إلا بما يسمح به هؤلاء الأعداء لهم، ونسوا قول الله تعالى: ﱡﭐ
ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱐﱠ [الأنفال:
٤٦] ، فدب الشقاق والنزاع في ربوعهم، فصار بعضهم يضرب رقاب بعض، وبذلك
ضاعت كل القوى التي يملكونها، فصار تنديدهم بما يقترفه أعداؤهم هباء منثورا لا
يلتفت إليه أحد، ولا تعيره أي منظمة دولية أدنى اهتمام، لأن المسلمين لا يملكون
إلا التنديد والاستنكار، وينطبق عليهم قول جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع
فمتى يفيق الحكام من سكرات السلطة التي يحرصون
عليها، فيتبارون في تقديم ولاء الطاعة للأعداء حتى وإن لم يطلبوها، لأنهم يدركون
أن بقاءهم في الحكم مرهون برضاء تلك القوى عنهم.
عفواً عمر ابن الخطاب،
عفواً صلاح الدين، عفواً المعتصم بالله. عفواً يا ابن الخطاب فالبلاد التي افتتحتموها
قد ضيعها الحكام لانشغالهم بأنفسهم، عفواً صلاح الدين فالقدس التي حررتها قد ضاعت
منا بسبب حكام هذا الزمان، عفواً المعتصم بالله فالمرأة التي استغاثت بك وجندت
لأجلها عشرات الآلاف فحررتها، فليس في المسلمين من يجيب المستغيثين صباح مساء، نحن
اليوم بحاجة إلى عمر بن الخطاب وصلاح الدين و المعتصم بالله …………:وألف رحمة ونور على روح الشاعر «جرير بن عطية اليربوعى» الذى قال
منذ أربعة عشر قرناً:
«زعم الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعاً أبشر
بطول سلامة يا مِرْبَعُ»!
رددوا
صباح مساء تنديدكم بالاعتداءات المتكررة على المسلمين في كثير من بقاع العالم، فلن
يسمع لكم أحد لأنها نداءات جوفاء، واستغيثوا بأية منظمة دولية، فلن تصل استغاثتكم
إلى محيط هذه المنظمات لأن القائمين عليها يدركون أن لا وزن لكم في السياسة
الدولية.
تلك حقيقة أتمنى أن يعيها حكام المسلمين،
وتفهمها الشعوب الإسلامية، فتبذل كل ما وسعها لاسترداد قوتها، حتى يكون لها المكان
اللائق بها في المجتمع الدولي.
أ.
د/ محمد شامة